معاني

يراعي ان هناك عدم تنبه للفرق بين سبق تنزيل سورة البقرة 2هـ وتراخي تنزيل سورة الطلاق 5هـ**معاني كلمات القران الكريم في كل سورة



فهرس معاني الكلمات001 الفاتحة ►002 البقرة ►003 آل عمران ►004 النساء ►005 المائدة ►006 الأنعام ►007 الأعراف ►008 الأنفال ►009 التوبة ►010 يونس ►011 هود ►012 يوسف ►013 الرعد ►014 إبراهيم ►015 الحجر ►016 النحل ►017 الإسراء ►018 الكهف ►019 مريم ►020 طه ►021 الأنبياء ►022 الحج ►023 المؤمنون ►024 النور ►025 الفرقان ►026 الشعراء ►027 النمل ►028 القصص ►029 العنكبوت ►030 الروم ►031 لقمان ►032 السجدة ►033 الأحزاب ►034 سبأ ►035 فاطر ►036 يس ►037 الصافات ►038 ص ►039 الزمر ►040 غافر ►041 فصلت ►042 الشورى ►043 الزخرف ►044 الدخان ►045 الجاثية ►046 الأحقاف ►047 محمد ►048 الفتح ►049 الحجرات ►050 ق ►051 الذاريات ►052 الطور ►053 النجم ►054 القمر ►055 الرحمن ►056 الواقعة ►057 الحديد ►058 المجادلة ►059 الحشر ►060 الممتحنة ►061 الصف ►062 الجمعة ►063 المنافقون ►064 التغابن ►065 الطلاق ►066 التحريم ►067 الملك ►068 القلم ►069 الحاقة ►070 المعارج ►071 نوح ►072 الجن ►073 المزمل ►074 المدثر ►075 القيامة ►076 الإنسان ►077 المرسلات ►078 النبأ ►079 النازعات ►080 عبس ►081 التكوير ►082 الإنفطار ►083 المطففين ►084 الانشقاق ►085 البروج ►086 الطارق ►087 الأعلى ►088 الغاشية ►089 الفجر ►090 البلد ►091 الشمس ►092 الليل ►093 الضحى ►094 الشرح ►095 التين ►096 العلق ►097 القدر ►098 البينة ►099 الزلزلة ►100 العاديات ►101 القارعة ►102 التكاثر ►103 العصر ►104 الهمزة ►105 الفيل ►106 قريش ►107 الماعون ►108 الكوثر ►109 الكافرون ►110 النصر ►111 المسد ►112 الإخلاص ►113 الفلق ►114 الناس ►

الثلاثاء، 20 يوليو 2021

ج 19. من كتاب البداية والنهاية لابن كثير

مقدمة المصنف 

هذا كتاب الفتن والملاحم الواقعة في آخر الزمان مما أخبر به رسول الله ، 

.وذكر أشراط الساعة والأمور العظام التي تكون قبل يوم القيامة ، مما يجب الإيمان بها . الصادق المصدوق قد أخبر بها ، وهو لا ينطق عن الهوى .
وقد ذكرنا فيما تقدم من كتابنا هذا إخباره عن الغيوب الماضية ، وبسطناه في بدء الخلق ، وقصص الأنبياء ، وأيام الناس إلى زماننا ، وأتبعنا ذلك بذكر سيرته وأيامه ، وذكر شمائله ودلائل نبوته ، وذكرنا فيها ما أخبر به من الغيوب التي وقعت بعده طبق إخباره ، كما شوهد ذلك عيانا قبل زماننا هذا ، وقد أوردنا جملة ذلك في آخر كتاب دلائل النبوة من سيرته ، وذكرنا عند كل زمان ما ورد فيه من الحديث الخاص به عند ذكر حوادث الزمان ، ووفيات الأعيان ، كما بسطنا في كل سنة ما حدث فيها من الأمور الغريبة ، وترجمنا من توفي فيها من مشاهير الناس; من الصحابةوالخلفاء ، والملوك والوزراء والأمراء ، والفقهاء والصلحاء ، والشعراء والنحاة والأدباء ، والمتكلمين ذوي الآراء ، وغيرهم من النبلاء ، ولو أعدنا الأحاديث المذكورة [ ص: 4 ] فيما تقدم لطال ذلك ، ولكن نشير إلى ذلك ، إشارة لطيفة ، ثم نعود إلى ما قصدنا له هاهنا وبالله المستعان .

فمن ذلك قوله لتلك المرأة التي قالت : أرأيت إن لم أجدك؟ كأنها تريد الموت ، فقال : " إن لم تجديني فأتي أبا بكر " . رواهالبخاري ، فكان القائم بالأمر بعده أبو بكر . وقوله حين أراد أن يكتب للصديقكتابا بالخلافة فتركه; لعلمه أن أصحابه لا يعدلون عن أبي بكر إلى غيره; لعلمهم بسابقته وأفضليته ، رضي الله عنه ، فقال : " يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " . وهو في الصحيح أيضا . وقوله : " اقتدوا باللذين من بعدي ، أبي بكر ،وعمر " . رواه أحمد ، وابن ماجه ، والترمذيوحسنه ، وصححه ابن حبان ، وهو من روايةحذيفة بن اليمان . وقد روي من طريق ابن مسعود ، وابن عمر ، وأبي الدرداء ، رضي الله عنهم . وقد بسطنا القول في هذا في فضائل الشيخين .

والمقصود : أنه وقع الأمر كذلك؟ ولي أبو بكر الصديق الخلافة بعد رسول الله ، ثم وليها بعده عمر ، كما أخبر سواء بسواء .

وروى مالك والليث ، عن الزهري ، عن ابن لكعب بن مالك ، عن أبيه ، أن رسول الله قال : " إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط" . وفي رواية : " فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لهم ذمة ورحما " . وقد افتتحها عمرو بن العاص [ ص:5 ] في سنة عشرين ، أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وفي " صحيح مسلم " عن أبي ذر ، عن رسول الله قال : " إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط ، فاستوصوا بأهلها خيرا; فإن لهم ذمة ورحما " .

وقد مصر في أيام عمر بن الخطاب المصران;البصرة والكوفة . فروى أبو داود ، حدثنا عبد الله بن الصباح ، ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ، ثناموسى الحناط - لا أعلم إلا أنه ذكره عن موسى بن أنس ، عن أنس بن مالك - أن رسول الله قال : " يا أنس ، إن الناس يمصرون أمصارا ، وإن مصرا منها يقال له : البصرة - أوالبصيرة - فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك وسباخها وكلاءها ، وسوقها وأبواب أمرائها ، وعليك بضواحيها; فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف ، وقوم يمسخون قردة وخنازير " .

========


خبر الأبلة اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

خبر الأبلة : قال أبو داود : حدثنا ابن المثنى ، ثناإبراهيم بن صالح بن درهم ، سمعت أبي يقول : انطلقنا حاجين ، فإذا رجل ، فقال لنا : من أين جئتم؟ [ ص: 6 ] فقلنا : من بلد كذا وكذا . فقال : إن بجنبكم قرية يقال لها : الأبلة؟ فقلنا : نعم . فقال : من يضمن أن يصلي لي في مسجد العشار ركعتين أو أربعا ، ويقول : هذه لأبي هريرة؟ فإني سمعت رسول الله - يقول : " إن الله يبعث من مسجد العشار شهداء لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم " .

وقال فيما ثبت عنه في " الصحيحين " : " إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله " . وقد وقع ذلك كما أخبر به سواء بسواء ، في زمن أبي بكر ، وعمر ،وعثمان; انزاحت يد قيصر ذلك الوقت - واسمههرقل - عن بلاد الشام والجزيرة ، وثبت ملكه مقصورا على بلاد الروم فقط ، والعرب إنما كانوا يسمون قيصر لمن ملك بلاد الروم مع الشاموالجزيرة . وفي هذا الحديث بشارة عظيمة لأهلالشام; وهو أن يد ملك الروم لا تعود إليها أبد الآبدين . وسنورد هذا الحديث قريبا بإسناده ومتنه إن شاء الله تعالى . وأما كسرى فإنه سلب عامة ملكه في زمن عمر بن الخطاب ، ثم استؤصل باقيه في خلافة عثمان ، وقتل في سنة ثنتين وثلاثين ، ولله الحمد والمنة ، وقد بسطنا ذلك مطولا فيما سلف ، وقد دعا على كسرى رسول الله حين بلغه أنه مزق كتابه ، بأن يمزق ملكه كل ممزق ، فوقع الأمر كذلك .

وثبت في " الصحيحين " من حديث الأعمش ،وجامع بن أبي راشد ، عن [ ص: 7 ] شقيق بن سلمة ، عن حذيفة ، قال : كنا جلوسا عند عمر بن الخطاب ، فقال : أيكم يحفظ حديث رسول الله في الفتنة؟ قلت : أنا . قال : هات إنك لجريء . فقلت : ذكر فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره ، يكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . فقال : ليس هذا أعني ، إنما أعني التي تموج موج البحر . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن بينك وبينها بابا مغلقا . فقال : ويحك ! أيفتح الباب أم يكسر؟ قلت : بل يكسر . قال : إذا لا يغلق أبدا . قلت : أجل . فقلنا لحذيفة : أكان عمريعلم من الباب؟ قال : نعم; إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط . قال : فهبنا أن نسأل حذيفة : من الباب؟ فقلنا لمسروق : سله . فسأله ، فقال : هو عمر. وهكذا وقع الأمر سواء بعد مقتل عمر في سنة ثلاث وعشرين; وقعت الفتن بين الناس بعد مقتله ، وكان ذلك سبب انتشارها بينهم .

وأخبر عن عثمان بن عفان أنه من أهل الجنة ، على بلوى تصيبه ، فوقع الأمر كذلك; حصر وقتل صابرا محتسبا شهيدا ، رضي الله عنه ، وقد ذكرنا عند مقتله الأحاديث التي وردت بالإنذار بذلك ، والإعلام به قبل كونه; فوقع طبق ذلك سواء بسواء . وذكرنا ما ورد من الأحاديث في الجمل وصفين ، فوقع الأمر كذلك . وكذلك الإخبار بمقتل عمار . وما ورد في [ ص: 8 ]الأحاديث بمقتل الخوارج الذين قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وصفتهم ، ونعت ذي الثديةمنهم . كل ذلك قد حررناه فيما سلف ، ولله الحمد والمنة . وذكرنا عند مقتل علي الحديث الوارد في ذلك بطرقه ، وألفاظه ، وتقدم الحديث الذي رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي وحسنه ، من طريق سعيد بن جمهان ، عن سفينة ، أن رسول الله قال : " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا " . وقد اشتملت هذه الثلاثون سنة على خلافة أبي بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان الشهيد ، وعلي بن أبي طالبالشهيد أيضا ، وكان تمامها وختامها بستة أشهر وليها الحسن بن علي بعد أبيه ، وعند تمام الثلاثين نزل عن الأمر لمعاوية بن أبي سفيان ، وأصفقت البيعة لمعاوية وسمي ذلك عام الجماعة ، وقد بسطنا ذلك فيما تقدم . وروى البخاري عن أبي بكرة ، رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله يقول - والحسن بن علي إلى جانبه على المنبر - : " إن ابني هذا سيد ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " . وهكذا وقع .

وثبت في " الصحيحين " عن أم حرام بنت ملحانأن ناسا من هذه الأمة يغزون البحر مرتين ، وأنها تكون مع الأولين ، فكان الأمر كذلك في سنة سبع وعشرين ، مع معاوية في خلافة عثمان ، حين استأذن عثمان في غزو قبرس ، [ ص: 9 ] فأذن له فركب المسلمون المراكب إليها وفتحوها قسرا ، وتوفيت أم حرام في هذه الغزوة ، وكانت أم حراممع زوجها عبادة بن الصامت ، وكان مع معاوية في هذه الغزوة زوجته فاختة بنت قرظة . وأما غزوة البحر الثانية فكانت في سنة ثنتين وخمسين في أيام معاوية أيضا ، غزاها ابنه يزيد ومعه الجنود فدخلوا إلى القسطنطينية ، وكان معه في هذا الجيش جماعة من أعيان الصحابة ، منهم أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد ، رضي الله عنه ، فمات هنالك وأوصى إلى يزيد بن معاوية ، أن يدفنه تحت سنابك الخيل ، وأن يوغل به إلى أقصى ما يمكن أن ينتهي به إلى نحو جهة العدو ، ففعل ذلك .

وتفرد البخاري بما رواه من طريق ثور بن يزيد ، عنخالد بن معدان ، عن عمير بن الأسود العنسي ، عنأم حرام ، أنها سمعت رسول الله يقول : " أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا " . قالت أم حرام : قلت : يا رسول الله ، أنا فيهم؟ قال : " أنت فيهم " . ثم قال النبي : " أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم " . قلت : أنا فيهم يا رسول الله؟ قال : " لا " .

=========


ذكر قتال الهند اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
→ '

[[
مؤلف:|]] ←





قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا البراء ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، قال : حدثني خليلي الصادق رسول الله أنه قال : " يكون في هذه الأمة بعث إلى السند والهند " . فإن أنا أدركته فاستشهدت فذاك ، وإن أنا - فذكر كلمة - رجعت ، فأنا أبو هريرة المحرر; قد أعتقني من النار . ورواه أحمد أيضا ، عن هشيم ، عن سيار ، عن جبر بن عبيدة ، عن أبي هريرة ، قال : وعدنا رسول الله غزوة الهند ، فإن استشهدت ، كنت من خير الشهداء ، وإن رجعت فأنا أبو هريرة المحرر . ورواه النسائي من حديثهشيم وزيد بن أبي أنيسة ، عن سيار ، عن جبر - ويقال : جبير - عن أبي هريرة ، فذكره . وقد غزا المسلمون الهند في سنة أربع وأربعين ، في إمارةمعاوية أيضا ، فجرت هنالك أمور قد ذكرناها مبسوطة فيما تقدم ، وقد غزاها الملك السعيد المحمود محمود بن سبكتكين صاحب غزنة وما والاها ، في حدود أربعمائة ، ففعل هنالك أفعالا مشهورة ، وأمورا مشكورة؟ كسر الصنم الأعظم المسمى بسومنات ، وأخذ قلائده وجواهره وذهبه وشنوفه ، وأخذ من الأموال ما لا [ ص: 11 ]يحصى ، ورجع إلى بلاده سالما مؤيدا منصورا .

وقد كان نواب بني أمية يقاتلون الأتراك ، في أقصى بلاد السند والصين ، وقهروا ملكهم القان الأعظم ، ومزقوا عساكره ، واستحوذوا على أمواله وحواصله ، وقد وردت الأحاديث بذكر صفتهم ونعتهم ، ولنذكر شيئا من ذلك على سبيل الإيجاز : قال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ،أخبرنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي قال : " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر ، وحتى تقاتلوا الترك; صغار الأعين ، حمر الوجوه ، ذلف الأنوف ، كأن وجوههم المجان المطرقة ، وتجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الأمر ، حتى يدخل فيه ، والناس معادن; خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام ، وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله " . تفرد بهالبخاري . ثم قال : حدثنا يحيى ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، أن النبي قال : " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم ، حمر الوجوه فطس الأنوف ، كأن [ ص: 12 ] وجوههم المجان المطرقة ، نعالهم الشعر " . ورواه أحمد عنعبد الرزاق .

وقال أحمد : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ،عن سعيد ، عن أبي هريرة ، يبلغ به النبي قال : " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما كأن وجوههم المجان المطرقة ، نعالهم الشعر " ، وأخرجه الجماعة سوى النسائي ، من حديثسفيان بن عيينة به . ورواه البخاري عن علي بن المديني ، عن سفيان بن عيينة . ورواه مسلم أيضا من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، كلاهما عن قيس بن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، فذكر نحوه . قالسفيان بن عيينة : وهم أهل البارز . كذا قال سفيان ، ولعله : البازر ، وهو سوق الفسوق الذي لهم .

حديث عمرو بن تغلب : وقال أحمد : حدثنا عفان ،حدثنا جرير بن حازم ، سمعت الحسن ، حدثنا عمرو بن تغلب ، سمعت رسول الله يقول : " إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما نعالهم الشعر " أو : " ينتعلون الشعر " - وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما عراض الوجوه ، كأن وجوههم المجان المطرقة " . ورواه البخاريمن حديث جرير بن حازم .

[
ص: 13 ] وقد روي من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي . قال أحمد : ثنا أبو نعيم ، ثنا بشير بن المهاجر ، حدثني عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : كنت جالسا عند النبي فسمعته يقول : " إن أمتي يسوقها قوم صغار الأعين ، كأن وجوههم الحجف ، ثلاث مرار " حتى يلحقوهم بجزيرة العرب; أما السياقة الأولى فينجو من هرب منهم ، أما الثانية فينجو بعض ويهلك بعض ، وأما الثالثة فيصطلمون كلهم من بقي منهم " . قالوا : يا رسول الله ، من هم؟ قال : " الترك ، والذي نفسي بيده ليربطن خيولهم بسواري مسجد المسلمين " . قال : فكان بريدة لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع بعد ذلك للهرب; لما سمع من رسول الله من البلاء في الترك . ورواه أبو داود في كتاب الملاحم من " سننه " عن جعفر بن مسافر ،عن خلاد بن يحيى ، عن بشير بن المهاجر . ورواهأبو يعلى عنه ، به ، وفيه : " قوم صغار العيون ، عراض الوجوه ، كأن وجوههم الحجف ، يلحقون أهل الإسلام بمنابت [ ص: 14 ] الشيح ثلاث مرات; أما المرة الأولى فينجو من هرب ، وأما المرة الثانية فينجو بعض ، وأما الثالثة فيهلكون جميعا ، كأني أنظر إليهم وقد ربطوا خيولهم بسواري المسجد " . قيل : من هم يا رسول الله؟ قال : " هم الترك " .

حديث أبي بكرة الثقفي في ذلك :

قال الإمام أحمد : ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ،ثنا الحشرج بن نباتة القيسي الكوفي ، ثنا سعيد بن جمهان ، ثنا عبد الله بن أبي بكرة ، حدثني أبي في هذا المسجد مسجد البصرة ، قال : قال رسول الله : " لتنزلن طائفة من أمتي أرضا يقال لها : البصرة . فيكثر بها عددهم ونخلهم ، ثم يجيء بنو قنطوراء ، عراض الوجوه ، صغار العيون ، حتى ينزلوا على جسر لهم يقال له : دجلة . فيفترق المسلمون ثلاث فرق؟ فأما فرقة فتأخذ بأذناب الإبل فتلحق بالبادية ، فهلكت ، وأما فرقة فتأخذ على أنفسها ، فكفرت ، فهذه وتلك سواء ، وأما فرقة فيجعلون عيالهم خلف ظهورهم ويقاتلون ، فقتلاهم شهداء ، ويفتح الله على بقيتهم " .

ورواه أبو داود في الملاحم ، عن محمد بن يحيى بن فارس ، عن [ ص: 15 ] عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن أبيه ، عن سعيد بن جمهان ، ثنا مسلمبن أبي بكرة ، عن أبيه ، أن رسول الله قال : " ينزل أناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له : دجلة . يكون عليه جسر ، يكثر أهلها ، وتكون من أمصارالمهاجرين - وفي لفظ : المسلمين - فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار الأعين ، حتى ينزلوا على شط النهر ، فيتفرق المهاجرون ثلاث فرق ، فرقة تأخذ بأذناب البقر والبرية وهلكوا ، وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا ، وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ، ويقاتلونهم ، وهم الشهداء " .

وتقدم حديث أنس في ذكر البصرة ، التي مصرت في زمان عمر بن الخطاب .

وروى مسلم وأبو داود والنسائي ، عن قتيبة ، عنيعقوب الإسكندراني ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله ، قال : " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك ، قوما كأن وجوههم المجان المطرقة ، يلبسون الشعر " . وهذا لفظ أبي داود .

[
ص: 16 ] وقد روي من حديث أبي سعيد ، فقالأحمد ثنا عمار بن محمد ابن أخت سفيان الثوري ،عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله : " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما صغار الأعين ، عراض الوجوه ، كأن أعينهم حدق الجراد ، وكأن وجوههم المجان المطرقة ، ينتعلون الشعر ، ويتخذون الدرق حتى يربطوا خيولهم بالنخل " . تفرد به أحمد .

========


حديث معاوية بن أبي سفيان في قتال الترك
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


قالأبو يعلى : حدثنا محمد بن يحيى البصري ، حدثنا محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني إسحاق بن إبراهيم بن الغمر ، مولى سموك ، حدثنا أبي ، عن جدي ، سمعت معاوية بن حديج يقول : كنت عندمعاوية بن أبي سفيان إذ جاءه كتاب عامله يخبر أنه أوقع بالترك وهزمهم ، وبكثرة من قتل منهم وكثرة ما غنم منهم ، فغضب معاوية من ذلك ، ثم أمر أن يكتب إليه : قد فهمت ما ذكرت مما قتلت وغنمت فلا أعلمن أنك عدت إلى شيء من ذلك ، ولا تقاتلهم حتى يأتيك [ ص: 17 ] أمري . فقلت له : ولم أمير المؤمنين؟ فقال : سمعت رسول الله يقول : " إن الترك تحارب العرب حتى تلحقها بمنابت الشيح والقيصوم " . فأكره قتالهم لذلك . طريق أخرى عن معاوية :

قالالطبراني : ثنا يحيى بن أيوب العلاف ، حدثنا أبو صالح الحراني ، ثنا ابن لهيعة ، عن كعب بن علقمة التنوخي ، حدثنا حسان بن كريب الحميري ، سمعتابن ذي الكلاع يقول : سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول : سمعت رسول الله يقول : " اتركوا الترك . ما تركوكم " . وروىالطبراني ، عن إبراهيم بن أبي حاتم ، عن نعيم بن حماد في كتاب " الملاحم " ، حدثنا يحيى بن سعيد العطار وأبو المغيرة ، عن إسماعيل بن عياش ، عنعبد الله بن دينار ، عن كعب الأحبار قال : ينزلالترك آمد ويشربون من نهر الدجلة والفرات ،سبعون ألفا ، ويسعون في الجزيرة وأهل الإسلام ، في الحيرة ، لا يستطيعون لهم شيئا ، فيبعث الله عليهم ثلجا بغير كيل فيه صر من ريح شديدة وجليد ، فإذا هم خامدون . فيرجعون فيقولون : إن الله قد أهلكهم وكفاكم العدو ، ولم يبق منهم أحد ، قد هلكوا من عند آخرهم . والمقصود : أن التركقاتلهم الصحابة ، فهزموهم ، وغنموهم ، وسبوا نساءهم وأبناءهم ، وظاهر هذه الأحاديث أن قتالهم يكون من أشراط الساعة ،

[
ص: 18 ]وأشراطها لا تكون إلا بين يديها قريبا منها ، فقد يكون هذا واقعا مرة أخرى عظيمة بين المسلمين والترك ، حتى يكون آخر ذلك قتالهم مع الدجال ،ويأجوج ومأجوج ، كما سيأتي ذكر ذلك ، وإن كان أشراط الساعة أعم من أن يكون بين يديها قريبا منها ، أو يكون مما يقع في الجملة ، حتى ولو تقدم قبلها بدهر طويل ، إلا أنه مما يقع بعد زمن النبي ، وهذا هو الذي يظهر بعد تأمل الأحاديث الواردة في هذا الباب ، كما ترى ذلك قريبا إن شاء الله تعالى .

وقد ذكرنا ما ورد في مقتل الحسين بن علي بكربلاء ، في أيام يزيد بن معاوية ، كما سلف . وما ورد من الأحاديث في ذكر خلفاء بني أمية وأغيلمة بني عبد المطلب; قال أحمد : حدثنا روح ، حدثنا أبو أميةعمرو بن يحيى بن سعيد بن العاص ، أخبرني جديسعيد بن عمرو بن سعيد ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله يقول : " هلكة أمتي على يدي غلمة " . فقال مروان ، وهو معنا في الحلقة قبل أن يلي شيئا : لعنة الله عليهم غلمة . قال أبو هريرة : أما والله لو أشاء أن أقول بني فلان ، وبني فلان لفعلت . قال : فكنت أخرج مع أبي وجدي إلى بني مروان بعد ما ملكوا ، فإذا هم يبايعون [ ص: 19 ] الصبيان ، ومنهم من يبايع له وهو في خرقة . قال لنا : هل عسى أصحابكم هؤلاء أن يكونوا الذين سمعت أبا هريرة يذكر أن هذه الملوك يشبه بعضها بعضا . ورواه البخاريبنحوه عن أبي هريرة . والأحاديث في هذا كثيرة جدا ، وقد حررناها في دلائل النبوة .

وتقدم الحديث في ذكر الكذاب والمبير من ثقيف ، فالكذاب هو المختار بن أبي عبيد الذي ظهر بالكوفةأيام عبد الله بن الزبير ، وكان رافضيا خبيثا ، . بل كان ينسب إلى الزندقة ، وادعى أنه يوحى إليه ، وقد قتله مصعب بن الزبير ، وأما المبير فهوالحجاج بن يوسف الثقفي ، الذي قتل عبد الله بن الزبير ، وكان ناصبيا جبارا عنيدا ، عكس الأول في الرفض . وتقدم حديث الرايات السود التي جاء بها بنو العباس من خراسان لما استلبوا الملك من أيديبني أمية ، وذلك في سنة ثنتين وثلاثين ومائة ، أخذوا الخلافة من مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن العاص ويعرف بمروان الحمار الجعدي;لاشتغاله على الجعد بن درهم المعتزلي ، وكان آخر خلفاء بني أمية ، فصارت الخلافة إلى السفاح أول خلفاء بني العباس ، وقد صرح باسمه في الحديث الذي رواه أحمد ، وقد تقدم ذلك .

وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا جرير بن حازم ،عن ليث ، عن [ ص: 20 ] عبد الرحمن بن سابط ،عن أبي ثعلبة الخشني ، عن أبي عبيدة بن الجراح ،ومعاذ بن جبل ، عن النبي قال : " إن الله بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة ، وكائنا خلافة ورحمة ، وكائنا ملكا عضوضا ، وكائنا عزة وجبرية وفسادا في الأمة ، يستحلون الفروج ، والخمور ، والحرير ، وينصرون على ذلك ، ويرزقون أبدا ، حتى يلقوا الله " . وروى البيهقي من حديث عبد الله بن الحارث بن محمد بن حاطب الجمحي ، عنسهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ،قال : قال رسول الله : " يكون بعد الأنبياء خلفاء يعملون بكتاب الله ، ويعدلون في عباد الله ، ثم يكون من بعد الخلفاء ملوك يأخذون بالثأر ، ويقتلون الرجال ، ويصطفون الأموال ، فمغير بيده ، ومغير بلسانه ، ومغير بقلبه ، وليس وراء ذلك من الإيمان شيء " .

وثبت في " صحيح البخاري " من حديث شعبة ، عنفرات القزاز ، عن [ ص: 21 ] أبي حازم ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله قال : " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء; كلما هلك نبي خلفه نبي ، وإنه لا نبي بعدي ، وإنه سيكون خلفاء فيكثرون " . قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال : " فوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم; فإن الله سائلهم عما استرعاهم " .

وفي " صحيح مسلم " من حديث أبي رافع ، عنعبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله : " ما كان نبي إلا كان له حواريون يهدون بهديه ، ويستنون بسنته ، ثم يكون من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ، ويعملون ما ينكرون " .

وثبت في " الصحيحين " من رواية عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة ، عن النبي قال : " يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش" . ورواه أبو داود من طريق أخرى ، عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله يقول : " لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون اثنا عشر خليفة " . وفي رواية : " لا تزال هذه الأمة مستقيما أمرها ، ظاهرة على عدوها ، حتى يمضي منهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش " . قالوا : ثم يكون ماذا؟ قال : " يكون الهرج " .

فهؤلاء الخلفاء المبشر بهم في هذا الحديث ليسوا بالاثني عشر الذين تزعمهم [ ص: 22 ] الروافض ،فإن ذلك كذب وبهتان منهم ، لأن أكثر أولئك لم يل أحد منهم شيئا من أعمال هذه الأمة في خلافة ، بل ولا في بلد من البلدان ، وإنما ولى منهم علي وابنهالحسن ، وليس المراد من هؤلاء الاثني عشر الذين تتابعت ولايتهم سردا إلى أثناء دولة بني أمية; لأن حديث سفينة : " الخلافة بعدي ثلاثون سنة " . يمنع من هذا المسلك ، وإن كان البيهقي قد رجحه ، وقد بحثنا معه في كتاب دلائل النبوة من كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته ، ولله الحمد ، ولكن هؤلاء الأئمة الاثني عشر وجد منهم الأئمة الأربعة : أبو بكر ، ثمعمر ، ثم عثمان ، ثم علي ، وابنه الحسن بن عليأيضا ، ومنهم عمر بن عبد العزيز ، كما هو عند كثير من الأئمة ، وجمهور الأمة ، وكذلك وجد منهم طائفة من بني العباس ، وسيوجد بقيتهم فيما يستقبل من الزمان ، حتى يكون منهم المهديالمبشر به في الأحاديث الواردة فيه ، كما سيأتي بيانها ، وبالله المستعان ، وعليه التكلان ، وقد نص على هذا الذي قلناه غير واحد ، كما قررنا ذلك .


========


حديث عبادة فيما يتعلق بما بعد المائة سنة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


قالأحمد : حدثنا الحكم بن نافع ، حدثنا إسماعيل بن عياش ،عن يزيد بن سعيد ، عن أبي عطاء يزيد بن عطاء السكسكي ، عن معاذ بن شقراء ، عن جنادة بن أبي أمية ، أنه سمع عبادة بن الصامت يذكر أن رجلا أتى النبي ، فقال : يا رسول الله ، ما مدة أمتك في الرخاء؟ فلم يرد عليه شيئا ، حتى سأله ثلاث مرار ، كل ذلك لا يجيبه ، ثم انصرف الرجل ،

ثم إن النبي {{ص}} قال : " أين السائل " ؟ فردوه عليه ، فقال : [ ص:23 ] " سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي; مدة أمتي من الرخاء مائة سنة " . قالها مرتين أو ثلاثا ، فقال الرجل : يا رسول الله ، فهل لذلك من أمارة أو علامة أو آية؟ فقال : " نعم ، الخسف والرجف وإرسال الشياطين المجلبة على الناس " . وفي " مسند أبي يعلى " ، والبزار من حديث مصعب بن مصعب ، ولا أعرفه إلا عنالزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ،عن أبيه قال : قال رسول الله : " ترفع زينة الدنيا سنة خمس وعشرين ومائة " . هذا حديث غريب جدا .

=======


حديث فيما بعد المائتين من الهجرة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


حديث فيما بعد المائتين من الهجرة قال ابن ماجه : حدثنا الحسن بن علي الخلال ، حدثنا عون بن عمارة ، حدثني عبد الله بن المثنى بن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك ، عن أبيه ، عن جده ، عنأنس ، عن أبي قتادة قال : قال رسول الله : " الآيات بعد المائتين " . ثم أوردهابن ماجه من وجهين آخرين ، عن أنس ، عن النبي بنحوه ، ولا يصح ، ولو صح فهو محمول على ما وقع من الفتنة بسبب القول بخلق القرآن ، ومحنة الإمام [ ص: 24 ] أحمدوأصحابه من أئمة الحديث ، كما بسطنا ذلك هنالك .

وروى رواد بن الجراح - وهو منكر الرواية - عنسفيان الثوري ، عن منصور ، عن ربعي ، عن حذيفةمرفوعا : " خيركم بعد المائتين خفيف الحاذ " . قالوا : وما خفيف الحاذ يا رسول الله؟ قال : " من لا أهل له ، ولا مال ولا ولد " . وهذا منكر .

وثبت في " الصحيحين " من حديث شعبة ، عن أبي جمرة ، عن زهدم بن مضرب ، عن عمران بن حصينقال : قال رسول الله : " خير أمتي قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " . قال عمران : فلا أدري ذكر بعد قرنه قرنين ، أو ثلاثة : " ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السمن " . لفظ البخاري .

=========


ذكر سنة خمسمائة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


قال أبو داود : حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثني صفوان ، عن شريح بن عبيد ، عنسعد بن أبي وقاص ، عن النبي أنه قال : [ ص: 25 ] " إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرها نصف يوم " . قيل لسعد : وكم نصف يوم؟ قال : خمسمائة سنة . تفرد به أبو داود .

وأخرج أحمد بن حنبل ، عن أبي ثعلبة الخشني من قوله مثل ذلك . وهذا التحديد بهذه المدة لا ينفي ما يزيد عليها ، إن صح رفع الحديث . والله أعلم .

فأما ما يورده كثير من العامة أن النبي قال : لا يؤلف تحت الأرض . فهو من قولهم وكلامهم ، وليس له أصل ولا ذكر في كتب الحديث المعتمدة ، ولا سمعناه في شيء من المبسوطات ، والأجزاء المختصرات ، ولا ثبت في حديث عن رسول الله أنه حد الساعة بمدة محصورة ، وإنما ذكر شيئا من أشراطها وأماراتها وعلاماتها ، على ما سنذكره إن شاء الله .

======


-
ذكر الخبر الوارد في ظهور نار من أرض الحجاز أضاءت لها أعناق الإبل اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

ذكر الخبر الوارد في ظهور نار من أرضالحجاز أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى من أرضالشام ، وذلك في سنة أربع وخمسين وستمائة

قال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، عنالزهري ، قال : قال سعيد بن المسيب ، أخبرني أبو هريرة أن رسول الله قال : " لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجازتضيء أعناق الإبل ببصرى " .

ورواه مسلم من حديث الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، به .

وقد رواه أبو نعيم الأصبهاني ، ومن خطه نقلت من طريق أبي عاصم النبيل ، عن عبد الحميد بن جعفر ،عن عيسى بن علي الأنصاري ، عن رافع بن بشر السلمي ، عن أبيه ، قال رسول الله : " تخرج نار تضيء أعناق الإبل ببصرى ،تسير سير بطيئة الإبل ، تسير النهار وتقيم الليل ، تغدو وتروح ، فيقال : أيها الناس ، قد غدت النار فاغدوا . أو : قالت النار أيها الناس فقيلوا . غدت النار أيها الناس فروحوا . من أدركته أكلته " . هكذا رواه أبو نعيم ، وهو [ ص: 27 ] في " مسند أحمد " من رواية رافع بن بشر السلمي ، عن أبيه ، عن رسول الله بدون هذه الزيادة إلى : " تضيء أعناق الإبل ببصرى " . وهو الصواب; فإن هذه النار التي ذكر أبو نعيم هي النار التي تسوق الناس إلى أرض المحشر ، كما سيأتي بيان ذلك قريبا .

وقال الإمام أحمد : ثنا وهب بن جرير ، ثنا أبي ، سمعت الأعمش يحدث عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث ، عن حبيب بن حماز ، عن أبي ذرقال : أقبلنا مع رسول الله ، فنزلنا ذا الحليفة فتعجلت رجال منا إلى المدينة ،وبات رسول الله ، فلما أصبح سأل عنهم ، فقيل : تعجلوا إلى المدينة . فقال : " تعجلوا إلى المدينةوالنساء ، أما إنهم سيدعونها أحسن ما كانت " . ثم قال : " ليت شعري ، متى تخرج نار من اليمن منجبل الوراق تضيء لها أعناق الإبل بروكا ببصرىكضوء النهار " . وهذا الإسناد لا بأس به ، وكأنه مما اشتبه على بعض الرواة ، فإن النار التي تخرج من قعر عدن من اليمن ، هي التي تسوق الناس الموجودين في آخر الزمان إلى المحشر ، وأما النار التي تضيء لها أعناق الإبل ، فتلك تخرج من أرض المدينة النبوية ، كما تقدم بيان ذلك .

وقد ذكر الشيخ شهاب الدين أبو شامة - وكان شيخ المحدثين في زمانه ، [ ص: 28 ] وأستاذ المؤرخين في أوانه - أن في سنة أربع وخمسين وستمائة في يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة منها ظهرت نار بأرض الحجاز في أرض المدينة النبوية ، في بعض تلك الأودية ، طول أربعة فراسخ وعرض أربعة أميال ، تسيل الصخر ، حتى يبقى مثل الآنك ، ثم يصير مثل الفحم الأسود ، وأن الناس كانوا يسيرون على ضوئها بالليل إلى تيماء ، وأنها استمرت شهرا ، وقد ضبط ذلك أهلالمدينة ، وعملوا فيها أشعارا ، وقد ذكرناها فيما تقدم .

وأخبرني قاضي القضاة صدر الدين علي بن أبي القاسم الحنفي ، قاضيهم بدمشق ، عن والده الشيخ صفي الدين مدرس الحنفية ببصرى ، أنه أخبره غير واحد من الأعراب صبيحة تلك الليلة ، ممن كان بحاضرة بلد بصرى ، أنهم شاهدوا أعناق الإبل في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز ، وقد تقدم بسط ذلك سنة أربع وخمسين وستمائة بما فيه كفاية عن إعادته هنا .

=======


خبر عجيب ونبأ غريب اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

خبر عجيب ، ونبأ غريب

قال نعيم بن حماد في " كتاب الفتن " : حدثنا أبو عمر ، عن عبد الله بن لهيعة ، عن عبد الوهاب بن حسين ، عن محمد بن ثابت ، عن أبيه ، عن الحارث ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي قال : " بين أذني حمار الدجال أربعون ذراعا ،وخطوة حماره مسيرة ثلاثة أيام ، يخوض البحر كما يخوض أحدكم الساقية ، ويقول : أنا رب العالمين ، وهذه الشمس تجري بإذني ، أفتريدون أن أحبسها؟ فتحبس الشمس ، حتى يجعل اليوم كالشهر والجمعة ، ويقول : أتريدون أن أسيرها؟ فيقولون : نعم . فيجعل اليوم كالساعة ، وتأتيه المرأة فتقول : يا رب; أحي لي ابني ، وأحي لي زوجي . حتى إنها تعاين شياطين على صورهم ، . وبيوتهم مملوءة شياطين ، ويأتيه الأعراب فتقول : يا ربنا ، أحي لنا إبلنا وغنمنا . فيعطيهم شياطين أمثال إبلهم وغنمهم ، سواء بالسن والسمة ، فيقولون : لو لم يكن هذا ربنا لم يحي لنا موتانا . ومعه جبل من مرق وعراق [ ص: 212 ] اللحم ، حار لا يبرد ، ونهر جار ، وجبل من جنان وخضرة ، وجبل من نار ودخان ، يقول : هذه جنتي وهذه ناري ، وهذا طعامي وهذا شرابي . واليسع ، عليه السلام ، معه ينذر الناس منه; يقول : هذا المسيح الكذاب فاحذروه ، لعنه الله . ويعطيه الله من السرعة والخفة ما لا يلحقه الدجال ، فإذا قال : أنا رب العالمين . قال له الناس : كذبت . ويقول اليسع: صدق الناس . فيمر بمكة ، فإذا هو بخلق عظيم ، فيقول : من أنت؟ فيقول : أنا ميكائيل ، بعثني الله أن أمنعه من حرمه . ويمر بالمدينة ، فإذا هو بخلق عظيم ، فيقول : من أنت؟ فيقول : أنا جبريل ،بعثني الله لأمنعه من حرم رسوله . فيمر الدجال بمكة ، فإذا رأى ميكائيل ولى هاربا ، فيصيح ، فيخرج إليه من مكة منافقوها ، ومن المدينة كذلك . ويأتي النذير إلى الذين فتحوا القسطنطينية ،ومن تألف من المسلمين ببيت المقدس أن الدجال قد خرج وخلفكم في ذراريكم " . قال : " فيتناول الدجال ذلك ، فيقول : هذا الذي يزعم أني لا أقدر عليه ، فاقتلوه . فينشر فيقول : أنا أحييه ، قم . فيأذن الله بإحيائه ، ولا يأذن بإحياء نفس غيرها ، فيقول : أليس قد أمتك ثم أحييتك؟ فيقول : الآن قد ازددت فيك يقينا; بشرني رسول الله {{ص}} بأنك تقتلني ، ثم أحيا بإذن الله لا بإذنك .

فيوضع على جلده صفائح من نحاس ، فلا يحيك فيه سلاحهم ، فيقول : اطرحوه في ناري . فيحول الله ذلك الجبل على النذير جنانا ، فيشك الناس فيه ، ويبادر إلى بيت المقدس ، فإذا صعد على عقبة أفيق

[
ص: 213 ] وقع ظله على المسلمين ، فيوترون قسيهم لقتاله ، فأقواهم من يوتر وهو بارك ، أو جالس من الجوع والضعف ، ويسمعون النداء : جاءكم الغوث . فيقولون : هذا كلام رجل شبعان . وتشرق الأرض بنور ربها ، وينزل عيسى ابن مريم ، ويقول : يا معشر المسلمين ، احمدوا ربكم وسبحوه . فيفعلون ، ويريدون الفرار ، فيضيق الله عليهم الأرض ، فإذا أتوا باب لد في نصف ساعة ، فيوافون عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، فإذا نظر الدجال إلى عيسى قال : أقم الصلاة . فيقول الدجال : يا نبي الله ، قد أقيمت الصلاة . فيقول عيسى : يا عدو الله ، زعمت أنك رب العالمين ، فلمن تصلي؟ فيضربه بمقرعة في يده فيقتله ، فلا يبقى أحد من أنصاره خلف شيء إلا نادى : يا مؤمن ، هذا دجال فاقتله . إلى أن قال : فتمتعوا أربعين سنة ، لا يموت أحد ، ولا يمرض أحد ، ويقول الرجل لغنمه ودوابه : اذهبوا فارعوا . وتمر الماشية بين الزرعين لا تأكل منه سنبلة ، والحيات والعقارب لا تؤذي أحدا ، والسبع على أبواب الدور لا يؤذي أحدا ، ويأخذ الرجل المد من القمح ، فيبذره بلا حراث ، فيجيء منه سبعمائة مد ، فيمكثون في ذلك كذلك حتى يكسر سد يأجوج ومأجوج ، فيخرجون ويفسدون ما على الأرض ، فيستغيث الناس ، فلا يستجاب لهم ، وأهل طور سيناء هم الذين فتح الله عليهم القسطنطينيةفيدعون ، فيبعث الله عليهم دابة من الأرض ذات قوائم ، فتدخل في آذانهم ، فيصبحون موتى أجمعون ، وتنتن الأرض منهم ، فيؤذون الناس بنتنهم أشد من حياتهم ، فيستغيثون بالله تعالى ، فيبعث الله ريحا يمانية غبراء ، فتصير على الناس غما ودخانا ، وتقع عليهم [ ص: 214 ] الزكمة ، ويكشف ما بهم بعد ثلاث ، وقد قذفت جيفهم في البحر ، ولا يلبثون إلا قليلا حتى تطلع الشمس من مغربها ، وجفت الأقلام ، وطويت الصحف ، ولا يقبل من أحد توبة ، ويخر إبليس ساجدا ينادي : إلهي ، مرني أن أسجد لمن شئت . ويجتمع إليه الشياطين ، تقول : يا سيدنا ، إلى من تفزع؟ فيقول : سألت ربي أن ينظرني إلى يوم البعث ، وقد طلعت الشمس من مغربها ، وهذا الوقت المعلوم . وتصير الشياطين ظاهرة في الأرض ، حتى يقول الرجل : هذا قريني الذي كان يغويني ، فالحمد لله الذي أخزاه . ولا يزال إبليس ساجدا باكيا ، حتى تخرج الدابة فتقتله وهو ساجد ، ويتمتع المؤمنون بعد ذلك أربعين سنة ، لا يتمنون شيئا إلا أعطوه ، وبرز المؤمنون ، لا يموت مؤمن حتى تتم أربعون سنة بعد الدابة ، ثم يعود فيهم الموت ويسرع ، فلا يبقى مؤمن ، ويقول الكافر : قد كنا مرعوبين من المؤمنين ، فلم يبق منهم أحد ، وليس يقبل منا توبة . فيتهارجون في الطرق كالبهائم ، حتى ينكح الرجل أمه في وسط الطريق ، يقوم واحد عنها ، وينزل عليها آخر ، وأفضلهم من يقول : لو تنحيتم عن الطريق كان أحسن . فيكونون على ذلك ، حتى لا يولد أحد من نكاح ، ثم يعقم الله النساء ثلاثين سنة ، إلا الزواني والزانيات فإنهن يحبلن ، ويلدن من الزنى ، ويكونون كلهم أولاد زنى ، شرار الناس ، فعليهم تقوم الساعة " . كذا رواه الطبراني ، عنعبد الرحمن بن حاتم المرادي ، عن نعيم بن حماد ،فذكره .

قال شيخنا الحافظ الذهبي : وهذا الحديث شبه موضوع ، وأبو عمر مجهول ، وعبد الوهاب كذلك ، وشيخه يقال له : البناني . وقد أنبأني شيخناالذهبي إجازة - إن لم يكن سماعا - أنبأنا أبو الحسين اليونيني ، أنبأنا البهاء [ ص: 215 ] عبد الرحمن ، حضورا ، أنبأنا عتيق بن صيلا ، أنبأنا عبد الواحد بن علوان ، أنبأنا أبو عمرو بن دوست ،حدثنا أحمد بن سلمان النجاد ، حدثنا محمد بن غالب ، حدثنا أبو سلمة التبوذكي ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا علي بن زيد ، عن الحسن قال . قال رسول الله : " الدجال يتناول السحاب ، ويخوض البحر إلى ركبتيه ، ويسبق الشمس إلى مغربها ، وتسير معه الآكام طعاما ، وفي جبهته قرن مكسور الطرف ، يخرج منه الحيات ، وقد صور في جسده السلاح كله ، حتى الرمح والسيف والدرق " . قلت للحسن : يا أبا سعيد ، ما الدرق؟ قال : الترس . ثم قال شيخنا : هذا من مراسيل الحسن ، وهي ضعيفة .

وقال ابن منده في " كتاب الإيمان " : حدثنا محمد بن الحسين المديني ، حدثنا أحمد بن مهدي ، حدثناسعيد بن سليمان سعدويه ، حدثنا خلف بن خليفة ،عن أبي مالك الأشجعي ، عن ربعي ، عن حذيفة قال : قال رسول الله : " أنا أعلم بما مع الدجال منه ، معه نهران ، أحدهما نار تأجج في عين من يراه ، والآخر ماء أبيض ، فمن أدركه منكم فليغمض عينيه ، وليشرب من الذي يراه نارا; فإنه ماء بارد ، وإياكم والآخر ، فإنه فتنة ، واعلموا أنه مكتوب بين عينيه : كافر ، يقرؤه من كتب ، ومن لم يكتب ، وأن إحدى عينيه ممسوحة ، عليها ظفرة ، وأنه يطلع من آخر عمره على بطن الأردنعلى ثنية فيق ، وكل أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ببطن الأردن ، وأنه يقتل من المسلمين ثلثا ، ويهزم ثلثا ، ويبقى ثلث ، فيحجز بينهم الليل ، فيقول بعض المؤمنين لبعض : ما تنتظرون أن [ ص: 216 ] تلحقوا بإخوانكم في مرضاة ربكم؟ من كان عنده فضل طعام فليعد به على أخيه ، وصلوا حتى ينفجر الفجر ، وعجلوا الصلاة ، ثم أقبلوا على عدوكم ، فلما قاموا يصلون ، نزل عيسى ابن مريم ،عليه السلام ، وإمامهم يصلي بهم ، فلما انصرف قال : هكذا فرجوا بيني وبين عدو الله . فيذوب كما يذوب الملح ، فيسلط الله عليهم المسلمين فيقتلونهم ، حتى إن الحجر والشجر لينادي : يا عبد الله ، يا مسلم ، هذا يهودي فاقتله . فيعينهم الله ، ويظهر المسلمون ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، فبينما هم كذلك إذ أخرج الله يأجوج ومأجوج ، فيشرب أولهم البحيرة ، ويجيء آخرهم ، وقد انتشفوا ، فما يدعون فيها قطرة ، فيقولون : كان هاهنا أثر ماء مرة . ونبي الله وأصحابه وراءهم حتى يدخلوا مدينة من مدائنفلسطين ، يقال لها : باب لد . فيقولون : ظهرنا على من في الأرض ، فتعالوا نقاتل من في السماء . فيدعو الله نبيه ، عليه السلام ، عند ذلك ، فيبعث الله عليهم قرحة في حلوقهم ، فلا يبقى منهم بشر ، وتؤذي ريحهم المسلمين ، فيدعو عيسى عليهم ، فيرسل الله عليهم ريحا تقذفهم في البحر أجمعين " . قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي : هذا إسناد صالح . قلت : وفيه سياق غريب ، وأشياء منكرة . والله أعلم .

وقال ابن عساكر في ترجمة شيخ من أهل دمشق ،عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرةقال : قال رسول الله : " هذا الأثر في قريش يليه برهم ببرهم ، وفاجرهم بفاجرهم ، حتى يدفعوه إلى عيسى ابن مريم " . وفي لفظ : " برهم ببره ، وفاجرهم بفجوره " . قال ابن عساكر : وهو الأصح .

=====


صفة المسيح عيسى ابن مريم رسول الله عليه السلام اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

ثبت في " الصحيحين " من حديث الزهري ، عنسعيد ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : " ليلة أسري بي لقيت موسى - قال : فنعته - فإذا رجل - حسبته قال - : مضطرب - أي طويل - رجل الرأس ، كأنه من رجال شنوءة " . قال : " ولقيت عيسى " . فنعته النبي فقال : " ربعة أحمر ، كأنما خرج من ديماس " . يعني الحمام .

وللبخاري من حديث مجاهد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله : " رأيتعيسى ، وموسى وإبراهيم ، فأما عيسى فأحمر جعد عريض [ ص: 228 ] الصدر ، وأما موسى فآدمجسيم سبط ، كأنه من رجال الزط " . ولهما من طريق موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : ذكر رسول الله يوما بين ظهراني الناس المسيح الدجال ، فقال : " إن الله ليس بأعور ، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية ، وأراني الليلة عند الكعبة في المنام ، وإذا رجل آدم كأحسن ما يرى من أدم الرجال ، تضرب لمته بين منكبيه ، رجل الشعر ، يقطر رأسه ماء ، واضعا يديه على منكبي رجلين ، وهو يطوف بالبيت . فقلت : من هذا؟ فقالوا : هذا المسيح ابن مريم . ثم رأيت رجلا وراءه ، جعدا قططا أعور عين اليمنى ، كأشبه من رأيت بابن قطن ، واضعا يديه على منكبي رجل ، يطوف بالبيت ، فقلت : من هذا؟ قالوا : " المسيح الدجال " . تابعه عبيد الله ، عن نافع .

ثم روى البخاري ، عن أحمد بن محمد المكي ، عنإبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه قال : لا والله ، ما قال رسول الله لعيسى : " أحمر " . ولكن قال : " بينما أنا نائم أطوف بالكعبة ، فإذا رجل آدم سبط الشعر ، يهادى بين رجلين ، ينظف رأسه ماء - أو يهراق رأسه ماء - [ ص: 229 ] فقلت : من هذا؟ قالوا :ابن مريم . فذهبت ألتفت ، فإذا رجل أحمر جسيم ، جعد الرأس ، أعور عينه اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية . قلت : من هذا؟ قالوا : هذا الدجال ،وأقرب الناس به شبها ابن قطن " . قال الزهري : رجل من خزاعة هلك في الجاهلية .

وتقدم في حديث النواس بن سمعان : " فينزل عندالمنارة البيضاء ، شرقي دمشق ، بين مهرودتين ، واضعا كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان اللؤلؤ ، ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه " .

هذا هو الأشهر في موضع نزوله أنه على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق ، وقد رأيت في بعض الكتب : أنه ينزل على المنارة البيضاء شرقي جامعدمشق . فلعل هذا هو المحفوظ ، وتكون الرواية : " فينزل على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق " فتصرف الراوي في التعبير بحسب ما فهم ، وليس في دمشق منارة تعرف بالشرقية سوى التي إلى جانب الجامع الأموي بدمشق من شرقيه ، وهذا هو الأنسب والأليق; لأنه ينزل ، وقد أقيمت الصلاة ، فيقول له إمام المسلمين : " يا روح الله تقدم " . فيقول : " تقدم أنت ، فإنها إنما أقيمت لك " . وفي رواية : " بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة الله هذه الأمة " .

وقد جدد بناء منارة في زماننا في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، من حجارة بيض ، من أموال النصارى الذين حرقوا المنارة التي كانت مكانها ، ولعل هذا يكون من دلائل النبوة الظاهرة ، حيث قبض الله بناء هذه المنارة البيضاء من أموال [ ص:230 ] النصارى ، لينزل عيسى ابن مريم عليها ، فيقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ولا يقبل منهم جزية ، ومن لم يسلم قتله ، وكذلك يكون حكمه في سائر كفار أهل الأرض يومئذ ، فإنه لا يبقى حكم في أهل الأرض إلا له ، وهذا من باب الإخبار عن المسيح بذلك ، فإن الله قد سوغ له ذلك ، وشرعه له ، فإنه إنما يحكم بمقتضى هذه الشريعة المطهرة .

وقد ورد في بعض الأحاديث ، كما تقدم ، أنه ينزل ببيت المقدس ، والأحاديث تقتضي أن الدجاليقتل بلد قبل أن يدخل بيت المقدس ، فتدل على أنه لا يدخله الدجال كمكة والمدينة حماية له منه ، وفي رواية : أن عيسى ينزل بالأردن ، وفي رواية بمعسكر المسلمين ، وهذا في بعض روايات مسلم ،كما تقدم . والله أعلم .

وتقدم في حديث عبد الرحمن بن آدم ، عن أبي هريرة : " وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، عليه ثوبان ممصران ، كأن رأسه يقطر ، وإن لم يصبه بلل ، فيدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويدعو الناس إلى الإسلام ، ويهلك الله تعالى في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال ، ثم تقع الأمنة على الأرض ، حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمار مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم ، فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ، ويصلي عليه المسلمون " . رواه أحمد ،وأبو داود .

[
ص: 231 ] وهكذا وقع في هذا الحديث أنه يمكث في الأرض أربعين سنة .

وثبت في صحيح مسلم ، عن عبد الله بن عمرو ،عن النبي : أنه يمكث في الأرض سبع سنين . فهذا مع هذا مشكل ، اللهم إلا أن تحمل هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله ، ويكون ذلك محمولا على مكثه فيها قبل رفعه مضافا إليه ، وكان عمره قبل رفعه ثلاثا وثلاثين سنة على المشهور . وهذه السبع تكملة الأربعين ، فيكون هذا مدة مقامه في الأرض قبل رفعه وبعد نزوله ، . وأما مقامه في السماء قبل نزوله فهو مدة طويلة . والله سبحانه أعلم .

وقد ثبت في الصحيح أن يأجوج ومأجوجيخرجون في زمانه ويهلكهم الله ببركة دعائه في ليلة واحدة كما تقدم وكما سيأتي ، وثبت أنه يحج في مدة إقامته في الأرض بعد نزوله .

وقال محمد بن كعب القرظي : في الكتب المنزلة ، أن أصحاب الكهف يكونون في حواريه ، وأنهم يحجون معه ، ذكره القرطبي في الملاحم ، في آخر كتاب " التذكرة " ، وتكون وفاته بالمدينة النبوية ،فيصلى عليه هنالك ، ويدفن بالحجرة النبوية . وقد ذكر ذلك ابن عساكر ، ورواه أبو عيسى الترمذي في " جامعه " ، عن عبد الله بن سلام ، فقال في كتاب المناقب : حدثنا زيد بن أخزم الطائي البصري ،حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة ، حدثنا أبو مودود المدني ، [ ص: 232 ] حدثنا عثمان بن الضحاك ،عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جده قال : مكتوب في التوراة صفة محمد ،وعيسى ابن مريم يدفن معه . قال : فقال أبو مودود : وقد بقي في البيت موضع قبر . ثم قال : هذا حديث حسن غريب . هكذا قال عثمان بن الضحاك ، والمعروف الضحاك بن عثمان المدني . انتهى ما ذكره الترمذي ، رحمه الله تعالى .

وروى الطبراني من حديث عبد الله بن نافع ، عنعثمان بن الضحاك ، عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جده قال : يدفنعيسى ابن مريم مع رسول الله ، وأبي بكر وعمر ، فيكون قبره رابعا .

وقال أبو داود الطيالسي ، عن علي بن مسعدة ، عنرياح بن عبيدة ، حدثني يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه قال : يمكث الناس بعد الدجاليعمرون الأسواق ، ويغرسون النخل .

=====


-
ذكر تخريب الكعبة شرفها الله على يدي ذي السويقتين الأفحج الحبشي اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

ذكر تخريب الكعبة ، شرفها الله ، على يدي ذي السويقتين الأفحج الحبشي .

وروينا عن كعب الأحبار في " التفسير " عند قوله تعالى : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج [ الأنبياء : 96 ] أن أول ظهور ذي السويقتين في أيام عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، وذلك بعد هلاك يأجوج ومأجوج ، فيبعث إليه عيسى ابن مريم طليعة ما بين السبعمائة إلى الثمانمائة ، فبينما هم يسيرون إليه إذ بعث الله ريحا يمانية طيبة ، فتقبض فيها روح كل مؤمن ، ثم يبقى عجاج من الناس ، يتسافدون كما تتسافد البهائم . ثم قال كعب : وتكون الساعة قريبة حينئذ . قلت : وقد تقدم في الحديث الصحيح أن عيسى عليه السلام يحج بعد نزوله إلى الأرض .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود الطيالسي ، حدثنا عمران ، عن قتادة ، عن عبد الله بن أبي عتبة ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله : " ليحجن هذا البيت ، وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج " . انفرد بإخراجه البخاري ، فرواه عن أحمد بن حفص بن عبد الله ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن حجاج - هو ابن حجاج - عن قتادة بن دعامة به . قال : تابعه أبان وعمران ، عن قتادة . وقال عبد الرحمن ، عن شعبة ، عن قتادة : " لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت " . قال أبو عبد الله : والأول أكثر . انتهى ما ذكره البخاري .

وقد رواه البزار ، عن محمد بن المثنى ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن أبان بن يزيد العطار ، عنقتادة ، كما ذكره البخاري . ورواية عمران بن داود القطان قد أوردها الإمام أحمد ، كما رأيت .

وقال أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثناعبد العزيز ، حدثنا شعبة ، عن قتادة; سمعت عبد الله بن أبي عتبة يحدث ، عن أبي سعيد الخدري ،عن النبي قال : " لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت " . ثم قال : وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي سعيد ، عن النبي إلا بهذا الإسناد .

قلت : ولا منافاة في المعنى بين الروايتين; لأن الكعبة يحجها الناس ويعتمرون بها ، بعد خروجيأجوج ومأجوج وهلاكهم ، وطمأنينة الناس وكثرة أرزاقهم في زمان المسيح ، عليه السلام ، ثم يبعث الله ريحا طيبة ، فيقبض بها روح كل مؤمن ومؤمنة ، ويتوفى نبي الله عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، ويصلي عليه المسلمون ، ويدفن بالحجرة النبوية مع رسول الله ، ثم يكون خراب الكعبة على يدي ذي السويقتين بعد هذا ، وإن كان ظهوره في زمن المسيح ، كما قال كعب الأحبار ، والله سبحانه أعلم .

====


-
صفة أهل آخر الزمان اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

صفة أهل آخر الزمان

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا همام ،حدثنا قتادة ، عن الحسن ، عن عبد الله بن عمرو ،قال : قال رسول الله : " لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض ، فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفا ، ولا ينكرون منكرا " .

[
ص: 282 ] وحدثناه عفان ، حدثنا همام ، عنقتادة ، عن الحسن ، عن عبد الله بن عمرو ، ولم يرفعه ، وقال : " حتى يأخذ الله شريطته من الناس" .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا قيس ،حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبيدة السلماني ،عن عبد الله بن مسعود ، قال : سمعنا رسول الله يقول : " إن من البيان سحرا ، وشرار الناس الذين تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون قبورهم مساجد " . وهذا إسناد صحيح ، ولم يخرجوه من هذا الوجه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا بهز ، حدثنا شعبة ، حدثناعلي بن الأقمر ، سمعت أبا الأحوص يحدث عن عبد الله ، قال : قال رسول الله : "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " . ورواه مسلم ، عن زهير بن حرب ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عنشعبة ، عن علي بن الأقمر به .

وقد تقدم في الأحاديث السابقة أنه يقل الرجال ، وتكثر النساء ، حتى [ ص: 283 ] يكون لخمسين امرأة القيم الواحد ، يلذن به ، وأنهم يتسافدون في الطرقات ، كما يتسافد البهائم . وقد أوردناها بأسانيدها وألفاظها بما أغنى عن إعادتها ، ولله الحمد .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ،أخبرنا ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله : " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : لا إله إلا الله " . ورواه مسلم ، عن زهير بن حرب ، عن عفان به . ولفظه : " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : الله الله " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله : " لا تقوم الساعة على أحد يقول : الله الله " . ورواه مسلم ، عن عبد بن حميد ، عنعبد الرزاق به .

وقال أحمد : حدثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عنأنس ، قال : قال رسول الله : " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : الله الله" .

وهذا الإسناد ثلاثي على شرط " الصحيحين " ، وإنما رواه الترمذي ، عن بندار ، عن محمد بن عبد الله بن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس ، مرفوعا ، [ص: 284 ] وقال : حسن . ثم رواه ، عن محمد بن المثنى ، عن خالد بن الحارث ، عن حميد ، عن أنس ، موقوفا . ثم قال : وهذا أصح من الأول .

وفى معنى قوله : " حتى لا يقال في الأرض : الله الله " . قولان : أحدهما أن معناه أن أحدا لا ينكر منكرا ولا يزجر أحد أحدا إذا رآه قد تعاطى منكرا ، وعبر عن ذلك بقوله : " حتى لا يقال : الله الله " . كما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو : " فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفا ، ولا ينكرون منكرا " . والقول الثاني : حتى لا يذكر الله في الأرض ، ولا يعرف اسمه فيها ، وذلك عند فساد الزمان ، ودمار نوع الإنسان ، وكثرة الكفر والفسوق والعصيان يتواكلون الخير بينهم ، حتى لا يقول أحد لأحد : اتق الله خف الله ، وهذا كما في الحديث الآخر : " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : لا إله إلا الله " . وكما تقدم في الحديث الآخر أن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة يقولان : " أدركنا الناس وهم يقولون : لا إله إلا الله " . ثم يتفاقم الأمر ، ويتزايد الحال ، حتى يترك ذكر الله جملة في الأرض ، وينسى بالكلية ، فلا يعرف فيها ، وأولئك هم شرار الناس ، وعليهم تقوم الساعة ، كما تقدم في الحديث : " ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " . وفي لفظ : " شرار الناس الذين تدركهم الساعة وهم أحياء " .

وفي حديث عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس ، عن النبي : " لا يزداد الناس إلا شحا ، ولا يزداد الزمان إلا شدة ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " .

[
ص: 285 ] وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ،حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله وهو يقول : " يا عائشة ، قومك أسرع أمتي لحاقا بي " . قالت : فلما جلس قلت : يا رسول الله ، جعلني الله فداك ، لقد دخلت وأنت تقول كلاما أذعرني ، قال : " وما هو؟ " قالت : تزعم أن قومي أسرع أمتك بك لحاقا ، قال؟ " نعم " . قالت : وعم ذاك؟ قال : " تستحلهم المنايا ، فتنفس عليهم أمتهم " . قالت : فقلت : فكيف الناس بعد ذلك؟ قال : " دبا يأكل شداده ضعافه ، حتى تقوم عليهم الساعة " . والدبا : الجنادب التي لم تنبت أجنحتها . تفرد به أحمد .

وقال أحمد : حدثنا علي بن ثابت ، حدثني عبد الحميد بن جعفر ، عن أبيه ، عن علباء السلمي ، قال : سمعت رسول الله يقول : "لا تقوم الساعة إلا على حثالة من الناس " . تفرد به ، وقد رواه أبو خيثمة ، عن علي بن ثابت به .

[
ص: 286 ] ولأبي نعيم من طريقه ، بإسناده : " لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من الموالي يقال له : جهجاه " .

======


-
ذكر زوال الدنيا وإقبال الآخرة اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

ذكر زوال الدنيا وإقبال الآخرة

أول شيء يطرق أهل الدنيا بعد وقوع أشراط الساعة نفخة الفزع ; وذلك أن الله سبحانه يأمرإسرافيل فينفخ في الصور نفخة الفزع ، فيطولها ، فلا يبقى أحد من أهل الأرض ولا السماوات إلا فزع ، إلا من شاء الله ، ولا يسمعها أحد من أهل الأرض إلا أصغى ليتا ورفع ليتا - أي رفع صفحة عنقه وأمال الأخرى - [ ص: 304 ] يستمع هذا الأمر العظيم الذي قد هال الناس وأزعجهم عما كانوا فيه من أمر الدنيا ، وشغلهم بها ، ووقوع هذا الأمر العظيم .

قال تعالى : ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما يفعلون [ النمل : 87 ، 88 ] .

وقال تعالى : وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق [ ص : 15 ] . وقال تعالى : فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير [ المدثر : 8 - 10 ] . وقال تعالى : قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور [ الأنعام : 73 ] .

ثم بعد ذلك بمدة يأمر الله تعالى إسرافيل أن ينفخ نفخة الصعق ، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، ثم يأمره فينفخ فيه أخرى فيقوم الناس لرب العالمين; كما قال الله تعالى : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء [ الزمر : 68 ، 69 ] الآيات إلى آخر السورة . وقال تعالى : ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون [ ص: 305 ][ يس : 48 ، 49 ] الآيات إلى قوله تعالى : فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون [ يس : 67 ] .

وقال تعالى : فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة [ النازعات : 13 ، 14 ] . وقال تعالى :وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر [ الكهف : 99 ] . وقال تعالى : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون [ المؤمنون : 101 ] .

وقال تعالى : فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة . إلى قوله : لا يأكله إلا الخاطئون [ الحاقة : 13 - 37 ] .

وقال تعالى : يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا [ النبإ : 18 ] الآيات .

وقال تعالى : يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا [ طه : 102 ] . الآيات .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثناسليمان التيمي ، عن أسلم العجلي ، عن بشر بن شغاف ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال أعرابي :يا رسول الله ، ما الصور؟ قال : " قرن ينفخ فيه " .ثم رواه عن يحيى بن سعيد القطان ، عن سليمان بن طرخان التيمي ، به .

وأخرجه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي من طرق ، عن سليمان التيمي ، عن [ ص: 306 ] أسلم العجلي ، به . وقال الترمذي : حسن ، ولا نعرفه إلا من حديث أسلم العجلي .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أسباط ، حدثنا مطرف ،عن عطية ، عن ابن عباس في قوله : فإذا نقر في الناقور [ المدثر : 8 ] . قال : قال رسول الله {{ص}} : " كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن ، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ ؟ " . فقال أصحاب محمد {{ص}} : يا رسول الله ، كيف نقول؟ قال : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا " . انفرد به أحمد . وقد رواه أبو كدينة يحيى بن المهلب ، عن مطرف ، به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن مطرف ، عنعطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي قال : " كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن ، وحنى جبهته ، وأصغى سمعه ينظر متى يؤمر؟ " قال المسلمون : يا رسول الله ، فما نقول؟ قال : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا " . وأخرجه [ ص: 307 ] الترمذي ، عن ابن أبي عمر ، عن سفيان بن عيينة ، وقال : حسن . ثم رواه من حديث خالد بن طهمان ، عن عطية ، عنأبي سعيد ، به ، وحسنه أيضا .

وقال شيخنا أبو الحجاج المزي في " الأطراف " : ورواه إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى التيمي ، عنالأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد . كذا قال رحمه الله ، وهكذا رواه أبو بكر بن أبي الدنيا ، في كتاب " الأهوال " ، فقال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ،عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله : " كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم الصور ، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فينفخ " . قلنا : يا رسول الله ، ما نقول؟ قال : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل " .

وقد قال أبو يعلى الموصلي في مسند أبي هريرة (أبو صالح ، عن أبي هريرة ) : حدثنا أبو طالب عبد الجبار بن عاصم ، حدثني موسى بن أعين الحراني ،عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة - وعنعمران ، عن عطية ، عن أبي سعيد - قال : قال رسول الله : " كيف أنعم - أو :[ ص: 308 ] " كيف أنتم " . شك أبو طالب - " وصاحب الصور قد التقم القرن بفيه ، وأصغى سمعه ، وحنى جبينه ، ينتظر متى يؤمر فينفخ " . قالوا : يا رسول الله ، ما نقول؟ قال : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثناالأعمش ، عن سعد الطائي ، عن عطية العوفي ، عنأبي سعيد الخدري قال : ذكر رسول الله صاحب الصور ، فقال : " عن يمينه جبريل ، وعن يساره ميكائيل ، عليهم السلام " .

وقال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ،حدثنا عباد بن العوام ، عن حجاج ، عن عطية ، عنأبي سعيد قال : قال رسول الله : " إن صاحبي الصور بأيديهما - أو : في أيديهما - قرنان ، يلاحظان النظر متى يؤمران " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، عنالتيمي ، عن أسلم ، عن أبي مرية ، عن النبي - أو عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - قال : " النفاخان في السماء الثانية ، رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب - أو قال : رأس أحدهما بالمغرب ، ورجلاه بالمشرق - ينتظران متى يؤمران ينفخان في الصور ، فينفخان " . تفرد به أحمد . وأبو مرية هذا اسمه عبد الله بن عمرو [ ص: 309 ] العجلي ، وليس بالمشهور ، ولعل هذين الملكين أحدهما إسرافيل ،وهو الذي ينفخ في الصور ، كما سيأتي بيانه في حديث الصور بطوله ، والآخر هو الذي ينقر في الناقور ، وقد يكون الصور والناقور اسم جنس يعم أفرادا كثيرة ، أو الألف واللام فيهما للعهد ، ويكون لكل واحد منهما أتباع يفعلون كفعله . والله أعلم بالصواب .

وقال ابن أبي الدنيا : أخبرنا عبيد الله بن جرير ،حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن الأصم ، عنيزيد بن الأصم ، قال : قال ابن عباس : إن صاحب الصور لم يطرف منذ وكل به ، كأن عينيه كوكبان دريان ، ينظر تجاه العرش; مخافة أن يؤمر أن ينفخ فيه قبل أن يرتد إليه طرفه .

وحدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر مشكدانة ،حدثنا مروان بن معاوية ، عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم ، عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة ،قال : قال رسول الله : " ما أطرف صاحب الصور منذ وكل به ، مستعد ، ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه ، كأن عينيه كوكبان دريان " .

======


-
ذكر شيء من أهوال يوم القيامة اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

ذكر شيء من أهوال يوم القيامة

قال الله تعالى : فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية الآيات [ الحاقة : 15 ، 16 ] . وقال تعالى واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب [ ص: 381 ] الآيات [ ق : 41 ] . وقال تعالى : إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما إلى قوله : فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به كان وعده مفعولا [ المزمل : 12 - 18 ] .

وقال تعالى : ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم الآية [ يونس : 45 ] . وقال تعالى : ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا الآيات إلى قوله : ولا يظلم ربك أحدا [ الكهف : 47 - 49 ] .

وقال تعالى : وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون إلى آخر السورة [ الزمر : 67 - 75 ] . وقال تعالى : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون الآيات إلى قوله آخر السورة : إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون [ المؤمنون : 110 - 111 ] . وقال تعالى : يوم تكون السماء كالمهل الآيات إلى قوله : وجمع فأوعى [ المعارج : 8 - 18 ] . وقال تعالى : فإذا جاءت الصاخة إلى آخر السورة [ عبس : 33 - 42 ] . وقال تعالى : فإذا جاءت الطامة الكبرى إلى آخر السورة [ النازعات : 34 - 46 ] .

وقال تعالى : كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا الآيات إلى آخر السورة [ الفجر : 21 - 30 ] . وقال تعالى : هل أتاك حديث الغاشية الآيات إلى قوله : وزرابي مبثوثة [ الغاشية : 1 - 16 ] . وقال تعالى : إذا وقعت الواقعة إلى قوله : هذا نزلهم يوم الدين [ الواقعة : 1 - 56 ] . ذكر فيها سبحانه جزاء كل من هذه الأصناف الثلاثة ، كما ، ذكر ما [ ص: 382 ] يبشرون به عند موتهم واحتضارهم في آخرها ، كأن الإنسان يشاهد ذلك مشاهدة .

وقال تعالى : فتول عنهم يوم يدعو الداع إلى شيء نكر الآيات . وقال في آخرها : بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر إلى آخر السورة [ القمر : 6 - 55 ] .

وقال تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار إلى قوله : إن الله سريع الحساب [ إبراهيم : 48 - 51 ] .

وقال تعالى : رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار إلى قوله : إن الله سريع الحساب وقال بعدها : وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع إلى قوله : والله يقضي بالحق [ غافر : 15 - 20 ] .

وقال تعالى : وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا الآيات إلى قوله : فلا يخاف ظلما ولا هضما [ طه : 99 - 111 ] . وقال تعالى :يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون [ البقرة : 254 ] .

[
ص: 383 ] وقال تعالى : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون [ البقرة : 281 ] . وقال تعالى : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه الآية . [ آل عمران : 106 ] . وقال تعالى : ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامةالآية [ آل عمران : 161 ] .

وقال تعالى : ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون [ القصص : 65 ، 66 ] .

وقال تعالى : هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين [ المرسلات : 35 - 37 ] .

قال ابن عباس : أي لا ينطقون بحجة تنفعهم . والآيات في أهوال يوم القيامة كثيرة جدا في أكثر سور القرآن ، وقد ذكرنا في كتابنا " التفسير " ما يتعلق بكل آية من الآيات الدالة على صفة يوم القيامة ، ومن الأحاديث والآثار المفسرة ذلك .

فأما قوله : ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين [ الأنعام : 23 ] . وقوله : يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون [ المجادلة : 18 ] . فهذا يكون في حال آخر ، كما قالابن عباس في جواب من سأله عن ذلك ، كما ذكره البخاري عنه .

[
ص: 384 ] وكذلك قوله : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمينالآيات إلى قوله : ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون [ الصافات : 27 - 75 ] والآيات في ذكر يوم القيامة وأهواله كثيرة جدا ، مثل الآيات التي في آخر سورة " هود " : إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود إلى عطاء غير مجذوذ أي غير مقطوع [ هود : 103 - 108 ] ، وكذلك سورة عم يتساءلون ، وسورة إذا الشمس كورت ، وسورة إذا السماء انفطرت ، وسورة إذا السماء انشقت ، وسورة " المطففين " بكمالها ، وسورة " المرسلات " ، و " النازعات " ، وسورة هل أتى على الإنسان وسورة والسماء ذات البروج ، وإذا زلزلت ، وآخر " العاديات " ، و " القارعة " ، وآخر ألهاكم التكاثر ، و " الهمزة " .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرناعبد الله بن بحير الصنعاني القاص ، أن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني أخبره أنه سمع ابن عمر يقول : قال رسول الله : " من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين ، فليقرأ إذا الشمس كورت . وإذا السماء انفطرت . وإذا السماء انشقت . وأحسبه أنه قال : " وسورة هود " . وكذا رواه الترمذي ، عن عباس العنبري ، عن عبد الرزاق ،به . ورواه أحمد ، عن إبراهيم بن خالد ، [ ص: 385 ] عن عبد الله بن بحير ، عن عبد الرحمن بن يزيد ،من أهل صنعاء ، وكان أعلم بالحلال والحرام منوهب بن منبه ، عن ابن عمر ، فذكر نحوه . وفي الحديث الآخر في : " شيبتني هود وأخواتها " .

======


-
فصل في ذكر الصراط غير ما ذكر آنفا من الأحاديث الصحيحة اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

فصل في ذكر الصراط غير ما ذكر آنفا من الأحاديث الصحيحة

ثم ينتهي الناس بعد مفارقتهم مكان الموقف إلى الظلمة التي دون الصراط - وهو جسر على جهنم - كما تقدم عن عائشة ، أن رسول الله {{ص}} سئل : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ؟ فقال : " هم في الظلمة دون الجسر " . وفي هذا الموضع يميز المنافقون عن المؤمنين ، ويتخلفون عنهم ، ويسبقهم المؤمنون ، ويحال بينهم وبينهم بسور يمنعهم من الوصول [ص: 81 ] إليهم ، كما قال تعالى : يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير [ الحديد 12 - 15 ] . وقال تعالى يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير [ التحريم : 8 ] .

وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني في كتاب " الأفراد " : حدثنا محمد بن مخلد بن حفص ، ومحمد بن أحمد المطيري ، قالا : حدثنا محمد بن حمزة بن زياد الطوسي ، حدثنا أبي ، حدثنا قيس بن الربيع ،عن عبيد المكتب ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله : " جهنم محيطة بالدنيا ، والجنة من ورائها ; ولذلك صار الصراط على جهنم طريقا إلى الجنة " . ثم قال : غريب من حديث مجاهد ، عن ابن عمر ، لم يروه عن عبيد المكتب ، غير قيس ، وتفرد به حمزة بن زياد ، عنه .

[
ص: 82 ] وقال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا محمد بن صالح بن هانئ ، والحسن بن يعقوب ، وإبراهيم بن عصمة ، قالوا : حدثناالسري بن خزيمة ، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي ، حدثنا عبد السلام بن حرب ،حدثنا يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني ،حدثنا المنهال بن عمرو ، عن أبي عبيدة ، عنمسروق ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : " يجمع الله الناس يوم القيامة فينادي مناد : يا أيها الناس ، ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم أن يولي كل إنسان منكم من كان يتولى في الدنيا ؟ قال : فيمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير ، حتى يمثل لهم الشجرة والعود والحجر ، ويبقى أهل الإسلام جثوما ، فيقال لهم : ما لكم لم تنطلقوا ، كما انطلق الناس ؟ فيقولون : إن لنا ربا ما رأيناه بعد . قال : فيقال : فبم تعرفون ربكم إن رأيتموه ؟ قالوا : بيننا وبينه علامة إن رأيناه عرفناه . قيل : وما هي ؟ قالوا : فيكشف عن ساق . قال : فيكشف عند ذلك عن ساق . قال : فيخر من كان يعبده ساجدا ، ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر ، يريدون السجود فلا يستطيعون . قال : ثم يؤمرون فيرفعون رءوسهم ، فيعطون نورهم على قدر أعمالهم . قال : فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه ، ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك ، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه ، ومنهم من يعطى نوره دون ذلك بيمينه ، حتى يكون آخر من يعطى نوره على إبهام قدمه ، يضيء مرة ويطفأ مرة ، [ ص: 83 ] إذا أضاء قدم قدمه ، وإذا طفئ قام . قال : فيمرون على الصراط ، والصراط كحد السيف ، دحض مزلة . قال : فيقال لهم : امضوا على قدر نوركم ، فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب ، ومنهم من يمر كالطرف ، ومنهم من يمر كالريح ، ومنهم من يمر كشد الرجل ومنهم من يرمل رملا ، فيمرون على قدر أعمالهم ، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه ، تخر يد وتعلق يد ، وتخر رجل وتعلق رجل وتصيب جوانبه النار . قال : فيخلصون ، فإذا خلصوا قالوا : الحمد لله الذي نجانا منك بعد الذي أراناك ، لقد أعطانا الله ما لم يعط أحدا " .

قال مسروق : فما بلغ عبد الله هذا المكان من الحديث إلا ضحك ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن ، لقد حدثت بهذا الحديث مرارا ، كلما بلغت هذا المكان من هذا الحديث ضحكت ؟! فقال عبد الله : سمعت رسول الله يحدثه مرارا ، فما بلغ هذا المكان من الحديث إلا ضحك ، حتى تبدو لهواته ، ويبدو آخر ضرس من أضراسه ، لقول الإنسان : أتهزأ بي وأنت رب العالمين ؟ فيقول : لا ، ولكني على ذلك قادر .

قال البيهقي : هكذا وجدته في كتابي . وقد رواه غيره ، فذكر آخر من يدخل الجنة ، وقوله تعالى له : " يا بن آدم ، أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها ؟ فيقول : أتهزأ بي وأنت رب العالمين ؟ قال ابن مسعود : فيقول الله سبحانه : " لا ، ولكني على ذلك قادر " .

[
ص: 84 ] وقد أورده البيهقي بعد هذا من حديثحماد بن سلمة ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، فذكره موقوفا .

وقال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثناأبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا أبو سعيد المؤدب ، عن زياد النميري ، عن أنس بن مالك ، سمعت النبي يقول : "الصراط كحد الشفرة ، أو كحد السيف ، وإن الملائكة ينجون المؤمنين والمؤمنات ، وإن جبريل ،عليه السلام ، لآخذ بحجزتي ، وإني لأقول : يا رب سلم سلم ، فالزالون ، والزالات يومئذ كثير " .

وروى البيهقي من حديث سعيد بن زربي ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس ، مرفوعا نحو ما تقدم بأبسط منه ، وإسناده ضعيف ، ولكن يتقوى بما قبله . والله أعلم .

وقال الثوري : عن حصين ، عن مجاهد ، عن جنادة بن أبي أمية ، قال : إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم ، وسيماكم ، وحلاكم ، ونجواكم ، ومجالسكم ، فإذا كان يوم القيامة قيل : يا فلان ، هذا نورك ، يا فلان ، لا نور لك . وقرأ : يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم [ الحديد : 12 ] وقالالضحاك : [ ص: 85 ] ليس أحد إلا يعطى نورا يوم القيامة ، فإذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين ، فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم ، كما طفئ نور المنافقين ، فقالوا : ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير [ التحريم : 8 ] .

وقال إسحاق بن بشر أبو حذيفة : حدثنا ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله : " إن الله تعالى يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم سترا منه على عباده ، وأما عند الصراط فإن الله يعطي كل مؤمن نورا ، وكل منافق نورا ، فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات ، فقال المنافقون والمنافقات للمؤمنين : انظرونا نقتبس من نوركم [ الحديد : 13 ] . وقال المؤمنون : ربنا أتمم لنا نورنا [ التحريم : 18 ] . فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ، أخبرنا عمي ، أنبأنا يزيد بن أبي حبيب ،عن سعد بن مسعود ، أنه سمع عبد الرحمن بن جبير ، يحدث أنه سمع أبا الدرداء ، وأبا ذر يخبران عن النبي قال : " أنا [ ص: 86 ]أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة ، وأول من يؤذن له برفع رأسه ، فأنظر بين يدي ، ومن خلفي ، وعن يميني ، وعن شمالي ، فأعرف أمتي من بين الأمم " . فقال له رجل : يا رسول الله ، كيف تعرف أمتك من بين الأمم ما بين نوح إلى أمتك ؟ قال : " أعرفهم ، محجلون من أثر الوضوء ، ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم ، وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم ، وأعرفهم بسيماهم ووجوههم ، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم وذريتهم " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبدة بن سليمان ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا صفوان بن عمرو ، وحدثني سليم بن عامر ، قال : خرجنا على جنازة في باب دمشق ، ومعنا أبو أمامة الباهلي ،فلما صلي على الجنازة ، وأخذوا في دفنها ، قال أبو أمامة : أيها الناس ، إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل ، تقتسمون فيه الحسنات والسيئات ، وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر ، وهو هذا - يشير إلى القبر - بيت الوحدة ، وبيت الظلمة ، وبيت الدود ، وبيت الضيق ، إلا ما وسع الله سبحانه ، ثم تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة ، فإنكم لفي بعض تلك المواطن حتى يغشى الناس أمر من أمر الله ، فتبيض وجوه ، وتسود وجوه ، ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر ، فيغشى الناس ظلمة شديدة ، ثم يقسم النور ، فيعطى المؤمن نورا ، ويترك الكافر والمنافق ، فلا يعطيان شيئا ، وهو المثل الذي ضربه الله تعالى في كتابه : ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور [ النور : 40 ] ولا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن ، كما لا يستضيء الأعمى [ ص: 87 ] ببصر البصير ، ويقول المنافقون للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا [ الحديد : 13 ] وهى خدعة الله ، سبحانه ، التي خدع بها المنافقين ، حيث قال تعالى : يخادعون الله وهو خادعهم [ النساء : 142 ] ، فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور ، فلا يجدون شيئا ، فينصرفون إليهم ، وقد ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب [ الحديد : 13 ] الآية . يقول سليم بن عامر : فما يزال المنافق مغترا حتى يقسم النور ، ويميز الله بين المؤمن والمنافق .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا أبو حيوة ، حدثنا أرطاة بن المنذر ،حدثنا يوسف بن الحجاج ، عن أبي أمامة ، قال : تبعث ظلمة يوم القيامة ، فما من مؤمن ، ولا كافر ، يرى كفه حتى يبعث الله بالنور إلى المؤمنين على قدر أعمالهم ، فيتبعهم المنافقون ، فيقولون : انظرونا نقتبس من نوركم .

وقال الحسن وقتادة ، في قوله تعالى : فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب [ الحديد : 13 ] . قالا : هو حائط بين الجنة والنار . وقال ابن أسلم " هو الذي قال الله تعالى : وبينهما حجاب [ الأعراف : 46 ] . وهذا هو الصحيح ، وما روي عن عبد الله بن عمرو ، وكعب [ص: 88 ] الأحبار ، عن كتب الإسرائيلين ، أنه سوربيت المقدس . فضعيف جدا ، فإن كان أراد المتكلم بهذا ضرب مثال ، وتقريب المغيب بالمشاهد ، فقريب ، ولعله مرادهما . والله أعلم .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثني الربيع بن ثعلب ،حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن مطعم بن المقدام الصنعاني وغيره ، عن محمد بن واسع قال : كتبأبو الدرداء إلى سلمان : يا أخي ، إياك أن تجمع من الدنيا ما لا تؤدي شكره ، فإني سمعت رسول الله يقول : " يجاء بصاحب الدنيا الذي أطاع الله عز وجل ، فيها ، وماله بين يديه كلما تكفأ به الصراط قال له ماله : امض ، فقد أديت حق الله تعالى في " . قال : " ثم يجاء بصاحب الدنيا الذي لم يطع الله فيها ، وماله بين كتفيه كلما تكفأ به الصراط ، قال له ماله : ألا أديت حق الله تعالى في ؟ فلا يزال كذلك حتى يدعو بالويل والثبور " .

وعن عبيد بن عمير أنه كان يقول : أيها الناس ، إنه جسر مجسور ، أعلاه دحض مزلة ، مر الأول فنجا ، ومر الآخر ، فناج ومخدوش ، والملائكة على جنبات الجسر يقولون : رب سلم سلم . قال : وإن الصراط مثل السيف ، على [ ص: 89 ] جسر جهنم ، وإن عليه كلاليب وحسكا ، والذي نفسي بيده ، إن تلك الكلاليب والحسك لأعرف بالمارين عليها ومن تأخذه منهم ومن تخدشه ، من الرجل بصاحبه وصديقه ، والذي نفسي بيده ، إنه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر . رواه ابن أبي الدنيا .

وعن سعيد بن أبي هلال ، قال : بلغنا أن الصراط يوم القيامة ، وهو الجسر ، يكون على بعض الناس أدق من الشعر ، وبعض الناس مثل الوادي الواسع . رواه ابن أبي الدنيا ، وهذا الكلام صحيح إن شاء الله .

وقال غيره : بلغني أن الصراط إنما يراه أدق من الشعر ، وأحد من السيف الهالك الذي ليس بناج ، ويكون على بعض الناس أوسع من القاع والميدان المتسع ، يمضي عليه كيف شاء . وقال ابن أبي الدنيا أيضا : حدثنا الخليل بن عمرو ، حدثنا ابن السماك ، الواعظ الزاهد ، قال : بلغني أن الصراط ثلاثة آلاف سنة ؟ ألف سنة يصعد الناس عليه ، وألف يستوي الناس على ظهره ، وألف سنة يهبط الناس .

وقال آخر : من وسع على نفسه الصراط في الدنيا ، ضاق عليه صراط الآخرة ، ومن ضيق على نفسه الصراط في الدنيا ، اتسع له الصراط في الآخرة .

وقال أيضا : حدثنا علي بن الجعد ، حدثنا شريك ،عن أبي قتادة ، عن [ ص: 90 ] سالم بن أبي الجعد ، قال : إن لجهنم ثلاث قناطر ; قنطرة عليها الأمانة ، وقنطرة عليها الرحم ، وقنطرة الله عليها ، وهى المرصاد ، فمن نجا من هاتين لم ينج من هذه . ثم قرأ : إن ربك لبالمرصاد [ الفجر : 14 ] .

وقال عبيد الله بن العيزار : يمد الصراط يوم القيامة بين الأمانة والرحم ، وينادي مناد : ألا من أدى الأمانة ، ووصل الرحم فليمض آمنا غير خائف . رواه ابن أبي الدنيا .

وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة الفضيل بن عياض قال : بلغني أن الصراط مسيرة خمسة عشر ألف سنة ، خمسة آلاف صعود ، وخمسة آلاف استواء على ظهره ، وخمسة نزول ، وهو أدق من الشعر ، وأحد من السيف ، على متن جهنم ، لا يجوزه إلا كل ضامر مهزول من خشية الله ، سبحانه . ثم يبكي الفضيل ، رحمه الله .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن إدريس ،حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي ، حدثنامعاوية بن سلام ، عن أخيه زيد بن سلام ، أنه سمعأبا سلام ، حدثني عبد الرحمن ، حدثني رجل منكندة ، قال : دخلت على عائشة ، وبيني وبينها حجاب ، فقلت : إن في نفسي حاجة لم أجد أحدا يشفيني منها . فقالت : ممن أنت ؟ قلت : من كندة . قالت : من أي الأجناد أنت ؟ قلت : من أهل حمص . قالت : ماذا حاجتك ؟ قلت : أحدثك رسول الله {{ص}} أنه تأتي عليه [ ص: 91 ]ساعة يوم القيامة لا يملك لأحد فيها شفاعة ؟ قالت : نعم ، لقد سألته عن هذا ، وأنا وهو في شعار واحد ، فقال : " نعم ، حين يوضع الصراط لا أملك لأحد شيئا حتى أعلم أين يسلك بي ، وحين تبيض وجوه وتسود وجوه ، حتى أنظر ما يفعل بي ، وعند الجسر حتى يستحد ويستحر " . قلت : وما يستحد ويستحر ؟ قال : " يستحد حتى يكون مثل شفرة السيف ، ويستحر حتى يكون مثل الجمرة ، فأما المؤمن فيجيز لا يضره ، وأما المنافق فيتعلق حتى إذا بلغ أوسطه حز في قدميه ، فيهوي بيديه إلى قدميه " ، قال : " هل رأيت من يسعى حافيا فتأخذه شوكة حتى تكاد تنفذ قدميه ؟ فإنه كذلك يهوي بيديه ورأسه إلى قدميه ، فتضربه الزبانية بخطاف في ناصيته وقدميه ، فيقذف به في جهنم يهوي فيها مقدار خمسين عاما " . فقلت : ما يثقل الرجل ! قالت : بل يثقل ثقل عشر خلفات سمان ، فيومئذ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام [ الرحمن : 41 ] ، غريب .

========


-
ذكر العرض على الله عز وجل يوم القيامة وتطاير الصحف ومحاسبة الرب عز وجل عباده اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

ذكر العرض على الله عز وجل يوم القيامة وتطاير الصحف ومحاسبة الرب عز وجل عباده

قال الله تعالى : وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا [ الكهف : 48 - 49 ] . وقال تعالى : وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق [ الزمر : 69 ] إلى آخر السورة ، وقال تعالى : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم الآية . [ الأنعام : 94 ] وقال تعالى : ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون [ يونس : 28 - 30 ] ، وقال تعالى : ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس . إلى قوله تعالى : ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا الآية [ الأنعام 128 - 130 ] . وقال تعالى : يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية [ ص: 6 ] [ الحاقة : 18 ] . والآيات في هذا كثيرة جدا ، وسيأتي في كل موطن ما يتعلق به من آيات القرآن .

وتقدم في " صحيح البخاري " عن ابن عباس ، عن النبي أنه قال : " إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده " [ الأنبياء : 104 ] . وعن عائشة وأم سلمة وغيرهما نحو ما تقدم .

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا أبو نصر التمار ،حدثنا عقبة الأصم ، عن الحسن ، قال : سمعت أبا موسى الأشعري ، يقول : قال رسول الله : " يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ; فعرضتان جدال ومعاذير ، وعرضة تطاير الصحف ، فمن أوتي كتابه بيمينه ، وحوسب حسابا يسيرا ، دخل الجنة ، ومن أوتي كتابه بشماله دخل النار " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا علي بن علي بن رفاعة ، عن الحسن ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله : " يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة فعندها تطير الصحف في الأيدي ، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله " . وكذا رواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع ، به .

[
ص: 7 ] والعجب أن الترمذي روى هذا الحديث عن أبي كريب ، عن وكيع ، عن علي بن علي ، عنالحسن ، عن أبي هريرة ، عن النبي ، فذكر مثله ، ثم قال الترمذي : ولا يصح هذا ؛ من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة . قال : وقد رواه بعضهم عن علي بن علي ، عن الحسن ،عن أبي موسى ، عن النبي .

قلت : الحسن قد روى له البخاري عن أبي هريرةمقرونا بغيره .

وقد وقع في " مسند الإمام أحمد " التصريح بسماعالحسن من أبي هريرة ، فالله أعلم . وقد يكون الحديث عنده عن أبي موسى ، وأبي هريرة ، والله أعلم .

وأما الحافظ البيهقي فرواه من طريق مروان الأصفر ، عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود ،من قوله مثله سواء . وقد روى ابن أبي الدنيا عنابن المبارك [ ص: 8 ] أنه أنشد في ذلك شعرا :

وطارت الصحف في الأيدي منشرة فيها السرائر والجبار مطلع فكيف سهوك والأنباء واقعة

عما قليل ولا تدري بما تقع إما الجنان وفوز لا انقطاع له

أو الجحيم فلا تبقي ولا تدع تهوي بساكنها طورا وترفعهم

إذا رجوا مخرجا من غمها قمعوا طال البكاء فلم يرحم تضرعهم

فيها ولا رقة تغني ولا جزع لينفع العلم قبل الموت عالمه

قد سال قوم بها الرجعى فما رجعوا

وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز : يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور بلى إن ربه كان به بصيرا [ الانشقاق : 6 - 15 ] .

قال البخاري في " صحيحه " : حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة ، حدثنا عبد الله بن أبي مليكة ، حدثنيالقاسم بن محمد ، حدثتني عائشة ، أن رسول الله قال : " ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك " . فقلت : يا رسول الله ، أليس قد قال الله تعالى : فأما من أوتي كتابه بيمينه [ الانشقاق : 7 ، 8 ] ؟ فقال رسول الله {{ص}} : " إنما ذلك العرض ، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا [ ص: 9 ] عذب " . أشار إلى أن الله تعالى لو ناقش العباد في حسابه لهم ، لعذبهم كلهم وهو غير ظالم لهم ، ولكنه تعالى يعفو ويصفح ويغفر ، ويستر في الدنيا والآخرة ، كما في حديث ابن عمر في النجوى : " يدني الله العبد يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه ، ثم يقرره بذنوبه ، حتى إذا ظن أنه قد هلك ، قال الله تعالى : إني قد سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم " .

فصل : قال الله تعالى : فكانت هباء منبثا وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم الآيات [ الواقعة : 6 - 12 ] . فإذا نصب كرسي فصل القضاء انماز الكافرون عن المؤمنين في الموقف إلى ناحية الشمال ، وبقي المؤمنون عن يمين العرش ، ومنهم من يكون بين يديه ، قال الله تعالى : وامتازوا اليوم أيها المجرمون [ يس : 59 ] . وقال تعالى : ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم الآية [ يونس : 28 ] ، وقال تعالى : وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون [ الجاثية : 28 ] . فالخلق كلهم قيام لرب العالمين بين يديه ، والعرق قد غمر أكثرهم ، وبلغ الجهد منهم كل مبلغ ، والناس فيه بحسب الأعمال ، كما تقدم في الأحاديث ، خاضعين ، صامتين ، لا يتكلم أحد إلا بإذنه تعالى ، ولا يتكلم يومئذ إلا الأنبياء والرسل ، حولهم أممهم ، وكتاب الأعمال قد اشتمل على عمل الأولين والآخرين ، موضوع لا يغادر [ ص: 10 ]صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، مما كان يعمل الخلق وأحصاه الله ونسوه وكتبته عليهم الحفظة ، كما قال تعالى : ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره [ القيامة : 13 - 15 ] . وقال تعالى : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا [ الإسراء : 13 ، 14 ] . قال الحسن البصري: لقد أنصفك يا بن آدم ، من جعلك حسيب نفسك . والميزان منصوب لوزن أعمال الخير والشر ، والصراط قد مد على متن جهنم ، والملائكة محدقون ببني آدم وبالجن ، وقد برزت الجحيم ، وأزلفت دار النعيم ، وتجلى الرب سبحانه لفصل القضاء بين عباده ، وأشرقت الأرض بنور ربها ، وقرئت الصحف ، وشهدت على بني آدم الملائكة بما فعلوا ، والأرض بما عملوا على ظهرها ، فمن اعترف منهم ، وإلا ختم على فيه ، ونطقت جوارحه بما عمل بها في أوقات عمله ، من ليل أو نهار .

وقال تعالى عن الأرض : يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها [ الزلزلة : 4 ، 5 ] ، وقال تعالى :ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون الآيات إلى قوله :فأصبحتم من الخاسرين [ فصلت : 19 - 23 ] . وقال تعالى : يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين [ النور : 24 ، 25 ] ، وقال تعالى : اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبونإلى قوله : ولا يرجعون [ يس : 65 - 67 ] ، وقال تعالى : وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما [ ص: 11 ] [ طه : 111 ، 112 ] . أي لا ينقص من حسناته شيء ، وهو الهضم ، ولا يحمل عليه من سيئات غيره ، وهو الظلم .

=======


بيان كون الميزان له كفتان حسيتان مشاهدتان
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


قال الله تعالى: (وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)).[سورة الكهف] .

وقال تعالى: وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [سورة الزمر] إلى آخر السورة.

وقال تعالى : وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (94) الآية . [سورة الأنعام]

وقال تعالى : وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ۚ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ۖ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ ۚ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۖ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)[سورة يونس : 28 - 30 ] ،

وقال تعالى : ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس . إلى قوله تعالى : ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا الآية [ الأنعام 128 - 130 ] .

وقال تعالى : يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية [ ص: 6 ] [ الحاقة : 18 ] . والآيات في هذا كثيرة جدا ، وسيأتي في كل موطن ما يتعلق به من آيات القرآن .

وتقدم في " صحيح البخاري " عن ابن عباس ، عن النبي أنه قال : " إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده " [ الأنبياء : 104 ] . وعن عائشة وأم سلمة وغيرهما نحو ما تقدم .

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا أبو نصر التمار ،حدثنا عقبة الأصم ، عن الحسن ، قال : سمعت أبا موسى الأشعري ، يقول : قال رسول الله : " يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ; فعرضتان جدال ومعاذير ، وعرضة تطاير الصحف ، فمن أوتي كتابه بيمينه ، وحوسب حسابا يسيرا ، دخل الجنة ، ومن أوتي كتابه بشماله دخل النار " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا علي بن علي بن رفاعة ، عن الحسن ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله : " يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة فعندها تطير الصحف في الأيدي ، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله " . وكذا رواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع ، به .

[
ص: 7 ] والعجب أن الترمذي روى هذا الحديث عن أبي كريب ، عن وكيع ، عن علي بن علي ، عنالحسن ، عن أبي هريرة ، عن النبي ، فذكر مثله ، ثم قال الترمذي : ولا يصح هذا ؛ من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة . قال : وقد رواه بعضهم عن علي بن علي ، عن الحسن ،عن أبي موسى ، عن النبي .

قلت : الحسن قد روى له البخاري عن أبي هريرةمقرونا بغيره .

وقد وقع في " مسند الإمام أحمد " التصريح بسماعالحسن من أبي هريرة ، فالله أعلم . وقد يكون الحديث عنده عن أبي موسى ، وأبي هريرة ، والله أعلم .

وأما الحافظ البيهقي فرواه من طريق مروان الأصفر ، عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود ،من قوله مثله سواء . وقد روى ابن أبي الدنيا عنابن المبارك [ ص: 8 ] أنه أنشد في ذلك شعرا :

وطارت الصحف في الأيدي منشرة فيها السرائر والجبار مطلع فكيف سهوك والأنباء واقعة

عما قليل ولا تدري بما تقع إما الجنان وفوز لا انقطاع له

أو الجحيم فلا تبقي ولا تدع تهوي بساكنها طورا وترفعهم

إذا رجوا مخرجا من غمها قمعوا طال البكاء فلم يرحم تضرعهم

فيها ولا رقة تغني ولا جزع لينفع العلم قبل الموت عالمه

قد سال قوم بها الرجعى فما رجعوا

وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز : يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور بلى إن ربه كان به بصيرا [ الانشقاق : 6 - 15 ] .

قال البخاري في " صحيحه " : حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة ، حدثنا عبد الله بن أبي مليكة ، حدثنيالقاسم بن محمد ، حدثتني عائشة ، أن رسول الله قال : " ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك " . فقلت : يا رسول الله ، أليس قد قال الله تعالى : فأما من أوتي كتابه بيمينه [ الانشقاق : 7 ، 8 ] ؟ فقال رسول الله {{ص}} : " إنما ذلك العرض ، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا [ ص: 9 ] عذب " . أشار إلى أن الله تعالى لو ناقش العباد في حسابه لهم ، لعذبهم كلهم وهو غير ظالم لهم ، ولكنه تعالى يعفو ويصفح ويغفر ، ويستر في الدنيا والآخرة ، كما في حديث ابن عمر في النجوى : " يدني الله العبد يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه ، ثم يقرره بذنوبه ، حتى إذا ظن أنه قد هلك ، قال الله تعالى : إني قد سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم " .

فصل : قال الله تعالى : فكانت هباء منبثا وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم الآيات [ الواقعة : 6 - 12 ] .

فإذا نصب كرسي فصل القضاء انماز الكافرون عن المؤمنين في الموقف إلى ناحية الشمال ، وبقي المؤمنون عن يمين العرش ، ومنهم من يكون بين يديه ، قال الله تعالى : وامتازوا اليوم أيها المجرمون [ يس : 59 ] .

وقال تعالى : ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم الآية [ يونس : 28 ] ،

وقال تعالى : وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون [ الجاثية : 28 ] .

فالخلق كلهم قيام لرب العالمين بين يديه ، والعرق قد غمر أكثرهم ، وبلغ الجهد منهم كل مبلغ ، والناس فيه بحسب الأعمال ، كما تقدم في الأحاديث ، خاضعين ، صامتين ، لا يتكلم أحد إلا بإذنه تعالى ، ولا يتكلم يومئذ إلا الأنبياء والرسل ، حولهم أممهم ، وكتاب الأعمال قد اشتمل على عمل الأولين والآخرين ، موضوع لا يغادر [ ص: 10 ]صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، مما كان يعمل الخلق وأحصاه الله ونسوه وكتبته عليهم الحفظة ، كما قال تعالى : ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره [ القيامة : 13 - 15 ] .

وقال تعالى : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا [ الإسراء : 13 ، 14 ] .

قال الحسن البصري: لقد أنصفك يا بن آدم ، من جعلك حسيب نفسك . والميزان منصوب لوزن أعمال الخير والشر ، والصراط قد مد على متن جهنم ، والملائكة محدقون ببني آدم وبالجن ، وقد برزت الجحيم ، وأزلفت دار النعيم ، وتجلى الرب سبحانه لفصل القضاء بين عباده ، وأشرقت الأرض بنور ربها ، وقرئت الصحف ، وشهدت على بني آدم الملائكة بما فعلوا ، والأرض بما عملوا على ظهرها ، فمن اعترف منهم ، وإلا ختم على فيه ، ونطقت جوارحه بما عمل بها في أوقات عمله ، من ليل أو نهار .

وقال تعالى عن الأرض : يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها [ الزلزلة : 4 ، 5 ] ،

وقال تعالى :ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون الآيات إلى قوله :فأصبحتم من الخاسرين [ فصلت : 19 - 23 ] .

وقال تعالى : يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين [ النور : 24 ، 25 ] ،

وقال تعالى : اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبونإلى قوله : ولا يرجعون [ يس : 65 - 67 ] ،

وقال تعالى : وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما [ ص: 11 ] [ طه : 111 ، 112 ] . أي لا ينقص من حسناته شيء، وهو الهضم، ولا يحمل عليه من سيئات غيره، وهو الظلم . ================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قائمة مؤلفات ابن تيمية

قائمة مؤلفات ابن تيمية  ابن تيمية فقيه ومحدث ومفسر وعالم مسلم مجتهد منتسب إلى المذهب الحنبلي . وهو أحد أبرز العلماء المسلمين خلال النصف الث...