كتاب : ج2.النهاية في الفتن والملاحم
المؤلف : ابن كثير
ورواه البخاري عن عبد العزيز بن عبد الله بن سليمان
بن بلال، ومسلم عن قتيبة عن عبد العزيز المراوردي، كلاهما عن ثور بن يزيد الديلي،
عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر
مثله سواء بسواء، وقد يكون هذا الرجل هوذا السويقتين، ويحتمل أن يكون غيره فإن هذا
من قحطان، وذاك من الحبشة فالله أعلم.
وقال الإِمام أحمد:
حدثنا أبو بكر
الحنفي، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن عمر بن الحكم الآنصاري، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يَذْهب الليلُ والنهارُ حَتّى
يَمْلِكَ رجُلٌ من المَوالي يُقَالُ لَهُ جَهْجَاه
" .
ورواه مسلم عن محمد
بن بشار، عن أبي بكر الحنفي به، فيحتمل أن يكون هذا اسم ذي السويقتين الحبشي والله
تعالى أعلم.
وقد قال الإِمام
أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو الزبير، عن جابر أن عمر بن الخطاب
أخبر أنه سمِع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" سَيَخرُجُ أهل مكة
ثم لا يَمُرُّ بِهَا أوْ لاَ يَعْبُرُ بها إِلاَّ قليل، ثم تَمْتلىء ثم يَخْرجُون
مِنْهَا فَلاَ يَعُودُون إليها أبداً
" .
فصل
لا يدخل الدجال مكة ولا المدينة
وأما المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة
والسلام، فقد ثبت في الصحيح كما تقدم أن الدجال لا يمكنه الدخول إلى مكة ولا إلى
المدينة، وأنه يكون على أنقاب المدينة ملائكة يحرسونها منه لئلا يدخلها، وفي صحيح
البخاري من حديث مالك عن نعيم المجمر، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: " المدينة لا يدخلها المسيحُ الدجال ولا الطاعون
" .
وقد تقدم أنه يخيم بظاهرها،
وأنها ترجف بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة، وفاسق وفاسقة، ويثبت
فيها كل مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة، ويسمى يومئذ يوم الخلاص، وهي كما قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " إنها طيبة تَنْفِي خَبَثَها ويَضوعَ طيبُهَا
" .
وقال الله تعالى:
الخَبِيثَاتُ لِلْخَبثين والخبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبينَ
والطَّيِّبُونَ لِلطَّيّبَاتِ أولَئِكَ مُبرّءون
" .
والمقصود أن
المدينة تكون عامرة أيام الدجال، ثم تكون عامرة في زمان المسيح عيسى ابن مريم رسول
الله صلى الله عليه وسلم، حتى تكون وفاته بها ودفنه فيها ثم يخرج الناس منها بعد
ذلك كما سبق.
قال الإِمام أحمد:
حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: أخبرني عمر بن
الخطاب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ليَسيرَنَّ الراكبُ
بِجَنَبَاتِ المدينةِ ثم يقولنّ لَقَدْ كَانَ في هَذَا حَاضِر مِنَ المسلمين كثير
" .
قال الإِمام أحمد:
ولم يخرجه حسن، إلا بثبت عن جابر، انفرد بهما أحمد.
خروج الدابة من
الأرض تكلم الناسقال الله تعالى: " وإِذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ
أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّة مِنَ الأرْض تُكَلّمهُمْ أنَّ النَّاسَ كَانُوا
بِآيَاتِنَا لا يوقنون " .
قد تكلمنا على ما
يتعلق بهذه الآية الكريمة في التفسير، وأوردنا هنالك من الأحاديث المتعلقة بذلك ما
فيه كفاية، ولو كانت مجموعة ها هنا كان حسناً كافياً ولله الحمد.
قال ابن عباس
والحسن وقتادة: تكلمهم أي تخاطبهم مخاطبة، ورجح ابن جرير أنها تخاطبهم فتقول لهم:
إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، وحكاه عن عطاء وعلي، وفي هذا نظر، وعن ابن عباس
تكلمهم، تخرجهم، يعني يكتب على جبين الكافر كافر، وعلى جبين المؤمن مؤمن، وعنه
تخاطبهم وتخرجهم، وهذا القول ينتظم من مذهبين وهو قوي حسن جامع لهما والله تعالى
أعلم.
عشر آيات قبل قيام الساعةوقد
تقدم الحديث الذي رواه أحمد ومسلم وأهل السنن عن أبي شريحة حذيفة بن أسيد أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تَقُومُ الساعة حتّى تَرَوا عَشْرَ آياتٍ
طُلًوعَ الشمس من مغربها والدخان والدابة وخروجَ يأجوجِ ومأجوجَ، وخروجَ عيسى ابن
مَرْيمَ والدجالَ، وثلاثةَ خسوفٍ خَسفاً بالمغربِ وخسفاً بالمشرِق وخَسفاَ بجزيرةِ
العربِ، وناراً تخرجُ من قَعْرِ عَدَنٍ تَسُوقُ النَّاسَ أو تَحْشر الناس تَبيت
مَعَهُمْ حَيث بَاتوا وتقفِيلُ مَعهمْ حَيْثُ قالوا
" .
ولمسلم من حديث العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بَادِرُوا بالأعْمالِ الدجال والدخانَ ودابة
الأرض وأمْرَ العامَّة وخُوَيصة أحدِكُم
" .
وروى ابن ماجه، عن
حرملة، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحرص، وابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سنان،
عن سعد، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" بادروا بالأعمال
سِتّاً طلوعَ الشمس من مغربها والدخانَ ودابةَ الأرض والدجال وخُوَيِّصةَ
أحَدِكُمْ وأمرَ العامَّةِ " . تفرد به ابن ماجه من هذا الوجه.
وقال أبو داود
الطيالسي عن طلحة بن عمرو وجرير بن حازم، فأما طلحة فقال: أخبرني عبد الله بن عبيد
الله بن عمر أن ابن الطفيل حدثه، عن حذيفة بن أسيد الغفاري أبي شريحة وأبي جرير
فقال عن عبد الله بن عبيد عن رجل من آل عبد الله بن مسعود وحديث طلحة أتم وأحسن
قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال: " لَها ثَلاثُ خَرْجاتٍ
مِنَ الدَّهْر فَتَخْرُجُ خَرْجَةً مِنْ أقصى البادِيَةِ وَلاَ يَدْخُلُ ذِكْرُها القَرْيَةَ
يَعْني مَكَّةَ، ثُمّ تَكْمُنُ زَمَناً طَوِيلاً ثُمّ تَخْرُجُ خَرْجَةَ أخْرى دون
تِلك فَيَعْلُو ذكرُها في أهْل البادية ويَدْخُل ذكرُها القَرْيَةَ يعني مًكّة
" .
قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حُرْمَةً
وأكرَمها، المسجدِ الحرام لم يَرُعْهُمْ إلاَّ وهِيَ ترغو بين الركْن والمَقَام،
تَنْفُضُ عن رأسِها التراب فَارْفضَ الناس عنها شَتّى ومعاً، وبقَيت عِصَابَةُ
المؤمنين، وعَرفوا أنهم لَمْ يَعْجزوا الله فبدأت بهم فَجَلَت وجوههم حَتّى جَعَلًتْهَا
مِثْلَ الكوكب الدري وولَتْ في الأرض لا يدركها طالبٌ ولا ينجو منها هاربٌ، حتى إن
الرجلَ ليَتعَوَّذُ فَتأتِيهِ مِن خَلفِه فتقول: يا فلانُ: الآن تصلي؟ فيقبل
عَلَيْها فتسِمُه في وَجْهه، ثم تَنْطَلِقُ ويشترك الناس في الأمْوالِ،
ويَصْطَحِبونَ في الأمصار، يُعْرَفَ المؤمنُ من الكافر حتّى إن المؤمن ليقول: يا
كافر اقضني حقِّي وحتى إن الكافر ليقول يا مؤمن اقضني حقي
" .
وهكذا رواه مرفوعاً
من هذا الوجه بهذا السياق، وفيه غرابة، ورواه ابن جرير عن اليمان، مرفوعاً، وفيه
أن ذلك في زمان عيسى ابن مريم، وهو يطوف بالبيت، ولكن في إسناده نظر والله تعالى
أعلم.
وقد قال ابن ماجه:
حدثنا أبو غسان محمد بن عمر، حدثنا أبو نميلة، حدثنا ابن عبيد، حدثنا عبد الله بن
بريدة، عن أبيه، قال: ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع بالبادية قريب
من مكة، فإذا أرض يابسة حولها رمل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
تَخْرُجُ الدَّابَّةُ من هذا الموضع فإذا فِتر في شبْر
" .
قال ابن بريدة:
فحججت بعد ذلك بسنين فأرانا إياه، فإذا هو يقاس بعصاي هذه كذا وكذا، يعني أنه كلما
مضى وقت يتسع حتى يكون وقت خروجها؟ والله تعالى أعلم.
وقال عبد الرزاق
المعمر: عن قتادة، أن ابن عباس قال:
هي دابة ذات زغب
لها أربع قوائم تخرج من بعض أودية تهامة، ورواه سعيد بن منصور، عن عثمان بن مطر،
عن قتادة عن ابن عباس بنحوه.
وقال ابن أبي حاتم:
حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن روحاء حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية قال: قال عبد
الله تخرج الدابة من صدع من الصفا كجري الفرس ثلاثة أيام لا يخرج ثلثها، وعن عبد
الله بن عمرو أنه قال: تخرج الدابة من تحت صخرة فتستقبل المشرق فتصرخ صرخة تنفذه
ثم تستقبل الشام فتصرخ صرخة تنفذه، ثم تستقبل اليمن فتصرخ صرخة تنفذه، ثم تروح من
مكة فتصبح بعفسان قيل له: ثم ماذا؟ قال: ثم لا أعلم. وعنه أنه قال: تخرج الدابة من
تحت السدوم يعني مدينة قوم لوط، فهذه أقوال متعارضة والله تعالى أعلم.
وعن أبي الطفيل أنه
قال: تخرج الدابة من الصفا أو المروة رواه البيهقي.
وقال ابن أبي حاتم:
حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح: كاتب الليث، حدثني معاوية بن صالح، عن أبي مريم، أنه
سمع أبا هريرة يقول: " إن الدابة فيها كل لون، ما بين قرنيها فرسخ للراكب
" .
وعن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب أنه قال: إنها دابة لها رأس وزغب وحافر، ولها ذنب، ولها لحية،
وإنها تخرج حضر الفرس الجواد ثلاثاً وما خرج ثلثاها، رواه ابن أبي حاتم.
وقال ابن جريج، عن أبي الزبير أنه وصف الدابة فقال:
رأسها رأس ثور، وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وقرنها قرن أيل وعنقها عنق
نعامة، وصدرها صدر أسد، ولونها لون نمر، وخاصرتها خاصرة هر، وذنبها ذنب كبش،
وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعاً، تخرج معها عصا موسى، وخاتم
سليمان فلا يبقى مؤمن إلا يكتب في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء، فتفشو تلك النكتة،
حتى يبيض لها وجهه، ولا يبقى كافر إلا يكتب في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان،
فتفشو تلك النكتة حتى يسود لها وجهه، حتى إن الناس يتبايعون في الأسواق فيقولون:
بكم ذا يا مؤمن. بكم ذا يا كافر؟ وحتى إن أهل البيت ليجلسون على مائدتهم فيعرفون
مؤمنهم وكافرهم، ثم يقول لهم الدابة: يا فلان: أبشر أنت من أهل الجنة، ويا فلان:
أنت من أهل النار، فذلك قول الله تعالى: " وَإِذا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ
أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاس كانُوا
بآيَاتِنَا لاَ يُوقنُون " .
وقد ذكرنا فيما
تقدم عن ابن مسعود، أن الدابة من نسل إبليس الرجيم، وذلك فيما رواه أبو نعيم عن
حماد، في كتاب الفتن والملاحم، تصنيفه، والله أعلم بصحته.
وقال مسلم: حدثنا
أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، عن أبي حيان، عن أبي زرعة، عن عبد الله
بن عمرو، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم أنسه بعد: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إِنَّ أولَ الآيات خروجاً طلوعُ الشمس
من مغرِبها، وخروجُ الدابةِ على الناس ضُحىً فَأيَّتُهُمَا كَانَتْ قَبْل
صَاحِبَتِهَا فالأخْرَى على إِثْرهَا قَرِيباً "
.
أي أول الآيات التي
ليست مألوفة، وإن كان الدجال ونزول عيسى عليه السلام من السماء قبل ذلك، وكذلك
خروج يأجوج ومأجوج، فكل ذلك أمور مألوفة لأن أمر مشاهدته ومشاهدة أمثاله مألوف،
فأما خروج الدابة على شكل غريب غير مألوف ومخاطبتها الناس ووسمها إياهم بالإيمان
أو الكفر، فأمر خارج عن مجاري العادات، وذلك أول الآيات الأرضية، كما أن طلوع
الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية.
ذكر طلوع الشمس من
المغرب
لا تنفع توبة التائب بعد طلوع الشمس من مغربها
قال الله تعالى: " هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أنْ
تَأتِيَهُمُ المَلاَئِكَةُ أوْ يَأتِن ربُّكَ أوْ يَأتِي بعْضُ آياتِ رَبك يِوْمَ
يأتي بَعْضُ آياتِ رَبك لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُهَا لَمْ تكن آمَنَتْ مِنْ
قَبْلُ أوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُل إنتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُون
" .
قال الإِمام أحمد:
حدثنا وكيع، حدثنا ابنِ أبي ليلى، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري عن النبي
صلى الله عليه وسلم: " يَوْمَ يَأتي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفعُ
نَفْساً إِيمَانُهَا " .
قال: " طلوع
الشمس من مغربها " ، ورواه الترمذي، عن سفيان بن وكيع، عن أبيه به. وقال:
غريب وقد رواه بعضهم فلم يرفعه.
وقال البخاري عند
تفسير هذه الآية: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا عمارة، حدثنا
أبو زرعة، حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لاَ
تَقومُ السَّاعَةُ حَتى تَطْلًعَ الشّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها؟ فَإِذَا رَآهَا
النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا؟ فَذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُهَا
لمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ
" .
وقد أخرجه بقية
الجماعة إِلا الترمذي من طرق عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة، عن أبي زرعة بن عمرو
بن جرير، عن أبي هريرة مرفوعاً مثله.
ثم قال البخاري:
حدثنا إسحاق، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لاَ تَقُومُ الساعَةُ حَتى تَطْلُعَ
الشمسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإذَا طَلَعَتْ ورآهَا الناسُ آمَنُوا أجْمَعُونَ
وذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُها
" ، ثم قرأ هذه الآية.
وكذا رواه مسلم عن
محمد بن رافع عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني بإخراجه من طريق العلاء ابن عبد
الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة.
وقال أحمد: حدثنا وكيع، عن فضيل بن غزوان، عن أبي
حازم سلمان، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثَلاَثٌ إِذا
خَرَجْنَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أوْ
كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْراً طُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبِها والدُّخَانُ
وَدابَّةُ الأرْض " .
ورواه مسلم، عن أبي
بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب عن وكيع به. ورواه مسلم أيضاً والترمذي وابن جرير من
غير وجه عن فضيل بن غزوان نحوه.
من علم فليقل بعلمه
ومن لم يعلم فليسكتوقد ورد هذا الحديث من طرق، عن أبي هريرة وعن جماعة من الصحابة
أيضاً، فعن أبي شريحة حذيفة بن أسيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "
لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتى تَروا عَشْر آياتٍ طُلوعَ الشمس مِنْ مغربها،
والدابَّةَ وخروجَ يَأجوجَ ومأجوجَ وخروج عيسى ابن مَرْيَمَ، والدجالَ وثلاثة خسوف
خسفاً بالمشرق وخسفاً بالمغربِ وخسفاً بجزيرةِ العربِ وناراً تَخْرج من قَعْرِ
عَدنَ تَسُوق أو تَحْشُرُ الناسَ، تَبِيتُ مَعهمْ حَيثً بَاتَوا، وتَقِيلُ
مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا " .
رواه أحمد ومسلم
وأهل السنن كما تقدم غير مرة.
ولمسلم من حديث
العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة، ومن حديث قتادة عن الحسن، عن زياد بن رباح، عن أبي
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بادروا بالأعمال ستاً، فذكر منهن
طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة " ، كما تقدم.
وثبت في الصحيحين
من حديث إبراهيم بن يزيد بن شريك، عن أبيه، عن أبي ذر قال:
قال لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " أتدْرِي أيْ تَذْهَبُ هذه الشمسُ إِذا غَرَبَتْ. قلتُ:
لاَ، قال: إنها تَنْتَهي فَتَسْجُدُ تَحْتَ الْعرْش ثم تَسْتَأذِنُ فَيُوشِكُ أَنْ
يُقَالَ لَهَا: ارْجِعِي مِن حَيْثُ جِئْتِ، وذلكَ حين لا يَنْفعُ نَفْساً
إيمَانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إِيمانِهَا خَيْراً
" .
وقال الإِمام أحمد:
حدثنا اسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أبو حيان، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، قال:
جلس ست نفر من
المسلمين إِلى مروان بالمدينة فسمعوه يقول وهو يحدث في الآيات: إن أولها خروج
الدجال. قال: فانصرف النفر إلى عبد الله بن عمرو، فحدثوه بالذي سمعوه من مروان في
الآيات فقال عبد الله: لم يقلِ مروان شيئاً. قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه
وسلم قوله: " إِن أولَ الآياتِ طلوعُ الشمس، وخروجُ الدَّابّةِ ضُحَى
فأيتُهُما كَانَتْ قبَلَ صَاحِبَتِهَا فَالآخْرَى عَلَى إِثرِهَا قريباً
" .
ثم قال عبد الله وكان
يقرأ الكتب: وأظن أولاهما خروجاً طلوع الشمس من مغربها، وذلك أنها كلما غربت أتت
تحت العرش فسجدت واستأذنت فى الرجوع فأذن لها في الرجوع، حتى إذا أذن الله أن تطلع
من مغربها فعلت كما كانت تفعل وأتت تحت العرش فسجدت، واستأذنت في الرجوع فلا يرد
عليها شيء ثم تستأذن في الرجوع فلا يرد عليها شيء، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء
الله أن يذهب، وعرفت أنه وإن أذن لها في الرجوع لم تدرك المشرق، قالت: رب ما أبعد
المشرق من لي بالناس حتى إذا صار الأفق كأنه طوق استأذنت في الرجوع، فيقال لها:
ارجعي من مكانك فاطلعي، فطلعت على الناس من مغربها، ثم تلا عبد الله هذه الآية:
" لاَ يَنفعُ نَفْساً إِيمانُها لَم تكن آمَنَت من قبل أو كسَبتْ في
إِيمانِها خيْراً " .
وقد رواه مسلم في
صحيحه، وأبو داود، وابن ماجه، من حديث أبي حيان يحيى بن سعيد بن حيان، عن أبي
زرعة، عن عبد الله بن عمرو قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:
" إِن أَولَ الآيات خروجاً طلوعُ الشمس مِن مَغْرِبِهَا وخروجُ الدابَّةِ على
الناس ضُحى فَأيَّتُهُما كَانَتْ قَبْل صَاحِبَتِهَا فَالأخْرَى عَلَى إِثْرِهَا
قَرِيباً " .
وقد ذكرنا أن المراد
بالآيات هاهنا الآيات التي ليست مألوفة، وهي مخالفة للعادات المستقرة فالدابة التي
تكلم الناس، وتعيين الكافر منهم من المؤمن، وطلوع الشمس من مغربها، متقدم على
الدابة وذلك محتمل ومناسب والله أعلم.
وقد ورد ذلك في حديث غريب رواه الحافظ أبو القاسم
الطبراني في معجمه فقال: حدثني أحمد بن يحيى بن خالد بن حبان الرقي، حدثنا
إسحاق بن إبراهيم بن بريق الحمصي، حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، حدثنا
ابن لهيعة، عن حييِّ بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحيلي، عن عبد الله بن عمرو
بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِذَا طَلَعَتِ الشمس
مِنْ مَغْرِبِهَا خَرّ إِبْلِيسُ سَاجِداً ينَادِي ويَجْهَرُ مُرْني أنْ أَسْجد لِمَنْ
شِئْتَ قَالَ فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ زَبَانِيَتُه " يَقولونَ لَه يَا
سَيِّدَهُمْ: مَا هَذَا التَّفَزعُ؟ فَيَقولً: إِنَّما سَألتُ رَبي أنْ يُنْظِرَنِي
إِلَى الوَقْتِ المَعْلوم. قَال: ثُمّ تَخْرجُ دَابَّةُ الأَرْض مِنْ صَدْع فِي
الصَّفَا قال: فَأوَّلُ خُطْوَةٍ تَضَعُها بِإِنطَاكِيَّةَ، فَيأتي إِبْلِيسُ
فَتَلطِمُه " .
وهذا غريب جداً
ورفعه فيه نكارة ولا بد أنه من المزملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو يوم اليرموك
من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما بأشياء غرائب.
وقد تقدم في خبر
ابن مسعود الذي رواه أبو نعيم بن حماد في الفتن أن الدابة تقتل إبليس، وهذا من
أغرب الأخبار، والله تعالى أعلم.
وفي حديث طالوت بن
عباد، عن فضالة بن جبير، عن أبي أمامة صدى بن عجلان، قال:
قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها
" .
لا يزال في
المسلمين من يقوم الليل عابداً حتى تطلع الشمس من مغربها
قال الحافظ أبو بكر
بن مردويه في تفسيره: حدثنا محمد بن علي بن دحيم، حدثنا أحمد بن حازم ابن أبي
غرزة، حدثنا ضرار بن صرد، حدثنا ابن فضيل، عن سليمان بن يزيد، عن عبد الله بن أبي
أوفى، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليأتين على الناس ليلة
تعدل ثلاث ليال من لياليكم هذه، فإذا كان ذلك عرفها المتنفلون، يقوم أحدهم فيقرأ
حزبه، ثم ينام، ثم يقوم فيقرأ حزبه ثم ينام، فبينما هم كذلك، صاح الناس بعضهم في
بعض، فقالوا: ما هذا؟ فيفزعون إلى المساجد، فإذا همٍ بالشمس قد طلعت حتى صارت في
وسط السماء، رجعت وطلعت من مطلعها، قال فحينئذ لا ينفع نفساً إيمانها
" .
ثم سأل ابن مردويه
من طريق سفيان الثوري، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة، قال: سألت النبي صلى الله
عليه وسلم ما آية طلوع الشمس من مغربها؟ قال: " تطول تلك الليلة حتى تكون قمر
ليلتين فيتنبه الذين كانوا يصلون فيها، يعملون كما كانوا يعملون قبلها، والنجوم لا
ترى، قد باتت مكانها، يرقدون ثم يقومون فيصلون، ثم يرقدون ثم يقومون فيصلون، ثم
يرقدون ثم يقومون، يتطاول الليل فيفزع الناس، ولا يصبحون، فبينما هم ينتظرون طلوع
الشمس من مشرقها إذ طلعت من مغربها، فإذا رآها الناس آمنوا ولا ينفعهم إيمانهم
" .
وقال الحافظ أبو
بكر البيهقي في البعث والنشور: أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي،
أخبرنا أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل المروزي، حدثنا عبد الله بن حماد الآملي،
حدثنا محمد بن عمران، حدثني أبي، حدثني ابن أبي ليلى، عن إسماعيل بن رجاء، عن سعيد
بن إياس، عن عبد الله بن مسعود أنه قال ذات يوم لجلسائه: أرأيتم قول الله: " تَغْرُبُ
في عَيْن حَميَةٍ " . ماذا يعني بها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إنها إذا
غربت سجدت له وسبحته وعظمته، ثم كانت تحت العرش، فإِذا حضرها طلوعها سجدت له
وسبحته وعظمته، ثم استأذنت، فإذا كان اليوم الذي تحبس فيه سجدت له وسبحته وعظمته
ثم استأذنته فيقال لها: تأتي فتحبس قدر ليلتين، قال: ويفزع المتهجدون، وينادي
الرجل تلك الليلة جاره يا فلان ما شأننا الليلة؟ لقد نمت حتى شبعت، وصليت حتى
اعييت؟ ثم يقال لها: اطلعي من حيث غربت، فذلك " يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم
تكن آمنت من قبل " الآية.
لا تقبل هجرة
المهاجرين والعدو يقاتلهموقال الإمام أحمد: حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن
عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، يرده إِلى مالك بن عامر، عن ابن السعدي،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تنفع الهجرة ما دام العدو يقاتل
" .
قال معاوية وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن
العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الهجرة خصلتان، إحداهما أن
تهجر الشر، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع ما تقبلت التوبة، ولا
تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من الغرب، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه،
وكفى الناس العمل " .
وهذا إسناد جيد قوي
ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب.
وفي الحديث الذي
رواه الإمام أحمد والترمذي، وصححه والنسائي وابن ماجه، من طريق عاصم ابن أبي
منجود، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" إن الله فتح باباً قبل المغرب عرضه سبعون أو أربعون ذراعاً للتوبة، لا يغلق
حتى تطلع الشمس " .
فهذه الأحاديث المتواترة
مع الآية الكريمة دليل على أن من أحدث إيماناً أو توبة بعد طلوع الشمس من مغربها
لا يقبل منه، وإنما كان كذلك والله أعلم لأن ذلك من أكبر أشراط الساعة وعلاماتها
الدالة على اقترابها ودنوها، فعومل ذلك الوقت معاملة يوم القيامة كما قال تعالى:
" هَلْ يَنْطرُونَ إلاَّ أن تَأتِيَهُمْ المَلاَئِكَةُ أوْ يَأتِيَ رَبًّكَ
أوْ يَأتي بَعْضُ آيَاتِ ربك يَوْمَ يَأتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبك لاَ يَنْفَعُ
نَفْساً إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل
" .
وقال تعالى: "
فَلًما رَأوْا بأسَنَا قَالُوا آمًنّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنا
بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لًمّا رَأوْا بَأسَنَا
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتي قَدْ خَلتْ في عِبَاده وخَسِرَ هُنَالكَ الكَافِرُونَ
" .
وقال تعالى: "
هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ السَّاعَةَ أنْ تَأتِيَهُمْ بَغْتَةً وهُمْ لاَ يَشْعُرُون
" .
وقد حكى البيهقي عن
الحاكم أنه قال: أول الآيات ظهوراً خروج الدجال، ثم نزول عيسى ابن مريم، ثم فتح
يأجوج ومأجوج، ثم خروج الدابة، ثم طلوع الشمس من مغربها، قال: لأنها إذا طلعت من
مغربها آمن من عليها، فلو كان نزول عيسى بعدها لم يكن كافراً، وهذا الذي قاله فيه
نظر لأن إيمان أهل الأرض يومئذ لا ينفع جميعهم ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت
من قبل، فمن أحدث إيماناً أو توبة يومئذ لم تقبل حتى يكون مؤمناً أو تائباً قبل
ذلك، وكذلك قوله تعالى في قصة نزول عيسى في آخر الزمان: " وإِنْ مِنْ أهْل
الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤمِنَنَّ بِه قَبْلَ مَوْتهِ
" .
أي قبل موت عيسى
وبعد نزوله يؤمن جميع أهل الكتاب به إيماناً ضرورياً بمعنى أنهم يتحققون أنه عبد
الله ورسوله، فالنصراني يعلم كذب نفسه في دعواه فيه الربوبية والنبوة، واليهودي يعلم
أنه نبي رسول من الله لا ولد ريبة كما كان المجرمون منهم يزعمون ذلك، فعليهم لعائن
الله وغضبه المدرك.
ذكر الدخان الذي
يكون قبل يوم القيامةقال تعالى: " فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأتي السَّماءُ
بِدُخَانٍ مُبِين يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا
الْعَذَابَ إِنَّا مُؤمِنُونَ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ
مبِين ثَمّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعًلّمٌ مَجْنُونٌ إِنَّا كَاشِفُواْ
الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الكُبْرَى
إِنَّا مُنْتَقِمُون " .
وقد تكلمنا على
تفسير هذه الآيات في سورة الدخان بما فيه مقنع.
وقد نقل البخاري،
عن ابن مسعود أنه فسر ذلك بما كان لقريش من شدة الجوع بسبب القحط الذي دعا عليهم
به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أحدهم يرى كأن فيما بينه وبين السماء دخاناً
من شدة الجوع، وهذا التفسير غريب جداً ولم ينقل مثله عن أحد من الصحابة غيره.
وقد حاول بعض
العلماء المتأخرين رد ذلك ومعارضته بما ثبت في حديث أبي شريحة حذيفة بن أسيد:
" لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات فذكر فيهن الدجال والدخان والدابة، وكذلك
في حديث أبي هريرة: " بادروا بالأعمال ستاً " فذكر فيهن هذه الثلاث،
والحديثان في صحيح مسلم مرفوعان، والمرفوع مقدم على كل موقوف.
وفي ظاهر القرآن ما
يدل على وجود دخان من السماء يغشى الناس، وهذا أمر محقق عام وليس كما روي عن ابن مسعود
أنه خيال في أعين قريش من شدة الجوع قال اللّه تعالى: " فَارْتَقِبْ يَوْمَ
تأتي السَّماءُ بِدُخَانٍ مُبِين
" .
أي واضح جلي وليس خيالاً من شدة الجوع. "
رَبَّنا اكْشِفْ عَنَّا العَذابَ إِنَّا مُؤمِنُون
" .
أي ينادي أهل ذلك
الزمان ربهم بهذا الدعاء، يسألون كشف هذه الشدة عنهم، فإنهم قد آمنوا وارتقبوا ما
وعدوا من الأمور الغيبية الكائنة بعد ذلك يوم القيامة، حيث يمكن رفعه، ويمكن
استدراك التوبة والإِنابة، والله أعلم.
وقد روى البخاري،
عن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري، عن الأعمش ومنصور، عن أبي الضحى، عن مسروق قال:
بينما رجل يحدث في كندة قال: يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين
وأبصارهم ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ففزعنا، فأتينا ابن مسعود قال: وكان متكئاً
فغضب فجلس وقال: يا أيها الناس: من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله
أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله قال لنبيه صلى الله
عليه وسلم: " قُلْ مَا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْر وَمَا أنَا مِنَ
الْمُتَكَلّمِين " .
إن قريشاً أبطأوا
عن الإسلام، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أعني عليهم بسبع كسبع
يوسف، فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، وحتى كان الرجل يرى
بينه وبين الأرض الدخان، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم،
وقومك قد هلكوا، فادع الله فقرأ هذه الآية: " فَارْتَقِبُ يَوْمَ تَأتي
السَّماءُ بِدُخَّانٍ مُبِين يغْشىَ النَّاسَ هذا عَذابٌ ألِيمٌ رَبَّنا اكشِفْ
عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ " ، أفنكشف عنكم عذاب الآخرة إذا جاء؟
لقد كشف عنهم عذاب الدنيا ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله: " يَوْمَ نَبْطِشُ
الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى " .
فذلك يوم بدر، فسوف
يكون لزاماً: " الم غلِبَتِ الرُّومُ في أدْنَى الأرْض وَهُمْ مِنْ بَعْدِ
غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ " .
قد مضى، فقد مضت
الأربع، وقد أخرجه البخاري أيضاً، ومسلم، من حديث الأعمش، ومنصور به نحوه، وفي
رواية فقد مضى القمر، والدخان، والروم، واللزام، وقد ساقه البخاري من طرق كثيرة،
بألفاظ متعددة، وقول هذا القاص: إن هذا الدخان يكون قبل يوم القيامة ليس بجيد، ومن
هنا تسلط عليه ابن مسعود بالرد، بل قبل يوم القيامة وجود هذا الدخان، كما يكون
وجود هذه الآيات نم الدابة والدجال، والدخان، ويأجوج ومأجوج، كما دلت عليه
الأحاديث عن أبي شريحة، وأبي هريرة، وغيرهما من الصحابة، وكما جاء مصرحاً به في
الحديث الذي رواه، وأما النار التي تكون قبل يوم القيامة فقد تقدم في الصحيح أنها
تخرج من قصر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث
قالوا، وتأكل من تخلف منهم.
ذكر كثرة الصواعق
عند اقتراب الساعةقال الإِمام أحمد: حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا عمارة، عن أبي نضرة
عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تكثر الصواعق
عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول من صعق قبلكم الغداة فيقولون: صعق
فلان وفلان وفلان " .
ذكر وقوع المطر
الشديد قبل يوم القيامةقال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده، حدثنا إسحاق، حدثنا
خالد، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا تقوم الساعة حتى تمطر السماء مطراً لا تكن منه بيوت المدر ولا تكن منه
بيوت الشعر " .
وقال الإِمام أحمد:
حدثنا مؤمل، حدثنا حماد، حدثنا علي بن زيد، عن خالد بن الحويرث، عن عبد الله قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الآيات خرزات منظومات في سلك، فانقطع
السلك، فتبع بعضها بعضاً " . انفرد به أحمد.
ذكر أمور لا تقع
الساعة حتى يقع منها ما لم يكن قد وقع بعدوقد تقدم في الأحاديث السابقة من هذا شيء
كثير، ولنذكر شيئاً آخر من ذلك، ولنورد شيئاً من أشراط الساعة، وما يدل على
اقترابها، وبالله المستعان.
من علامات الساعة
تطاول الناس في البنيان
تقدم ما رواه البخاري، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن
أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا
تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان، ولا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان
عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة، ولا تقوم الساعة حتى يقبض العلم
وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان وتكثر الفتن ويكثر الهرج، ولا تقوم الساعة حتى يبعث
دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله، ولا تقوم الساعة حتى يمر
الرجل بقبر الرجل فيقول ليتني مكانك ولا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها
فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت
من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ولا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال حتى يهم رب
المال من يقبله منه " .
ورواه مسلم من وجه
آخر عن أبي هريرة.
وتقدم الحديث عن
أبي هريرة، وأبي بريدة وأبي بكرة وغيرهم رضي الله عنهم: " لا تقوم الساعة حتى
تقاتلوا الترك عراض الوجوه ذلف الانوف كأن وجوههم المجان المطرقة ينتعلون الشعر
" . الحديث وهم بنو قنطورا وهي جارية الخليل عليه الصلاة والسلام.
من علامات الساعة
قلة العلم وكثرة الجهل وانتشارهوفي الصحيحين من حديث شعبة عن قتادة، عن أنس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم،
ويظهر الجهل، ويفشو الزنى، وتشرب الخمر، ويذهب الرجال، وتبقى النساء حتى يكون
لخمسين امرأة قيم واحد " .
من علامات الساعة
أن تفيض أرض العرب بالخير والثراء والذهبوقال سفيان الثوري: عن سهيل، عن أبيه، عن
أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تذهب الأيام والليالي
حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً، وحتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتتلون
عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، وبنحو واحد " وأخرجه مسلم من وجه آخر عن
سهيل.
إشارة نبوية الى
ردة بعض العرب عن الإسلام قبل قيام الساعةوروى البخاري عن أبي اليمان، عن شعيب، وأخرج
مسلم من حديث معمر كلاهما عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات النساء دوس حول ذي الخلصة
طاغية دوس الذي كانوا يعبدون في الجاهلية
" .
وفي صحيح مسلم من
حديث الأسود بن العلاء، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى
" .
فقلت يا رسول الله:
إن كنت لأظن حين أنزل الله: " هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى
وَدين الْحقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّين كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون
" .
أن ذلك تام، فقال:
" إنه سيكون من ذلك
ما شاء الله ثم يبعث الله ريحاً طيبة يتوفى بها كل من كان في قلبه مثقال حبة خردل
من إيمان. فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم
" .
روى جزء الأنصاري،
عن حميد، عن أنس، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
ما أول أشراط الساعة؟ فقال: " نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب " .
الحديث بتمامه.
ورواه البخاري من
حديث حميد، عن أنس، وفي حديث أبي زرعة عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يوماً بارزاً للناس إذ أتاه أعرابي فسأله عن الإِيمان، الحديث إلى أن قال: يا
رسول الله فمتى الساعة؟ فقال: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ولكن سأحدثك
عن أشراطها، إذا ولدت الأمة ربتها. وإذا كان الحفاة العراة العالة رعاء الشاة رؤوس
الناس، فذاك من أشراطها في خمس لا يعلمهن إلا الله ثم قرأ: " إِنَّ اللَّهَ
عنده عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَام وَمَا
تدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدَاً وَمَا تَدْرِي نَفْسن بِأَيِّ أرْض تَمُوتُ
إِنَّ اللَّه عَلِيم خَبِير " .
ثم انصرف الرجل،
فقال: " ردوه عليَّ " ، فلم يروا شيئاً، فقال: " هذا جبريل جاء
ليعلم الناس أمور دينهم " . أخرجاه في الصحيحين.
وعند مسلم عن عمر
بن الخطاب نحو من هذا بأبسط منه.
فقوله عليه الصلاة والسلام: " أن تلد الأمة
ربتها " ، يعني به أن الإماء تكون في آخر الزمان هن المشار إليهن بالحشمة
فتكون الأمة تحت الرجل الكبير دون غيرها من الحرائر، ولهذا قرن ذلك بقوله: "
وأن ترى الحفاة العراة العالة يتطاولون في البنيان " يعني بذلك أنهم يكونون
رؤوس الناس، قد كثرت أموالهم، وامتدت وجاهتهم، ليس لهم دأب ولا همة إلا التطاول في
البناء.
من علامات الساعة
تكثف الدنيا عند من لا خلق له ولا دينوهذا كما في الحديت المتقدم:
" لا تقوم الساعة حتى
يكون أحظى الناس بالدنيا لكع بن لكع
" .
من علامات الساعة
إسناد الأمور لغير أربابهاوفي الحديث الآخر: " إذا وسد الأمر إلى غير أهله
فانتظر الساعة " .
وفي الحديث الآخر:
" لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة رذالها
" .
ومن فسر هذا بكثرة
السراري لكثرة الفتوحات، فقد كان هذا في صدر هذه الأمة كبير جداً، وليس هذا بهذه
الصفة من أشراط الساعة المتاخمة لوقتها، والله تعالى أعلم.
وقال الحافظ أبو
بكر البيهقي في كتاب البعث والنشور: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي
إسحاق قالا: حدثنا عبد الباقي بن قانع الحافظ حدثنا عبد الوارث بن إبراهيم
العسكري، حدثنا سيف بن مسكين، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: خرجت في طلب
العلم، فقدمت الكوفة فإذا أنا بعبد الله بن مسعود، فقلت: يا أبا عبد الرحمن هل
للساعة من علم تعرف به فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:
" إن من أشراط الساعة أن يكون الولد غليظاً والمطر قيظاً وتفشو الأسرار،
ويصدق الكاذب، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، ويسود كل قبيلة منافقوها وكل سوق
فجارها، وتزخرف المحاريب، وتخرب القلوب، ويكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء ويخرب
عمران الدنيا، ويعمر خرابها، وتظهر الفتنة، وأكل الربا، وتظهر المعازف والكنوز،
وتشرب الخمر، وتكثر الشرط، والغمازون، والهمازون " ثم قال البيهقي: هذا إسناد
فيه ضعف إلا أن أكثر ألفاظه قد روي بأسانيد أخر متفرقة.
قلت: قد تقدم في
أول هذا الكتاب فصل، فيه ما يقع من الشرور في آخر الزمان، وفيه شواهد كثيرة لهذا
الحديث.
من علامات الساعة
إضاعة الأمانةوفي صحيح البخاري من حديث عطاء بن يسار، عن أبي هريرة أن أعرابياً
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة فقال:
" إذا ضيعت الأمانة
فانتظر الساعة، قال: يا رسول الله: وكيف إضاعتها؟ قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله
فانتظر الساعة " .
وقال الإِمام أحمد:
حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن واصل، عن أبي وائل، عن عبد الله، وأحسبه رفعه
إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بين يدي الساعة أيام الهرج أيام يزول
فيها العلم ويظهر فيها الجهل " . فقال أبو موسى: الهرج بلسان الجيش القتل.
وروى الإِمام أحمد
عن أبي اليمان، عن شعيب، عن عبد الله بن أبي حسين، عن شهر، عن أبي سعيد أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى يخرج الرجل من عند أهله
فيخبره شراك نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده
" .
وروى أيضاً عن يزيد
بن هارون، عن القاسم بن الفضل الحداي، عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإِنس،
وتكلم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعله، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده
" .
وقال الإِمام أحمد:
حدثنا عفان، حدثنا حماد، هو ابن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: كنا نتحدث أنه لا
تقوم الساعة حتى لا تمطر السماء، ولا تنبت الأرض، وحتى يكون لخمسين امرأة القيم
الواحد، وحتى إن المرأة لتمر بالبعل، فينظر إليها فيقول: لقد كان لهذا المرأة رجل.
قال الإِمام أحمد
ذكره حماد مرة هكذا وقد ذكره عن ثابت، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك
فيه، وقد قال أيضاً عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحسب إسناداً جيداً
ولم يخرجوه من هذا الوجه.
وقال الإِمام أحمد:
حدثنا هشام، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك يرفع الحديث: " لا تقوم
الساعة حتى يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويقل الرجال، وتكثر النساء، وحتى يكون قيم
خمسين امرأة رجل واحد " . تقدم له شاهد في الصحيح.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر،
عن الزهري، أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجِ حين زاغت
الشمس فصلّى الظهر، فلما سلم قام على المنبر، فذكر الساعة، وذكر أن بين يديها
أموراً عظاماً وذكر تمام الحديث.
إشارة نبوية الى
نزع البركة من الوقت قبل قيام الساعةوقال الإِمام أحمد: حدثنا هاشم، وأبو كامل،
قالا: حدثنا زهير، حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة
كالشهر، والجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة "
والسعفة الخوصة.
زعم سهيل أن هذا
الإِسناد على شرط مسلم.
وقال الإمام أحمد:
حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا كامل، عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " لن تذهب الدنيا حتى تصير لكع بن لكع " .
إسناده جيد قوي.
من علامات الساعة
نطق الرويبضةوقال أحمد: حدثنا يونس، وشريح، قالا: حدثنا فليح، عن سعيد بن عبد الله
بن السباق، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قبل الساعة
سنون خداعة، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها
الخائن، وينطق فيها الرويبضة " .
قال شريح: وينظر
فيها الرويبضة، وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه من هذا الوجه.
وقال أحمد: حدثنا
هودة، حدثنا عوف، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إن من أشراط الساعة أن يرى رعاء الشاة رؤوس الناس، وأن ترى الحفاة العراة
الجوع يتبارون في البناء، وأن تلد الأمة ربتها أو ربها " . وهذا إسناد جيد لم
يخرجوه من هذا الوجه.
وقال أحمد: حدثنا
عمار بن محمد، عن الصلت بن قوتب، عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " لا تقوم الساعة حتى لا تنطح ذات قرن جماء " . تفرد به أحمد
ولا بأس بإسناده.
وقال أحمد: حدثنا
يحيى بن عجلان، سمعت أبي يحدث، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ويظهر الجهل، ويكثر الهرج، قيل وما
الهرج؟ قال: القتل " .
تفرّد به أحمد وهو
على شرط مسلم.
وقال أحمد: حدثنا
عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال، فيفيض حتى يهم رب المال من
يقبل منه صدقة ماله، وحتى يقبض العلم، ويقترب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج
" قالوا: الهرج أيما
يا رسول الله؟ قال: القتل القتل
" .
قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، دعواهما واحدة،
وتكون بينهما مقتلة عظيمة " .
وقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين،
كلهم يزعم أنه رسول الله " .
قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها
الناس آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت
في إيمانها خيراً " . وهذا ثابت في الصحيح.
وقال الحافظ أبو
بكر البزار: حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا القاسم بن الحكم، عن سليمان بن داود
اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " والذي بعثني بالحق لا تنقضي هذه الدنيا حتى يقع بهم الخسف،
والقذف، والمسخ، قالوا: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا رأيت النساء ركبن الفروج،
وكثرت القينات، وكثرت شهادة الزور، واستغنى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء
" .
وروى الطبراني: من حديث
كثير بن مرة، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن
من علامات الساعة أن تعزب العقول، وتنقص الأحلام
" .
وقال الإِمام أحمد:
حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا بشير بن سليمان، وهو أبو إسماعيل، عن
سيار أبي الحكم، عن طارق بن شهاب، قال: كنا عند عبد
الله بن مسعود جلوساً فجاء رجل فقال: قد أقيمت الصلاة، فقام وقمنا معه، فلما دخلنا
المسجد رأينا الناس ركوعاً في مقدم المسجد، فكبَّر وركع. فكبرنا وركعنا، ثم سجد،
وسجدنا، ثم سلم، وسلمنا، وصنعنا مثل الذي صنع، فمر رجل يسرع فقال: عليك السلام يا
أبا عبد الرحمن، فقال: صدق الله، وبلغ رسوله، فلما صلينا ورجعنا، دخل إلى أهله وجلسنا،
فقال بعضنا لبعض: أما سمعتم رده على الرجل صدق الله وبلغ رسولهَ.
أيكم يسأله. فقال
طارق: أنا أسأله، فسأله حين خرج، فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة. حتى تعين المرأة زوجها على
التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور الجهل
" .
روى أحمد عن عبد
الرزاق عن بشير عن يسار: أبو الحكم لم يرو عن طارق شيئاً.
صفة أهل آخر
الزمانوقال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن الحسن، عن
عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة
حتى يأخذ الله شريعته من أهل الأرض، فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفاً، ولا
ينكرون منكراً " .
وحدثنا عفان، حدثنا
همام، عن قتادة، عن الحسن، عن عبد الله بن عمرو، يرفعه، وقال: " حتى يأخذ
الله شريعته من الناس " .
إن من البيان
لسحراً
وقال الإِمام أحمد:
حدثنا عفان، حدثنا قيس، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة السلماني، عن عبد الله بن
مسعود، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن من البيان سحراً،
وشرار الناس الذين تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون قبورهم مساجد " .
وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجوه من هذا الوجه.
الساعة لا تقوم إلا
على شرار الناسوقال الإِمام أحمد: حدثنا بهز، حدثنا شعبة، حدثنا علي بن الأقمر،
سمعت أبا الأحوص حدث عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " ورواه مسلم، عن إبراهيم بن حرب، عن عبد
الرحمن بن مهدي، عن سفيان.
قبيل قيام الساعة تهدر
آدمية الإنسانوقد تقدم في الأحاديث السابقة: " أنه تقل الرجال، وتكثر النساء،
حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد يلذن به. وأنهم يتسافدون في الطرقات كما
تتسافد البهائم " .
وقد أوردناها بأسانيدها،
وألفاظها، بما أغنى عن إعادتها ها هنا، ولله الحمد.
لا تقوم الساعة على
موحدوقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، أخبرنا ثابت عن أنس، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله
إلا الله " .
ورواه مسلم، عن زهير
بن حرب، عن عفان به، ولفظه: " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله
" .
قال الإِمام أحمد:
حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله
" . وكذا رواه مسلم، عن
عبد بن حميد، عن عبد الرزاق وقال أحمد: وحدثنا ابن عدي، عن حميد، عن أنس، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله
الله " .
وهذا إسناد ثلاثي
على شرط الصحيحين، وإنما رواه الترمذي، عن بندار، عن محمد بن عبد الله بن أبي عدي،
عن حميد، عن أنس، مرفوعاً، وقال: حسن، ثم رواه محمد بن المثنى، عن خالد الحارث، عن
حميد، عن أنس، موقوفاً قال: وهذا أصح من الأول.
لا تقوم الساعة إلا
على من لا ينكر منكراً ولا يأمر بمعروف
وفي معنى قوله صلى
الله عليه وسلم: " حتى لا يقال في الأرض الله الله
" .
قولان:
أحدهما: أن معناه
أن أحداً لا ينكر منكراً، يعني لا يزجر أحد أحداً إذا رآه قد تعاطى منكراً، وعبَّر
عن ذلك بقوله: " حتى لا يقال الله الله " كما تقدم في حديث عبد الله بن
عمرو: " فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً
" .
والقول الثاني: حتى
لا يذكر الله في الأرض، ولا يعرف اسمه فيها، وذلك عند فساد الزمان، ودمار نوع
الإنسان، وكثرة الكفر، والفسق والعصيان، وهذا كما في الحديث الآخر: " لا تقوم
الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله
" .
شرار الناس من
تدركهم الساعة وهم أحياء
وكما تقدم في الحديث الآخر: " إن الشيخ الكبير
يقول: أدركت الناس وهم يقولون: لا إله إلا الله، ثم يتفاقم الأمر ويتزايد الحال، حتى
يترك ذكر الله في الأرض، وينسى بالكلية، فلا يعرف فيها وأولئك شرار الناس وعليهم
تقوم الساعة " .
كما تقدم في
الحديث: " ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس
" .
وفي اللفظ الآخر:
" وشرار الناس الذين تدركهم الساعة وهم أحياء
" .
وفي حديث عبد
العزيز بن صهيب، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزداد الناس إلا
شحاً، ولا يزداد الزمان إلا شدة، ولا تقوم الساعة إلى على شرار الناس
" .
وقال الإمام أحمد:
حدثنا هاشم، حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن أبيه، عن عائشة،
قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " يا عائشة: قومك أسرع
أمتي لحاقاً بي، قالت: فلما جلس قلت: يا رسول الله: جعلني الله فداك، لقد دخلت
وأنت تقول كلاماَ أذعرني قال: وما هو؟ قالت: تزعم أن قومي أسرع أمتك لحاقاً بك.
قال: نعم قالت: وعم ذاك؟ قال: تستجلبهم المنايا. قالت: فقلت: وكيف الناس بعد ذلك؟
قال: " دباً يأكل شداده ضعافه، حتى تقوم عليهم الساعة
" .
والدبا الجنادب
التي لم تنبت أجنحتها. تفرّد به أحمد.
قرب الساعة
ذكر طرق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " بعثت أنا والساعة كهاتين "
رواية عن أنس بن مالك، رضي اللّه تعالى عنه
قال الإِمام أحمد:
حدثنا أبو المغيرة، حدثنا الأوزاعي، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله يعني بن أبي
المهاجر الدمشقي قال: قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك فسأله: ماذا سمعت
من رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام يذكر به الساعة؟ قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: " أنتم والساعة كهاتين " . تفرّد به أحمد من هذا
الوجه.
طريق أخرى عنهقال
أحمد: حدثنا هاشم عن شعبة، عن أبي التياح، وقتادة، وحمزة، وهو ابن عمرو الضبي،
أنهم سمعوا أنس بن مالك يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم " بعثت أنا والساعة
هكذا " .
وأشار بالسبابة
والوسطى، وأخرجه مسلم من حديث شعبة، عن حمزة الضبي، هذا وأبي التياح، كلاهما عن
أنس به.
روى الإِمام أحمد:
عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق عن زياد بن أبي زياد
المدني، عن أنس بن مالك أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
بعثت أنا والساعة كهاتين " .
ومد إصبعيه السبابة
والوسطى. تفرّد به أحمد.
طريق أخرىقال أحمد:
حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي التياح، سمعت أنس بن مالك يروي أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " بعثت أنا والساعة كهاتين " . وبسط
إصبعيه السبابة والوسطى.
وأخرجاه في
الصحيحين، من حديث شعبة، عن أبي التياح يزيد بن حميد، وزاد مسلم، وحمزة الضبي، عن
أنس به.
طريق أخرىقال أحمد:
حدثنا يزيد، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: " بعثت أنا والساعة كهاتين " . وأشار بالوسطى والسبابة.
وأخرجه البخاري،
ومسلم، والترمذي، من حديث شعبة به.
وفي رواية لمسلم،
عن شعبة، عن قتادة، وأبي التياح، كلاهما عن أنس به، وقال الترمذي: حسن صحيح.
قال مسلم في صحيحه،
حدثنا أبو غسان مالك بن عبد الواحد، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن معبد بن
بلال العزى، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بعثت
أنا والساعة كهاتين " . تفرّد به مسلم.
رواية جابر بن عبد
الله رضي اللّه تعالى عنه
قال أحمد: حدثنا
مصعب بن سلام، حدثنا جعفر، هو ابن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جابر بن عبد
الله، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله، وأثنى عليه بما هو
أهله، ثم قال: " أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أفضل الهدي هدي
محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة
" .
ثم يرفع صوته،
وتحمر وجنتاه، ويشتد غضبه، إذ ذكر الساعة، كأنه منذر جيش، ثم يقول: " أتتكم
الساعة، بعثت أنا والساعة هكذا " . وأشار بإصبعه السبابة والوسطى. "
صبحتكم الساعة ومستكم " . وقد رواه مسلم، والنسائي، وابن ماجه، من طرق عن
جعفر بن محمد به، وعند مسلم قال: " بعثت أنا والساعة كهاتين
" .
رواية سهل بن سعد
رضي اللّه تعالى عنه
قال مسلم: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا قتيبة بن
سعيد، واللفظ حدثنا يعقوب، عن ابن عبد الرحمن، عن أبي حازم، أنه سمع سهلاً يقول:
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعيه اللتين تليان الإِبهام، وهما السبابة والوسطى،
وهو يقول: " بعثت أنا والساعة هكذا " . تفرّد به مسلم.
رواية أبي هريرة
رضي اللّه تعالى عنه
قال الحافظ أبو
يعلى: حدثنا أبو هشام، حدثنا أبو بكر حدثنا ابن حصين، عن ابن أبي صالح، عن أبي
هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بعثت أنا والساعة كهاتين
" وضم أصابعه.
وقد روى البخاري:
عن يحيى بن يوسف، عن أبي بكر بن عباس، عن أبي حصين عثمان بن عاصم، عن أبي صالح
ذكوان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بعثت أنا والساعة
كهاتين " .
ثم قال البخاري:
وتابعه إسرائيل: ورواه ابن ماجة عن هناد بن السري، وأبو هاشم الرفاعي، عن أبي بكر
بن عياش. به، وقال: وجمع بين إصبعيه.
وقال أبو بكر بن
أبي الدنيا، حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي
خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي جبيرة بن الضحاك رضي الله عنه، قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " بعثت في قسم الساعة
" .
يقول:
حين بدت في أول
وقتها، وهذا إسناد جيد، وليس هو في شيء من الكتب، ولا رواه أحمد بن حنبل، وإنما
روي لأبي جبيرة حديث آخر في النهي عن التنابز بالألقاب.
حديث في قرب يوم
القيامة بالنسبة إلى ما سلف من الأزمنةقال الإِمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا
شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم على المنبر يقول: " إنما بقاؤكم فيما سلف
قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أعطى أهل التوراة التوراة،
فعملوا بها حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأعطوا قيراطاً، ثم أعطى أهل الإِنجيل
الإِنجيل، فعملوا به حتى صلاة العصر، فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أعطيتم القرآن، فعملتم
به حتى غربت الشمس، فأعطيتم قيراطين قيراطين، فقال أهل التوراة والإِنجيل، ربنا
هؤلاء أقل عملاً وأكثر أجراً، فقال: هل ظلمتكم من أجركم من شيء قالوا: لا، قال:
فذاك فضلي أوليه من أشاء " . وهكذا رواه البخاري عن أبي اليمان.
وللبخاري من حديث
سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلمِ: " إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر
ومغرب الشمس ومثلكم ومثل اليهود والنصارى " . فذكر الحديث بتمامه وطوله.
طريق أخرى عن ابن
عمر رضي اللّه تعالى عنه
قال الإِمام أحمد:
حدثنا الفضل بن دكين: حدثنا شريك، قال: سمعت سلمة بن كهيل يحدث عن مجاهد، قال: كنا
جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم والشمس على قعيقعان بعد العصر فقال: "
ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى منه " تفرّد به
أحمد، وهذا إسناد حسن لا بأس به.
طريق أخرى عنهقال
أحمد: حدثنا إسماعيل بن عمر، حدثني كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله، عن عبد
الله بن عمر، أنه كان واقفاً بعرفات، فنظر إلى الشمس حتى نزلت مثل الترس للغروب،
فبكى، واشتد بكاؤه، فقال له رجل عنده: يا أبا عبد الرحمن قد وقفت معي مراراً فلم
تصنع هذا؟ فقال: " أيها الناس لم يبق من دنياكم فيما مضى منها، إلا كما بقي
من يومكم هذا فيما مضى منه " . تفرّد به أحمد.
طريق أخرى عن ابن
عمرقال الإِمام أحمد: حدثنا يونس بن حماد، يعني ابن عمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن
عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا إن مثل آجالكم في آجال
الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى مغربان الشمس
" .
ورواه البخاري، عن
سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد به نحوه بأبسط منه.
وروى الحافظ أبو
القاسم الطبراني، من حديث عطية العوفي، ووهب بن كيسان عن ابن عمر
عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحو ذلك، وهذا كله يدل
على أن ما بقي بالنسبة إلى ما مضى كالشيء اليسير، لكن لا يعلم مقدار ما بقي إلا
الله عز وجل. ولم يجىء فيه تحديد يصح سنده عن المعصوم، حتى يصار إليه، ويعلم نسبة
ما بقي بالنسبة إليه، ولكنه قليل جداً بالنسبة إلى الماضي، وتعيين وقت الساعة لم يأت
به حديث صحيح، بل إن الآيات والأحاديث دالة على أن علم ذلك مما استأثر الله سبحانه
وتعالى به، دون أحد من خلقه، كما سيأتي تقريره في أول الجزء الآتي بعد هذا، إن شاء
الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان.
إشارة نبوية إلى
أنه لن يبقى بعد مائة سنة أحد من الموجودين على ظهر الأرض وقتذاك
فأما الحديث الذي
رواه الإِمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مسنده قائلاً، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا
شعيب، عن الزهري، حدثني سالم بن عبد الله، وأبو بكر بن أبي خيثمة أن عبد الله بن
عمر قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم
قام فقال: " أرأيتم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم
على ظهر الأرض أحد، قال عبد الله: فوهل الناس في مقالة النبي صلى الله عليه وسلم
تلك إلى ما يحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال النبي صلى الله عليه
وسلم: " لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحداً، يريد بذلك أنه ينخرم ذلك
القرن " .
وهكذا رواه البخاري
عن أبي اليمان بسنده ولفظه سواء، ورواه مسلم، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي،
عن أبي اليمان الحكم، عن نافع، عن شعيب به، فقد فسّر الصحابي المراد من الحديث بما
فهمه، وهو أولى بالفهم من كل أحد، من أنه صلى الله عليه وسلم يريد أنه يخرم قرنه
ذلك فلا يبقى ممن هو كائن على وجه الأرض من ذلك الزمان أحد إلى مائة سنة، وقد
اختلف العلماء هل ذلك خاص بذلك القرن أو عام في كل قرن لا يبقى أحد أكثر من مائة
سنة. على قولين، والتخصيص بذلك القرن المبين الأول أولى، فإنه قد شوهد بعض الناس
جاوز مائة سنة، وذلك في طائفة من المعمرين، كما أوردنا في التاريخ، ولكنه قليل في
الناس فالله أعلم، ولهذا الحديث طرق أخر عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً.
رواية جابر بن عبد
الله رضي اللّه تعالى عنه
قال أحمد: حدثنا
أبو النضر، حدثنا المبارك: حدثنا الحسن، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم سئل عن الساعة قبل أن يموت بشهر فقال:
" تسألوني عن الساعة،
وإنما علمها عند الله، والذي نفسي بيده ما أعلم اليوم نفساً يأتي عليها مائة سنة
" .
تفرّد به أحمد:
وهذا إسناد حسن جيد. رجاله ثقات، أبو النضر هاشم بن قاسم من رجال
الصحيحين، ومبارك بن فضالة حديثه عند أهل السنن، والحسن بن أبي الحسن البصري من
الأئمة الثقات الكبار، وروايته مخرجة في الصحاح كلها وغيرها.
طريق أخرى عن
جابرقال الإِمام أحمد: حدثنا حجاج: قال ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر
بن عبد الله يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بشهر يقول:
" تسألوني عن الساعة،
وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة
سنة " .
وكذلك رواه مسلم،
عن هارون بن عبد ا لله، وحجاج بن الشاعر، عن حجاج بن محمد الأعور، عن محمد بن
حاتم، عن محمد بن أبي بكرة، كلاهما عن ابن جريج عنه.
باب قرب قيام
الساعةوقال مسلم في الصحيح: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب، قالا: حدثنا
أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة، فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال:
" إن يعش هذا لم
يدركه الهرم حتى تقوم ساعتكم " . تفرّد به مسلم رحمه الله.
قال مسلم: حدثنا
أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن محمد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن
رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى تقوم الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار
يقال له محمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن يعش هذا الغلام فعسى
أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة
" . تفرّد به مسلم من
هذا الوجه.
قال مسلم: وحدثني
حجاج بن الشاعر، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد يعني ابن زيد
حدثنا معبد بن بلال العربي، عن أنس بن مالك، أن رجلاً
سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: متى تقوم الساعة؟ قال: فسكت النبي صلى الله
عليه وسلم، ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة فقال: " إن عمر هذا لم
يدركه الهرم حتى تقوم الساعة " .
قال أنس: ذاك
الغلام من أترابي يومئذ. تفرّد به مسلم أيضاً من هذا الوجه.
قال مسلم: حدثنا
هارون بن عبد الله، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس، قال: مر
غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أقراني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن
يؤخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة
" .
ورواه البخاري، عن
عمرو بن عاصم، عن همام به.
وهذه الروايات تدل
على تعداد هذا السؤال والجواب، وليس المراد تحديد وقت الساعة العظمى، إلى وقت هرم
ذاك المشار إليه، وإنما المراد أن ساعتهم وهو انقراض قرنهم وعصرهم قصاراه أنهى إلى
مدة عمر ذلك الغلام، كما تقدم. وفي الحديث:
" تسألوني عن الساعة،
فإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة
سنة " .
ويؤيد ذلك رواية
عائشة: " قامت عليكم ساعتكم
" .
وذلك أن من مات فقد
دخل في حكم القيامة فعالم البروج قريب من عالم يوم القيامة، وفيه من الدنيا أيضاً،
ولكن هو أشبه بالآخرة، ثم إذا تناهت المدة المضروبة للدنيا، أمر الله بقيام
الساعة، فيجمع الأولون والآخرون لميقات يوم معلوم، كما سيأتي بيان ذلك من الكتاب
والسنّة وبالله المستعان.
ذكر الساعة
واقترابها وأنها آتية لا ريب فيها وأَنها لا تأتي إلا بغتة ولا يعلم وقتها على
التعيين إلا اللّه تعالى
قال الله تعالى:
" اقترَبَ لِلنَّاس حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُون
" .
وقال تعالى: "
أتى أمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوه
" .
وقال تعالى: "
يَسْألُكَ النَّاسُ عَن السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّه وَمَا
يدرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَريباً
" .
وقال تعالى: "
سَأل سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافع مِنَ اللَّهِ ذِي
المعَارِج تَعْرُجُ المَلاَئِكَةُ والرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَارُهُ
خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ
بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْل وَتَكُونُ
الجِبَالُ كالْعِهْن وَلاَ يَسْألُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُم
" .
وقال تعالى: "
اقتَربَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ
" .
وقال تعالى: "
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ مسَاعَةً مِنَ النَّهارِ
يَتَعَارَفونَ بَيْنهمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كًذّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا
كَانُوا مُهْتَدِين " .
وقال تعالى: "
اللَّهُ الَّذِي أنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ والْمِيزَانِ وَمَا يدْرِيكَ لَعَلَّ
السَّاعَةَ قَرِيب يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا
وَالَّذِينَ آمنوا مُشفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ألاَ إِنَّ
الَّذِينَ يُمَارونَ في السَّاعَةِ لَفِي ضَلال بَعيدٍ "
.
وقال تعالى: "
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً
يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَبِثْتم إِلاَّ عَشْراً نَحْنُ أَعلمُ بِما
يَقُولُونَ إِذ يَقُولُ أمثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً
" .
وقال تعالى: "
قُلْ كَمْ لَبِثْتمْ فِي الأَرْض عَدَدَ سِنِينَ قَالوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ
يَوْم فَاسْأَلِ الْعَادِّين قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكمْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " .
وقال تعالى: "
يَسْألُونَكَ عَن السَّاعَةِ أيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْد
ربِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُو َثَقُلَت في السَّمواتِ والأَرْض لاَ
تَأتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْألونك كَأنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا
علمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاس لاَ يَعْلَمُونَ
" .
وقال تعالى: "
يَسْألُونَكَ عَن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها
" .
وقال تعالى: " إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَاد
أخْفِيهَا لِتُجْزَى كًلُّ نَفْس بمَا تَسْعَى فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ
لاَ يُؤْمِن بِهَا واتَّبَعَ هَواه فَتَرْدَى
" .
وقال تعالى: "
قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَمواتِ وَالأَرْض الغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا
يَشْعُرُونَ أيَّانَ يُبْعَثونَ بل ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ
فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُون
" .
وقال تعالى: "
إِنَّ اللَّهَ عِندَه عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي
الأرْحَام وَمَا تدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكسب غداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ
أرْض تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمَ خَبِير
" .
ولهذا لما سأل جبريل
عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الساعة وهو في صورة أعرابي قال له
صلى الله عليه وسلم: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل
" .
يعني قد استوى فيها
علم كل مسؤول وسائل، لأنه إن كانت الألف واللام في المسؤول والسائل للعهد عائدة
عليه وعلى جبريل، فكل أحد ممن سواهما لا يعلم ذلك بطريق الأولى والأخرى، وإِن كانت
للجنس عمت بطريق اللفظ والله سبحانه وتعالى أعلم قال:
ذكر شيء من
أشراطها" في خمس لا يعلمهن إلا الله ثم قرأ: " إن اللّه عنده علم الساعة
" .
وقال تعالى: "
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أنتُمْ
بِمُعْجِزِينَ " .
وقال تعالى: "
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَروا لاَ تَأتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَربِّي
لِتَأتِيَنَّكًمْ عَالِم الْغَيْبِ لاَ يَعْزبُ عَنْهُ مثْقَال ذرَّةٍ فِي السَّمواتِ
وَلاَ فِي الأرْض وَلاَ أصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلاَ أكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ
مُبِين لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أولَئِكَ لَهُمْ
مَغْفِرَةٌ وَرزْقٌ كَريمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعْجِزِين أولَئِكَ
لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ ألِيم
" .
وقال تعالى: "
زعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لتُبْعَثنُّ
ثُمّ لتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
" .
فهذه ثلاث آيات،
يأمر الله فيها رسوله أن يقسم بالله على العباد وليس لهن رابعة مثلهن، ولكن في معناهن
كثير. قال الله تعالى: " وَأقْسُمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمَانِهِمْ لاَ
يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنّ أكْثَرَ
النَّاس لاَ يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ
ولبيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِين إنَّمَا قَوْلُنَا
لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أنْ نَقولَ لَهُ كُنْ فَيَكونُ
" .
وقال تعالى: "
مَا خَلْقكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْس وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ " .
وقال تعالى: "
لَخَلْقُ السَّمواتِ والأَرْض أَكبَرُ مِنْ خَلْق النَّاس وَلَكِنَّ أكْثَرَ
النَّاس لاَ يَعْلَمُونَ وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلاَ الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَا تَتَذَكَّزونَ
إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاس لاَ
يُؤْمِنُونَ " .
وقال تعالى: "
أ أَنْتُمْ أشَدُّ خَلْقاً أَم السَّماءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسًوّاهَا
وَأغطَشَ لَيْلَهَا وأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أخْرَجَ
مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعاً لَكُمْ
وَلأَنْعَامِكمْ " .
وقال تعالى: "
وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَصُماً
مَأوَاهُمْ جَهَنَّمْ كُلّمَا خَبَتْ زِدْنَاهمْ سَعِيراً ذَلِكَ جَزاؤُهُمْ
بِأنَّهُمْ كَفَروا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أئِذَا كُنَّا عِظَاماً و رُفَاتاً
أئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً
" .
وقال تعالى: "
أوْلَمْ يَرَوا أنَّ اللَّهَ الَّذي خَلَقَ السَّمواتِ وَالأرْضَ قَادر عَلَى أن
يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أجَلاً لاَ رَيْبَ فِيهِ فَأبَى الظالِمُونَ
إِلاَّ كُفُوراً " .
وقال تعالى: " أو لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ
السَّموَاتِ وَالأرْضَ بِقَادرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ
الخلاَّقُ الْعَلِيمُ إنَّمَا أمْرُهُ إِذَا أرَادَ شَيْئاً أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذي بِيدهِ مَلَكُوتُ كل شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون
" .
وقال تعالى: "
أوَلَمْ يَرَوْا أنَّ اللَّهَ الَّذي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأرْض وَلَمْ يَعْيَ بِخَلقِهِنَّ
بِقَادرٍ عَلَى أنْ يُحْييِ المَوتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير
" .
وقال تعالى: "
وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالأرْضُ بِأمْرِهِ ثمَّ إِذَا دَعاكُمْ
دَعْوَةً مِنَ الأَرْض إِذَا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ
" .
وقال تعالى: "
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ
الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّموَاتِ وَالأرْض وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم
" .
وقال تعالى: "
وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْييِ العِظَامَ وَهِيَ
رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أنْشَأَهَا أوَّلَ مًرّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق
عَلِيمٌ " .
وقال تعالى: "
وَمِنْ آيَاتِهِ أنَّكَ الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ
اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أحْيَاهَا لَمُحيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى
كل شَيْءٍ قَدِيرٌ " .
وقال تعالى: يا
أيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْاكُمْ
مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثَم مِنْ مُضْغَةٍ
مُخلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَام مَا نَشَاءُ
إِلَى أجَل مُسَمَّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أشُدَّكُمْ
وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أرذَلِ الْعُمُرِ
لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْم شَيْئاً وَتَرَى الأرْضَ هَامِدة فَإذَا
أنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْج
بَهِيج ذلِكَ بِأنَّ اللّه هُوَ الْحَقُّ وَأنَّهُ يُحيِي المَوْتَى واَنَّهُ
عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وأنَّ السَّاعَةَ آتِيَة لاَ رَيْبَ فِيهَا وَأنَّ
اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ
" .
وقال تعالى: "
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِين ثُمَّ جَعَلْنَاهً
نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِين ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ
مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْماً ثمَّ
أنْشَأنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ
إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمِيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
تُبْعَثُونَ ولَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَمَا كنَّا عَن
الْخَلْق غَافِلِين " .
فيستدل بإحياء الأرض
الميتة على إحياءَ الأجساد بعد فنائها، وتمزقها وصيرورتها تراباً، وعظاماً،
ورفاتاً، وكذلك يستدل ببدء الخلق على الإعادة كما قال تعالى:
" وَهُوَ الَّذِي
يَبْدَأ الْخَلْقَ ثَمّ يُعِيده وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ
الأَعْلَى فِي السَّموَاتِ وَالأًرْض وَهوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
" .
وقال تعالى: "
قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ
يُنْشِىءُ النَّشْأةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِير
" .
وقال تعالى: "
والذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماء مَاءً بِقدَرٍ فأَنْشَرْنَا بِهِ بَلدَةً مَيْتاً
كَذلِكَ تُخْرَجُونَ " .
وقال تعالى: "
واللّه الَّذِي أرْسَلَ الرِّيَاحَ فتثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاه إِلَى بَلَدٍ
مَيِّت فأَحْيَيْنَا بهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ
" .
وقال تعلى: "
فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِق يَخْرُجُ مِنْ
بَيْن الصُّلْبِ وَالترائِبِ إِنَّه
عَلَى رَجْعِهِ لَقَادرٌ يَوْمَ تُبْلَى السرًّائِرُ
فَمَالَهُ مِنْ قُوّة وَلاَ نَاصِر وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْع وَالأرْض ذَاتِ
الصدع إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ إِنَّهُمْ يَكِيدونَ
كَيْداً وَأكِيد كَيْداً فَمَهِّل الكافِرِينَ أمْهِلْهُمْ روَيْداً
" .
وقال تعالَى:
" وَهُوَ الَّذِي يُرْسَلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتى
إِذا أقلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيت فَأنَزَلَنَا بِهِ
الْمَاءَ فَأخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرج الموتَى
لَعًلّكُمُ تَذَكَّرُونَ " .
وقال تعالى إخباراً
عن الكافرين أَنهم قالوا: " أئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ
بَعِيدٌ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصً الأرْضَ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ
حَفِيظٌ " .
وقال تعالى: "
أفَرَأيْتمْ مَا تُمْنُونَ أ أنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ
نَحْنُ قدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقينَ عَلَى أنْ نُبَدِّلَ
أمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ في مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ
النَّشْأَةَ الأولَى فَلَوْلاَ تَذَكَّرونَ
" .
وقال تعالى: "
نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَددْنَا أسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا
أمْثَالَهمْ تَبْدِيلا " .
وقال تعالى: "
كلاّ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمّا يَعْلَمُونَ فَلاَ أقْسِمُ بِرَبِّ المَشَارِق
والمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادرُونَ عَلَى أنْ نُبدلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ
بِمَسْبُوقينَ " .
وقال تعالى:
" وَقَالُواْ أئِذَا
كُنَّا عِظَاماً وَ رفَاتاً أئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً قُلْ كُونُوا
حِجَارَةً أوْ حَدِيداً أوْ خَلْقاً مِمّا يَكْبُرُ في صُدورِكمْ فَسَيَقولُونَ
مَنْ يعِيدُنَا قل الَّذِي فَطَرَكُمْ أوَّلَ مًرّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ
رُؤوسَهمْ وَيَقولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسَى أنْ يَكُونَ قَرِيباً يَوْمَ
يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدهِ وَتَظُنونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ
قَليلاً " .
وقال تعالى:
" يَقُولونَ أئنَّا
لَمردودونَ في الحَافِرَة أئِذا كُنَّا عِظَاماً نَخِرَةً قَالوا تِلْكَ إِذا
كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ وَاحدةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَة
" .
وقد ذكر تعالى
إحياء الموتى في سورة البقرة في خمسة مواضع في قصة بني إسرائيل في قتل بعضهم بعضاً
لما عبدوا العجل قال الله تعالى: " ثُمَّ بَعَثناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ " .
وفي قصة البقرة:
" فَقُلْنَا اضْربُوهُ بِبَعْضِهَا كَذلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوتَى
ويُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعًلّكُمْ تَعْقِلُونَ
" .
وفي قصة البقرة:
" ألَمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ ألُوفٌ حَذْرَ
المَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّه مُوتُوا ثُمَّ أحْيَاهمْ إِنَّ اللّه لذُو فَضْل
عَلَى النَّاس وَلَكِنَّ أكْثَرَ النَّاس لاَ يَشْكُرُونَ
" .
وفي قصة العزيز أَو
غيره حيث قال تعالى: " أوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ
عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أنَّى يُحْيي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتهَا فَأمَاتَهُ
اللّهُ مَائِةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً
أو بَعْضَ يَوْم قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مائَةَ عَام فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ
لَمْ يَتَسًنّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاس وانظُرْ
إلى العِظَام كَيْفَ ننْشِرُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ
قَالَ أعْلَمُ أنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
" .
والخامسة قوله
تعالى: " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ أرِني كَيْفَ تُحْيي المَوْتَى
قَالَ أوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ
أرْبَعَة مِنَ الطّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَل
مِنْهُنَّ جُزْءَاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأتِينَكَ سَعْياً واعْلَمْ أنَّ اللّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ " .
وذكرتعالى قصة أهل الكهف، وكيف كان إيقاظهم من نومهم
الذي دام ثلاثمائة سنة شمسية، وهي ثلاثمائة وتسع سنين بالقمرية وقال فيها:
" وَكَذَلِكَ
أعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أنْ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَأنَّ السَّاعَةَ
لاَ رَيْبَ فِيهَا " .
ذكر زوال الدنيا
وإِقبال الآخرة
أول شيء يطرق أهل
الدنيا بعد وقوع أشراط الساعة نفخة الفزع، وذلك أن الله سبحانه وتعالى يأمر
إسرافيل فينفخ في الصور نفخة الفزع، فينظر لها فلا يبقى أحد من أهل الأرض إلا أصغى
ليتاً ورفع ليتاً، أي رفع صفحة عنقه وأمال الأخرى يستمع هذا الأمر العظيم، الذي قد
هال الناس وِأزعجهم عما كانوا فيه من أمر الدنيا، وشغلهم بها، وفي وقوع هذا الأمر
العظيم قال الله تعالى: " وَيَوْمَ يُنْفخُ في الصُورِ فَفَزِعٍ مَنْ في
السَّموَاتِ وَمَنْ في الأرْض إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللّهُ وَكُلٌّ أتُوه دَاخِرِينَ
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامدَةً وَهِيَ تَمُرّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللّهِ
الَّذِي أتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ
" .
وقال تعالى: "
وَمَا يَنْطرُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاق
" .
وقال تعالى: "
فَإِذا نُقِرَ في النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى
الكَافِرينَ غَيْرُ يَسِير " .
وقال تعالى: "
قَوْلَهُ الحَقُّ وَلَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ
والشهَادةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ
" .
ثم بعد ذلك بمدة،
يأمره تعالى فينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض، إِلا من شاء الله،
ثم يأمره، فينفخ فيه أخرى، فيقوم الناس لرب العالمين.
وقال تعالى: "
وَنُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ في السَّمواتِ وَمَنْ في الأرْض إِلاَّ مَنْ
شَاءَ اللَّهُ ثمَّ نَفِخَ فِيهِ أخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَام يَنْظُرُونَ
وأشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيء بِالنَّبِيِّينَ
والشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ وَوُفيَتْ
كُلِّ نَفْس مَا عَمِلتْ وَهُوَ أعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ " . وقال تعالى:
" وَيَقُولُونَ مَتَى هذَا الوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ مَا
يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحدَةً تأخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصمُونَ فَلاَ
يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَى أهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ وَنًفِخَ في الصورِ
فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ إِلَى ربِّهِمْ يَنْسِلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا
مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصدقَ الْمُرْسَلُونَ
إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحدَةً فإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ
فَالْيَومَ لاَ تُظْلَمً نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ " .
وقال تعالى: "
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحدةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَة
" .
وقال تعالى: "
وَمَا أمْرُنَا إِلاَّ وَاحدةٌ كَلَمْح بالْبَصَرِ
" .
وقال تعالى: "
وَنُفِخَ في الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً
" .
وقال تعالى: "
فإِذَا نُفِخَ في الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحدَة وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالجِبَالُ
فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحدة فَيُوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الوَاقِعَةً وَانْشَقَّتِ
السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالمَلَكُ عَلَى أرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ
عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذ ثَمَانِيةٌ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُون لاَ تَخْفى
مِنْكُمْ خَافِيةٌ " .
وقال تعالى:
" يَوْمَ يُنْفَخُ في
الصُّورِ فَتَأتُونَ أفْوَاجاً وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً
وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً
" .
وقال تعالى: "
يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً
" .
وقد قال الإِمام
أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا سليمان التميمي، عن أسلم العجلي، عن بشر بن سفيان، عن
عبد الله بن عمرو قال: قال أعرابي يا رسول الله ما الصور؟ قال: " قرن ينفخ
فيه "
توقع قيام الساعة
بين لحظة وأخرىثم رواه عن يحيى بن سعيد القطان، عن سليمان بن طرخان التميمي، به.
وأخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، من طرق عن سليمان التميمي، عن أسلم العجلي،
به.
وقال الترمذي حسن ولا نعرفه إِلا من حديث أسلم العجلي.
وقال الإِمام أحمد:
حدثنا أسباط، حدثنا مطرف، عن عطية، عن ابن عباس. في قوله:
" فإِذا نقر في
الناقور " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف أنعم وصاحب
القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمرفينفخ؟
" .
فقال أصحاب محمد:
يا رسول الله: كيف نقول؟ قال: قولوا: " حسبنا الله وِنعم الوكيل على الله
توكلنا " . انفرد به أحمد.
وقد رواه أبو كدينة
عن يحيى بن المهلب، عن مطرف به، وقال الإِمام أحمد: حدثنا سفيان، عن مطرف، عن
عطية، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" كيف أنعم وقد التقم
صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر، متى يؤمر؟ قال المسلمون: يا رسول
الله: فما نقول؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا
" .
وأخرجه الترمذي، عن
أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، وقال: حسن.
ثم رواه من حديث
خالد بن طهمان، عن عطية، عن أبي سعيد به، وحسنه أيضاً، وقال شيخنا أبو حجاج المزي
في الأطراف، ورواه إسماعيل بن إبراهيم، أبو يحيى التميمي، عن الأعمش، عن أبي صالح،
عن أبي سعيد، كذا قال رحمه الله.
وهكذا رواه أبو بكر
بن أبي الدنيا في كتاب الأهوال فقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، أخبرنا جرير، عن
الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم:
" كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم الصور، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر أن ينفخ
فينفخ. " قلنا: يا رسول اللهّ: ما نقول؟ قال:
" قولوا: حسبنا الله
ونعم الوكيل " .
وقد قال أبو يعلى
الموصلي في مسند أبي هريرة: روى أبو صالح، عن أبي هريرة، وعن عمران، عن عطية، عن
أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف أنعم أو كيف أنتم -
شك أبو صالح - وصاحب الصور قد التقم القرن بفيه، وأصغى سمعه، وحنى جبهته، ينتظر متى
يؤمر، فينفخ " قالوا: يا رسول الله: كيف نقول؟ قال: " قولوا: حسبنا الله
ونعم الوكيل على الله توكلنا " .
وقال الإِمام أحمد:
حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن سعد الطائي، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد
الخدري، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الصور فقال: " عن يمينه جبريل،
وعن يساره ميكائيل، عليهم الصلاة والسلام
" .
وقال ابن ماجه:
حدثنا أبو بكر بن
أبي شيبة، حدثنا عباد بن العوام، عن حجاج، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " إن صاحبي الصور بأيدهما أو في أيديهما قرنان:
يلاحظان متى يؤمران " ؟.
وقال الإمام أحمد:
حدثنا يحيى بن سعيد، عن التيمي، عن أسلم، عن أبي مرية، عن النبي صلى الله عليه
وسلم، وعن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" النفاخان في السماء
الثانية، رأس أحدهما بالمغرب، ورجلاه بالمشرق، ينتظران متى يؤمران ينفخان في الصور
فينفخان " . تفرد به أحمد.
وأبو مرية هذا اسمه
عبد الله بن عمرو العجلي، وليس بالمشهور، ولعل هذين الملكين أحدهما هو إسرافيل وهو
الذي ينفخ في الصور، كما سيأتي بيانه في حديث الصور بطوله، والاخر هو الذي ينقر في
الناقور، وقد يكون الصور، والناقور اسم جنس يعم أفراداً كثيرين، والألف واللام
فيهما للعهد، ويكون لكل واحد منهما أتباع، يفعلون كفعله، والله أعلم بالصواب.
وقال ابن أبي
الدنيا: أخبرنا عبد الله بن جرير، حدثنا موسى بن إسماعيل: أخبرنا عبد الواحد بن
زياد، أخبرنا عبد الله بن عبد الله الأصم، أخبرنا يزيد بن الأصم، قال: قال ابن
عباس: إن صاحب الصور لم يطرف منذ وكّل به، كأن عينيه كوكبان دريان، ينظرتجاه العرش
مخافة أن يؤمرأن ينفخ فيه قبل أن يرتد إليه طرفه.
وحدثنا أبو عبد
الرحمن عبد الله بن عمر، حدثنا مروان بن معاوية، عن عبد الله بن عبد الله بن الأصم،
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أطرق صاحب الصور
منذ وكّل به، ينظرنحو العرش مخافة أن يؤمرقبل أن يرتد إليه طرفه، كأنه عينيه
كوكبان دريان " .
حديث الصور بطوله
تصوير لمشاهد القيامةأو لبعض مشاهدها
قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا عمرو بن
الضحاك بن مجالد، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مجالد، حدثنا أبو رافع إسماعيل بن
رافع، عن محمد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة
قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طائفة من أصحابه قال: " إِن
الله تعالى لما فرغ من خلق السموات والأرض، خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه
على فيه، شاخصاً إلى العرش ببصره، ينتظرمتى يؤمر؟ قال: قلت: يا رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما الصور؟ قال: قرن.
قال: كيف هو؟ قال:
عظيم. قال: والذي بعثني بالحق إن عظم دائرة فيه لعرض
السموات والأرض، ينفخ فيه ثلاث نفخات، الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق،
والثالثة نفخة القيام لرب العالمين، يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول: انفخ
نفخة الفزع، فيفزع أهل السموات والأرض، إلا من شاء الله، ويأمره تعالى فيمدها
ويطيلها ولا يفتر، وهي التي يقول الله فيها: " وَمَا يَنْظر هؤلاءِ إِلاَّ
صَيْحَةً واحدةً ما لها مِنْ فَوَاق
" .
فتسير الجبال سير
السحاب، فتكون سراباً، وترتج الأرض بأهلها رجاً، فتكون كالسفينة في البحر، تضربها
الأمواج، تكفأ بأهلها كالقنديل المعلق بالعرش، ترجه الأرواح، ألا وهو الذي يقول
الله تعالى فيه: " يَوْمَ تَرْجفُ الرَاجِفَةُ تَتبَعهَا الرَّادِفةُ قلوبٌ يومَئِذ
واجِفةٌ " .
فتميد الأرض
بأهلها، وتذهل المراضع، وتضع كل الحوامل، وتشيب الولدان، ويطير الناس هاربين من
الفزع، فتلقاهم الملائكة، فتضرب وجوههم فيرجعون، ثم يولون مدبرين، ما لهم من الله
من عاصم، ينادي بعضهم بعضاً، فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض بصدعين، من قطر إلى
قطر، فرأوا أمراً عظيماً، لم يروا مثله، وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم،
نظروا في السماء فإذا هي كالمهل، ثم انشقت السماء، فانتثرت نجومها، وخسفت شمسها،
وقمرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك
" .
قال أبو هريرة: من
استثناه الله حين يقول: " ففزع من في السموات ومن في الأرض إِلا من شاء الله
" قال: أولئك الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، وهم أحياء، عند ربهم
يرزقون، فوقاهم الله فزع ذلك اليوم، وآمنهم منه، وهو عذاب الله، يبعثه على شرار
خلقه هو الذي يقول الله فيه يَايًّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ ربّكم إنَّ زَلْزَلَةَ
السَّاعَةِ شيءٌ عظيم يَومَ تَرَونها تَذهَلُ كلُّ مُرضِعةٍ عمّا أرْضَعَتْ وَتضعً
كل ذات حَمْل حَمْلَها وتَرَى الناس سُكارَى وما هم بِسُكارى ولكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ
شَديدٌ.
فيمكثون في ذلك العذاب ما شاء الله، إلا أنه يطول، ثم
يأمر الله إسرافيل فينفخ نفخة الصعق؟ فيصعق أهل السموات والأرض؟ إلا من شاء الله؟
فإذا هم خمدوا، جاء ملك الموت إلى الجبارة فيقول: يا رب: مات أهل السموات والأرض
إلا من شئت، فيقول الله: وهو أعلم بمن بقي؟ فمن بقي؟ فيقول: يا رب: بقيت أنت الحي
الذي لا تموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل وميكاثيل، وبقيت أنا؟ فيقول الله: ليمت
جبريل وميكائيل، فينطق الله العرش فيقول: يا رب يموت جبريل وميكائيل؟ فيقول: اسكت،
فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي، فيموتان، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار
عز وجل فيقول: يا رب: قد مات جبريل وميكائيل؟ وبقيت أنا وحملة العرش فيقول الله:
فليمت حملة عرشي فيموتون، ويأمر الله العرش فيقبض الصور من إسرافيل ثم يأتي ملك
الموت إِلى الجبار فيقول: يا رب قد مات حملة عرشك فيقول: وهو أعلم بمن بقي، فمن بقي؟
فيقول يا رب: بقيت أنت الحي الذي لا تموت وبقيت أنا، فيقول الله: أنت خلق من خلقي،
خلقتك لما رأيت فمت، فيموت، فإذا لم يبق إلا الله الواحد القهار الأحد الفرد
الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد كان آخراً كما كان أولاً، طوى
السموات والأرض كطي السجل للكتاب ثم دحاها ثم لفها ثلاث مرات، وقال: أنا الجبار
ثلاثاً. ثم هتف بصوته: لمن الملك اليوم؟ ثلاث مرات فلا يجيبه أحد، فيقول
لنفسه: لله الواحد القهار، ويبدل الأرض غير الأرض والسموات، فيبسطها، ويسطحها،
ويمدها مد الأديم العكاظي، لا ترى فيها عوجاَ ولا أمتاً، ثم يزجر الله الخلق زجرة،
فإذا هم في مثل ما كانوا فيه في الأولى، من كان في بطنها كان في بطنها، ومن كان
على ظهرها كان على ظهرها، ثم ينزل الله عليكم من ماء من تحت العرش ثم يأمر الله
السماء أن تمطر فتمطر أربعين يوماً، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعاً، ثم
يأمر الله الأجساد أن تنبت، فتنبت كنبات البقل، حتى إذا تكاملت أجسادهم، فكانت كما
كانت، قال اللّه: " ليحيي جبريل وميكائيل، فيحييان، ثم يدعو الله بالأرواح،
فيؤتى بها تتوهج أرواح المسلمين نوراً، والأخرى ظلمة، فيقبضها جميعاً، ثم يلقيها
في الصور، ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث، فينفخ نفخة البعث، فتخرج
الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض فيقول الله: " وعزتي
وجلالي، ليرجعن كل روح إلى جسده، فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد، فتدخل في
الخياشيم، ثم تمشي في الأجساد مشي السم في اللديغ ثم تنشق الأرض عنكم، وأنا أول من
تنشق عنه الأرض، فتخرجون منها سراعاً إلى ربكم تنسلون. " مُهْطِعينَ إِلى
الدَّاع يَقُولُ الْكَافِرونَ هذَا يوم عسيرٌ
" .
حفاة، عراة، غلفاً
غرلاً، ثم تقفون موقفاً واحداً، مقدار سبعين عاماً لا ينظر إليكم، ولا يقضى بينكم،
فتبكون حتى تنقطع الدموع، ثم تدمعون دماء وتعرقون حتى يبلغ ذلك منكم أن يلجمكم، أو
يبلغ الأذقان، فتضجون، وتقولون: من يشفع لنا إلى ربنا ليقضي بيننا؟ فيقولون: من أحق
بذلك من أبيكم آدم خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلاً، فيأتون آدم،
فيطلبون إليه ذلك، فيأبى، فيقول: حفاة عراة غلفاً غرلاً ثم تقفون موقفاً واحداً،
مقدار سبعين عاماً. ما أنا صاحب ذلك، ثم يسعون للأنبياء نبياً نبياً، كلما جاءوا
نبياً أبى عليهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حتى
تأتوني، فأنطلق، حتى آتي الفحص، فأخر ساجداً.
قال أبو هريرة: يا
رسول الله: ما الفحص قال: موضع قدام العرش حتى يبعث اللّه إلي ملكاً، فيأخذ بعضدي،
فيرفعني، فيقول لي: يا محمد: فأقول: نعم لبيك يا رب، فيقول ما شأنك؟ - وهو أعلم -
فأقول: يا رب وعدتني الشفاعة، فشفعني في خلقك، فاقض بينهم، فيقول شفعتك، أنا
آتيكمِ، فأقضي بينكم " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فأرجع
فأقف مع الناس، فبينما نحن وقوف، إذا سمعنا حساً من السماء شديداً، فينزل أهل
السماء الدنيا مثل من في الأرض من الجن والإِنس، حتى إذا دنوا من الأرض، أشرقت
الأرض بنورهم، وأخذوا مصافهم، وقلنا لهم: أفيكم ربنا؟ قالوا: لا وهو آت، ثم ينزلون
على قدر ذلك من التضعيف حتى ينزل الجبار تبارك وتعالى في ظلل من الغمام والملائكة،
ويحمل عرشه يومئذ ثمانية، وهم اليوم أربعة، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى، والأرض
والسموات إلى حجرهم والعرش على مناكبهم، لهم زجل من تسبيحهم، يقولون: سبحان ذي
العزة والجبروت، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي
يميت الخلائق ولا يموت، فيضع اللّه كرسيه حيث شاء من أرضه، ثم يهتف بصوته، فيقول:
يا معشر الجن والإِنس، إني قد أنصت لكم من يوم خلقتكم إلى يومكم هذا، أسمع قولكم،
وأرى أعمالكم، فأنصتوا إلي، فإنما هي أعمالكم، وصحفكم، تقرأ عليكم، فمن وجد خيراً
فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إِلا نفسه، ثم يأمر الله جهنم فيخرج
منها عنق ساطع مظلم " .
ثم يقول: "
وامتازوا اليوم أيها المجرمون " .
" ألَمْ أعْهَدْ إِلَيْكمْ
يَا بَنِي آدَمَ أن لاَ تَعْبدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
وأن اعبُدوني هذَا صراطٌ مُسْتَقِيم وَلَقَدْ أضلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً
أفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هذه جَهَنَّمُ الَّتي كُنْتُمْ تُوعَدونَ
اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرونَ "
.
فيميز الله الناس،
وينادي الأمم داعياً لكل أمة إلى كتابها، والأمم جاثية من الهول قال الله تعالى:
" وَتَرَى كُل أمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمة تدْعَى إِلَى كِتابِهَا الْيَوْم
تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
" .
فيقضي الله بين
خلقه إلا الثقلين، الإِنس والجن، فيقضي بين الوحوش والبهائم، حتى أنه ليقيد الجماء
من ذات القرن، فإذا فرغ الله من ذلك، فلم تبق تبعة عند واحدة لأخرى، قال الله لها:
كوني تراباً، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً، ثم يقضي الله بين
العباد، فيكون أول ما يقضى فيه الدماء، فيأتي كل قتيل في سبيل الله، ويأمر الله من
قتل فيحمل رأسه تشخب أوداجه، فيقول:
يا رب فيم قتلني
هذا؟ فيقول الله تعالى وهو أعلم: فيم قتلته؟ فيقول: قتلته يا رب لتكون العزة لك،
فيقول الله: صدقت، فيجعل الله وجهه مثل نور السموات، ثم تسبقه الملائكة إلى الجنة،
ثم يأتي كل من كان يقتل على غير ذلك ويأمر من قتل فيحمل رأسه تشخب أوداجه، فيقول
يا رب فيم قتلني هذا؟ فيقول الله وهو أعلم: فيم قتلته فيقول: يا رب قتلته لتكون
العزة لي، فيقول الله: تعست، ثم ما تبقى نفس قتلها قاتل إِلا قتل بها، ولا مظلمة
إلا أخذ بها، وكان في مشيئة الله إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه، ثم يقضي الله بين من
بقي من خلقه، حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها الله للمظلوم من الظالم،
حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء أن يخلص اللبن من الماء، فإذا فرغ الله من ذلك، نادى
مناد يسمع الخلائق كلهم، فقال: ليلحق كل قوم بآلهتهم وماكانوا يعبدون من دون الله،
فلا يبقى أحد عبد من دون الله شيئاً إِلا مثلت له الهيئة بين يديه، فيجعل يومئذ
ملك من الملائكة على صورة عزير، ويجعل ملك من الملائكة على صورة عيسى، فيتبع هذا
اليهود، ويتبع هذا النصارى ثم قادتهم آلهتهم إلى النار فهذا الذي يقول الله تعالى:
" لَوْ كَانَ هؤلاَءَ آلِهَةً مَا وَردوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُون
" .
فإذا لم يبق إِلا
المؤمنون، فيهم المنافقون، جاءهم الله فيما شاء من هيئة، فقال: يا أيها الناس
ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم، وما كنتم تعبدون،
فيقولون: والله ما لنا إلا الله، ما كنا نعبد غيره، فينصرف عنهم - وهو الله -
فيمكث ما شاء الله أن يمكث، ثم يأتيهم فيقول: يا أيها الناس، ذهب الناس، فالحقوا
بآلهتكم، وما كنتم تعبدون، فيقولون: والله ما لنا إلا الله، وما كنا نعبد غيره،
فيكشف عن ساقه، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون به أنه ربهم، فيخرون سجداً على
وجوههم ويخر كل منافق على قفاه، ويجعل الله أصلابهم كصياصي البقر، ثم يأذن الله لهم
فيرفعون رؤوسهم، ويضرب الله بالسراط بين ظهراني جهنم، كقد الشعر، أو كعقد الشعر،
وكحد السيف، عليه كلاليب وخطاطيف، وحسك كحسك السعدان، ودونه جسر دحض مزلة فيمرون
كطرف البصر، أو كلمح البرق، أو كمر الريح، أو كجياد الخيل، أو كجياد الركاب، أو
كجياد الرجال، فناج سالم، وناج مخدوش، ومكدوح على وجهه في جهنم، فإذا أفضى أهل
الجنة إلى الجنة، قالوا: من يشفع لنا إلى ربنا فيدخلنا الجنة فيقولون: من أحق بذلك
من أبيكمٍ آدم؟ إنه خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلاً، فيأتون آدم،
فيطلبون ذلك إليه، فيذكر ذنباً، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بنوح، فإنه
أول رسله إلى خلقه، فيؤتى نوحٍ، فيطلبون ذلك إليه فيذكر شيئاً ويقول: ما أنا
بصاحبكم، عليكم بموسى، فيطلبون ذلك إليه فيذكر ذنباً، ويقول لست بصاحب ذلك، ولكن عليكم
بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم، فيطلبون ذلك إليه، فيقول ما أنا بصاحب ذلك، ولكن
عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
فيأتوني، ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدتهن، فانطلق فآتي الجنة، فآخذ بحلقة الباب،
ثم أستفتح فيفتح لي، فأحيي ويرحب بي، فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي عز وجل خررت
له ساجداً، فيأذن الله لي من حمده ومجده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه، ثم يقول لي
الله: أرفع رأسك يا محمد واشفع تشفع، وسل تعط، فإذا رفعت رأسي قال الله وهو أعلم:
ما شأنك؟ فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة، يدخلون الجنة، فيقول
الله عز وجل: قد شفعتك، وأذنت لهم في دخول الجنة، فكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم
من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم
" .
فيدخل كل رجل منهم
على اثنتين وسبعين زوجة كما ينشئهن الله، واثنتين آدميتين، لهما فضل على من شاء
الله بعبادتهما اللّه في الدنيا، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة، على
سريرمن ذهب مكلل باللؤلؤ، له سبعون درجة من سندس واستبرق، ويضع يده بين كتفيها، ثم
ينظر من صدرها ما وراء ثيابها من جلدها ولحمها، وإنه لينظر إلى لحم ساقها، كما
ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوتة، كبده لها مراة وكبدها له مرآة، فبينما هو
عندها، لا يملها ولا تمله إذ نودي: إنا قد عرفنا أنك لا تمل، ولا تمل، إِلا أن لك
أزواجاً غيرها، فيخرج، فيأتيهن واحدة واحدة، كلما جاء واحدة قالت والله ما في
الجنة أحسن منك، وما في الجنة شيء أحب إلي منك، قال: وإذا وقع أهل النار في النار،
وقع فيها خلق من خلق ربك، أوبقتهم أعمالهم، فمنهم من تأخذه إلى قدميه لا يجاوز ذلك
منهم، ومنهم من تأخذه إلى حقويه، ومنهم من تأخذ جسده كله، إلا وجهه قد حرم الله
صوره عليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأقول: " يا رب شفعني فيمن
وقع في النار من أمتي، فيقول الله عز وجل: أخرجوا من عرفتم، فيخرج أولئك، حتى لا
يبقى منهم أحد، ثم يأذن اللّه لي في الشفاعة، فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع،
فيقول الله: أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة الدينار إيماناً، فيخرج أولئك، حتى لا
يبقى منهم أحد، ثم يشفع الله فيقول أخرجوا من وجدتم في قلبه إيماناً ثلثي دينار،
ثم يقول: وثلث دينار، ثم يقول: قيراطاً، ثم يقول: حبة من خردل،
فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد، وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيراً قط،
وحتى لا يبقى أحد له شفاعة إِلا شفع، حتى إن إبليس ليتطاول لما يرى من رحمة الله
رجاء أن يشفع له، ثم يقول الله: بقيت أنا، وأنا أرحم الراحمين، فيدخل يده في جهنم،
فيخرج منها ما لا يحصيه غيره، كأنهم حب فيبثهم اللهّ على نهر يقال له نهر الحيوان،
فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، مما يلي الشمس أخضر
ومما يلي الظل منها أصفر، فينبتون حتى يكونوا أمثال
الدر، مكتوباً في رقابهم الجهنميون عتقاء الرحمن عز وجل يعرفهم أهل الجنة بذلك
الكتاب، ما عملوا الله خيراً قط، فيبقون في الجنة.
إلى هنا كان في أصل
أبي بكر العربي، عن أبي يعلى رحمه الله، وهو حديث مشهور، رواه جماعات من الأئمة في
كتبهم، كابن جرير في تفسيره، والطبراني في المطولات، والحافظ البيهقي في كتابه:
البعث والنشور،
والحافظ أبي موسى المديني في المطولات أيضاً من طرق متعددة عن إسماعيل ابن رافع
قاص أهل المدينة، وقد تكلم فيه بسببه وفي بعض سياقه نكارة واختلاف، وقد بينت طرقه
في جزء منفرد.
قلت: وإسماعيل بن
رافع المديني ليس في الوضاعين، وكأنه جمع هذا الحديث من طرق وأماكن متفرقة، فجمعه
وساقه سياقة واحدة، فكان يقص به على أهل المدينة، وقد حضره جماعة من أعيان الناس في
عصره ورواه عنه جماعة من الكبار كأبي عاصم النبيل والوليد بن مسلم، ومَكي بن
إبراهيم، ومحمد بن شعيب بن سابور، وعبده بن سليمان، وغيرهم، واختلف عليه، فتارة
يقول: عن محمد بن زياد، عن محمد بن كعب، عن رجل، عن أبي هريرة، وتارة يسقط الرجل،
وقد رواه إسحاق بن راهويه، عن عبده بن سليمان، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن
زيد، عن أبي زياد، عن رجل من الأنصار، عن محمد بن كعب، عن رجل من الأنصار، عن أبي
هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بطوله: ومنهم من أسقط الرجل الأول، قال شيخنا
الحافظ المزي، وهذا أقرب، قال: وقد رواه عن إسماعيل بن رافع عن الوليد بن مسلم،
وله عليه مصنف، بين شواهده من الأحاديث الصحيحة، وقال الحافظ ابن موسى المديني بعد
إيراده له بتمامه: وهذا الحديث وإن كان في إسناده من تكلم فيه فعامة ما فيه يروى
مفرقاً من أسانيد ثابتة ثم تكلم على غريبه.
قلت: ونحن نتكلم
عليه فصلاً فصلاً وبالله المستعان.
فصلنفخات الصور لا
يبقي من الإِنسان بعد موته إِلا عجب ذنبه
النفخات في الصور
ثلاث نفخات، نفخة الفزع، ثم نفخة الصعق، ثم نفخة البعث، كما تقدم بيان ذلك في حديث
الصور بطوله.
وقد قال مسلم في
صحيحه: حدثنا أبو كريب، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما بين النفختين أربعون يوماً، قال:
أبيت. قال: أربعون شهراً. قال: أبيت. قال:
أربعون سنة. قال:
ثم ينزل من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، قال:
وليس من الإِنسان
شيء إِلا يبلى، إِلا عظماً واحداً، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة
" .
ورواه البخاري من
حديث الأعمش، وحديث عجب الذنب وأنه لا يبلى وأن الخلق بدؤوا منه ومنه يركبون يوم
القيامة، ثابت من رواية أحمد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة.
ورواه مسلم، عن
محمد بن رافع، عن عبد الرزاق.
ورواه أحمد، عن
يحيى القطان، عن محمد بن عجلان، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كل ابن آدم يبلى ويأكله التراب إلا عجب
الذنب، منه خلق ومنه يركب " . انفرد به أحمد وهو على شرط مسلم.
ورواه أحمد أيضاً
من حديث إبراهيم الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة مرفوعاً بنحوه.
وقال أحمد: حدثنا
حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " يأكل التراب كل شيء من الإِنسان إلا عجب
ذنبه، قيل وما هو يا رسول الله؟ قال: مثل حبة خردل، منه ينبتون
" .
والمقصود هنا ذكر
النفختين، وأن بينهما إما أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنة، وهاتان النفختان هما
والله أعلم، نفخة، الصعق، ونفخة القيام للبعث والنشور، بدليل إنزال الماء بينهما،
وذكر عجب الذنب الذي منه يخلق الإِنسان ومنه يركب عند بعثه يوم القيامة، ويحتمل أن
يكون المراد منهما ما بين نفخة الصعق، ونفخة الفزع وهو الذي يريد ذكره في هذا
المقام، وعلى كل تقدير، فلا بد من مدة بين نفختي الفزع والصعق، وقد ذكر في حديث الصور
أنه يكون فيها أمور عظام.
من أهوال يوم
القيامةمن ذلك زلزلة الأرض، وارتجاجها وميدانها، بأهلها يميناً وشمالاً، قال الله
تعالى: " إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالها وأخْرَجَتِ
الأرْضُ أثْقَالَها وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَها
" .
وقال تعالى: " يا أيُهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمْ إِنْ زَلزَلةَ السًاعَةِ شَيءٌ عَظِيم يَوْمَ تَرْونَهَا تَذْهَلُ كُلُّ
مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْل حَمْلَهَا وَتَرَى
النَّاس سُكَارَىَ وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
" .
وقال تعالى: "
إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَة لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَة خافِضَةٌ رَافِعَةٌ
إِذَا رُجَّت الأرض رَجّاً وبَسّتِ الْجِبَالُ بَساً فَكَانَتْ هَبَاءَ مُنْبَثّاً
وَكُنْتُمْ أزْواجاً ثَلاَثَةً
" .
ولما كانت هذه
النفخة، أعني نفخة الفزع أولى مبادىء القيامة، كان اسم يوم القيامة صادقاً على ذلك
كله.
كما ثبت في صحيح
البخاري، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" ولتقومن الساعة وقد
نشر الرجلان ثوباً بينهما فلا يتبايعانه، ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف
الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه، ولتقومن
الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها
" .
وهذا إنما يتجه على
ما قبل نفخة الفزع بأنها الساعة لما كانت أول مبادئها، وتقدم في الحديث في صفة أهل
آخر الزمان أنهم شرار الناس، وعليهم تقوم الساعة.
وقد ذكر في حديث
ابن رافع في حديث الصور المتقدم، أن السماء تنشق فيما بين نفختي الفزع والصعق، وأن
نجومهما تتناثر، وتخسف شمسها وقمرها، والظاهر - والله أعلم - أن هذا إنما يكون بعد
نفخة الصعق.
قال تعالى: "
يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأرْض والسَّموَاتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ
الوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَتَرَى الْمجْرِمِينَ يَوْمَئِذ مُقَرَّنِينَ في الأصْفَادِ
سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ
" .
وقال تعالى: "
إِذا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِربِّهَا وَحُقَّتْ
" .
وقال تعالى: "
فإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
يَقُولُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أيْنَ الْمَفَرّ كلا لاَ وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ
يَوْمَئِذٍ المُسْتَقَرّ يُنَبّؤاْ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذ بِمَا قَدّمَ وَأخَّر
بَل الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ ألْقَى مَعَاذِيرَهُ
" .
وسيأتي تقرير أن
هذا كله كائن، بعد نفخة الصعق، وأما زلزال الأرض، وانشقاقها بسبب تلك الزلزلة،
وفرار الناس إلى أقطارها، وأرجائها، فمناسب أن يكون بعد نفخة الفزع وقبل الصعق،
قال الله تعالى إخباراً عن مؤمن آل فرعون أنه قال: " وَيَا قوْم إِنِّي
أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التنَادِ يَوْمَ تُوَلًّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ
مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِم " .
وقال تعالى: "
يَا مَعْشَرَ الجِنِّ والإِنْس إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذوا مِنْ أَقْطَارِ
السَّموَاتِ وَالأَرْض فَانْفُذُوا لاَ تَنفذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ فَبِأَيَ
آلاءِ رَبكمَا تُكَذِّبَانِ يُرسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نار ونُحاسٌ فَلاَ تَنْتَصِرَان
فبَأيِّ آلاء ربِّكمَا تُكَذِّبَانِ
" .
وقد تقدم الحديث، في
مسند أحمد، وصحيح مسلم، والسنن الأربعة، عن أبي شريحة حذيفة بن أسيد، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: " إن الساعة لن تقوم حتى تروا عشر آيات "
فذكرها إلى أن قال:
" وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن، تسوق الناس إلى المحشر " . وهذه النار
تسوق الموجودين في آخر الزمان من سائر أقصار الأرض إلى أرض الشام منها وهي بقعة
المحشر والنشر.
ذكر أمر هذه النار
وحشرها الناس إلى أرض الشامثبت في الصحيحين، من حديث وهيب، عن عبد الله بن طاوس، عن
أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يحشر الناس على
ثلاث طرائق، راغبين، وراهبين، واثنان على بعير وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير،
وتحشر بقيتهم النار، فتقتل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث أمسوا " . وروى
أحمد، عن عفان، عن ثابت بن أنس، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن أول أشراط الساعة فقال: " نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب
" . الحديث بطوله وهو في الصحيح.
يحشر الناس يوم
القيامة أصنافاً ثلاثة
وروى الإِمام أحمد، عن حسن وعفان، عن حماد بن سلمة،
عن علي بن زيد، عن أوس بن خالد، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف، صنف مشاة، وصنف ركبان، وصنف على
وجوههم، قالوا يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: " إن الذي أمشاهم
على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك
" .
وقد رواه أبو داود
الطيالسي في مسنده، عن حماد بن سلمة بنحو من هذا السياق.
وقال الإِمام أحمد:
عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الله بن عمر، قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنها ستكون هجرة بعد هجرة، ينحاز الناس
إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، تحشرهم النار
مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلَّف
" .
ورواه الطبراني من
حديث المهلب بن أبي صفرة، عن عبد الله بن عمرو بنحوه.
وقال الحافظ أبو
بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد اللهّ
الخرقي ببغداد، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير القرشي، حدثنا الحسن بن علي
بن عفان: حدثنا زيد بن الحباب: أخبرني الوليد بن جميع القرشي، قال: وأخبرنا أبو
عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، حدثنا سعيد بن مسعود،
حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا أبو الوليد، عن عبد الله بن جميع، عن أبي الطفيل عامر
بن وائلة، عن أبي شريحة حذيفة بن أسيد الغفاري، سمعت أبا ذر الغفاري وقد تلا هذه
الآية: " وَنَحْشُرهمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجوهِهِمْ
عُمْيَاَ وَبُكْماً وصُمّاً " .
يقول: حدثني الصادق
المصدوق صلى الله عليه وسلم: " إن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج،
فوج طاعمين كاسين راكبين، وفوج يمشون ويسعون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم،
قلنا: قد عرفنا هذين، فما بال الذين يمشون ويسعون؟ قال: يلقي الله الآفة على
الظهر، حتى تبقى ذات ظهر، حتى إن الرجل ليعطي الحديقة المعجبة بالممارن ذات القتب
" لفظ الحاكم.
وهكذا رواه الإِمام
أحمد، عن يزيد بن هارون، ولم يذكر تلاوة أبي ذر الآية وزاد في آخره فلا يقدر عليها.
وفي مسند الإِمام
أحمد، من حديث بهز، وغيره، عن أبيه حكيم بن معاوية، عن جده معاوية بن حميدة
القشيري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" يحشرون هاهنا -
وأومأ بيده إلى نحو الشام - مشاة وركباناً، ويمرون على وجوههم ويعرضون على الله، وعلى
أفواههم الفدام " .
وقد رواه الترمذي،
عن أحمد بن منيع، عن يزيد بن هارون، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، بنحوه.
وقال: حسن صحيح.
فهذه السياقات تدل
على أن هذا الحشر هو حشر الموجودين في آخر الدنيِا، من أقطار محلة الحشر، وهي أرض
الشام، وأنهم يكونون على أصناف ثلاثة، فقسم يحشرون طاعمين كاسين راكبين، وقسم
يمشون تارة ويركبون أخرى، وهم يعتقبون على البعير الواحد، كما تقدم في الصحيحين
اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير، يعني يعتقبونه من قلة الظهر،
كما تقدم، كما جاء مفسراً في الحديث الآخر، وتحشر بقيتهم النار، وهي التي تخرج من
قعر عدن، فتحيط بالناس من ورائهم تسوقهم من كل جانب، إلى أرض المحشر، ومن تخلف
منهم أكلته النار، وهذا كله مما يدل على أن هذا في آخر الدنيا، حيث الأكل والشرب،
والركوب على الظهر المستوي وغيره، وحيث يهلك المتخلفون منهم بالنار، ولو كان هذا بعد
نفخة البعث، لم يبق موت ولا ظهر يسري، ولا أكل ولا شرب، ولا لبس في العرصات،
والعجب كل العجب أن الحافظ أبا بكر البيهقي بعد روايته لأكثر هذه الأحاديث، حمل
هذا الركوب على أنه يوم القيامة، وصححِ ذلك، وضعف ما قلناه، واستدل على ما قاله
بقوله تعالى: " يَوْمَ نَحْشًرُ الْمُتّقِينَ إِلَى الرحمن وَفْداً وَنسُوقُ
المُجْرمينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً
" .
يحشر الناس يوم
القيامة حفاة عراة غرلاً
وكيف يصح ما ادعاه في تفسير الآية بالحديت وفيه:
" إن منهم اثنين على بعير، وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير " وقد جاء
التصريح بأن ذلك من قلة الظهر. هذا لا يلتثم مع هذا، والله أعلم، تلك نجائب من الجنة
يركبها المؤمنون من العرصات إلى الجنات، على غير هذه الصفة كما سيأتي تقرير ذلك في
موضعه.
فأما الحديث الآخر،
الوارد من طرق أخر، عن جماعة من الصحابة، منهم ابن عباس، وابن مسعود، وعائشة، وغيرهم.
" إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلاً
" : " كَمَا
بَدَأنَا أوَّلَ خَلْق نُعِيده
" .
فذلك حشر غير هذا،
هذا يوم القيامة، بعد نفخة البعث، يقوم الناس من قبورهم حفاة عراة غرلاً، أيّ غير مختنين،
وكذلك يحشر الكافرون إلى جهنم ورداً أي عطاشاً وقوله:
" وَنَحْشُرهُمْ
يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأوَاهُمْ
جَهًنّمُ كُلُمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً
" .
فذلك حين يؤمر بهم
إلى النار، من مقام الحشر، كما سيأتي بيان ذلك كله في موضعه إن شاء الله تعالى،
وبه الثقة وعليه التكلان.
وقد ذكر في حديث
الصور أن الأموات لا يشعرون بشيء مما يقع، مما ذكر، بسبب نفخة الفزع، وإن الذين
استثنى الله فيها، إنما هم الشهداء، لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فهم يشعرون بها،
ولا يفزعون منها، وكذلك لا يصعقون بسبب نفخة الصعق.
وقد اختلف المفسرون
في المستثنين منها على أقوال، أحدها: كما جاء مصرحاً به، أنهم الشهداء، وقيل: بل
هم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، قيل: وحملة العرش أيضاً، قيل: وغير
ذلك، فالله أعلم.
وقد ذكر في هذا
الحديت، أعني حديث الصور، أنه يطول على أهل الدنيا مدة ما بين نفخة الفزع ونفخة
الصعق، وهم يشاهدون تلك الأهوال، والأمور العظام، فيموت بسبب ذلك جميع الموجودين،
من أهل السموات، ومن في الأرض، من الإنس والجن، والملائكة، إِلا من شاء الله،
فقيل: هم حملة العرش، وجبريل، وميكائيل، وإسرا فيل، وقيل: هم الشهداء، وقيل: غير
ذلك قال الله تعالى: " وَنُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ في السَّموَاتِ
وَمَنْ في الأرْض إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثمَّ نُفِخَ فِيهِ أخْرَى فَإذَا هُمْ
قِيَامٌ يَنْظُرُون " .
وقال تعالى: "
فإِذَا نُفِخَ في الصُّورِ نَفْخَة وَاحدَة وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا
دَكَةً وَاحدَةً فَيَومَئِذٍ وَقَعَتِ الوَاقِعَة وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ
يَوْمَئِذ واهِيةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ ربئك
فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذ ثَمَانِيَةٌ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ
خَافِيَةٌ " .
تقدم في حديث
الصور: " إن الله تعالى يقول لإِسرافيل: انفخ نفخة الصعق، فينفخ فيصعق من في
السموات والأرض، إِلا من شاء الله، فيقول الله لملك الموت: وهو أعلم بمن بقي فمن
بقي؟ فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل وميكائيل،
فيأمره الله أن يقبض روح جبريل وميكائيل، ثم يأمر الله سبحانه وتعالى بقبض حملة
العرش، ثم يأمره أن يموت، وهو آخر من يموت من الخلائق
" .
وروى أبو بكر بن
أبي الدنيا، من طريق إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب، من قوله فيما بلغه، وعنه،
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى يقول لملك الموت:
أنت خلق من خلقي، خلقتك لما رأيت، فمت ثم لا تحيا
" .
وقال محمد بن كعب
فيما بلغه فيقول له: مت موتاً لا تحيا بعده أبداً فيصرخ عند ذلك صرخة لو سمعها أهل
السموات والأرض لماتوا فزعاً.
قال الحافظ أبو
موسى المديني: لم يتابع إسماعيل بن رافع على هذه اللفظة، ولم يقلها أكثر الرواة،
قلت: وقد قال بعضهم في معنى هذا: مت موتاً لا تحيا بعده أبداً، يعني ثم لا يكون
بعد هذا ملك موت أبداً، لأنه لا موت بعد هذا اليوم، كما ثبت في الصحيح: "
يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا
أهل النار خلود ولا موت " . ويا أهل الجنة خلود ولا موت
" .
وسيأتي الحديث،....
فملك الموت فان حتى لا يكون بعد ذلك ملك موت أبداً، والله أعلم. وبتقدير صحة هذا
اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم فظاهر ذلك أنه لا يحيى بعد ذلك أبداً، وهذا
التأويل بعيد بتقدير صحة الحديث، والله أعلم بالصواب.
فصل
في حديث الصور
قال في حديث الصور: فإذا لم يبق إلا اللّه الواحد
القهار، الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، كان
اخراً كما كان أولاً، طوى السموات والأرض، كطي السجل للكتاب، ثم دحاهما، ثم لفهما
ثلاث مرات، وقال: " أنا الجبار " ثلاثاً ثم ينادي: لمن الملك اليوم.
ثلاث مرات، فلا يجيبه أحد، ثم يقول مجيباً لنفسه: للّه الواحد القهار وقد قال الله
تعالى: " وَمَا قَدَرُوا اللّه حًقّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ
جَمِيعاً قَبْضَتُة يَوْمَ الْقِيَامَةِ والسَّموَاتِ مَطْوِيَّاتٌ بيَمِييهِ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
" .
وقال تعالى: "
يَوْمَ نَطوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَلَ
خَلْقٍ نُعِيد وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلين
" .
وقال تعالى: "
هُوَ الأَولُ والآخِرُ والظَّاهر والْباطنُ وَهُوَ بكلِّ شَيْءٍ عَليمٌ
" .
وقال تعالى: "
رَفِيع الدَّرَجَاتِ ذو الْعَرْش يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ
يَشَاءُ مِن عِبَاده لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاَق يَوْمَ هُمْ بَارِزونَ لاَ
يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنهمْ شَيْءٌ لِمَن الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الوَاحِدِ
القَهَّارِ تُجْزَى كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ
اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ " .
وثبت في الصحيحين
من حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:
" يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أنا الجبار،
أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟.
وفيهما أيضاً من
حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إن الله يقبض السموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك " . وفي مسند الإمام
أحمد، وصحيح مسلم، من حديث عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: " وَمَا قدَرُوا اللَّهَ حَقَّ
قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ والسَّموَاتُ
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمينهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
" .
ورسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول كذا بيده، يحركها، يقبل بها ويدير، يمجد الرب نفسه، أنا
الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم، فرجف برسول الله صلى
الله عليه وسلم المنبر حيث قلنا ليخرنّ به وهذا لفظ أحمد.
وقد ذكرنا الأحاديث
المتعلقة بهذا المقام عند هذه الآية من كتابنا التفسير بأسانيدها وألفاظها بما فيه
كفاية ولله الحمد.
فصلقال في حديث
الصور: ويبدل الله الأرض غير الأرض فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الأديم العكاظي: قال
تعالى: " لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلاَ أمتاً
" .
ثم يزجر الله
الخلائق زجرة فإذا هم في هذه المبدلة وقد قال الله تعالى:
" يَوْمَ تُبَدَلُ
الأرضُ غَيْرَ الأرْض وَالسَموَاتُ وَ بَرزُوا لِلّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار
" .
وفي صحيح مسلم، عن
عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض
والسموات. فقال: " في الظلمة دون الجسر
" .
وقد يكون المراد
بذلك تبديل اخر غير هذا المذكور في هذا الحديث، وهو أن تبدل معالم الأرض فيما بين
النفختين، نفخة الصعق، ونفخة البعث، فتسير الجبال، وتميد الأرض، ويبقى الجميع
صعيداً واحداً، لا اعوجاج فيها ولا روابي ولا أودية قال الله تعالى: "
وَيَسْألُونَكَ عَن الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبي نَسْفاً " فَيذَرُهَا
قَاعاً صَفْصَفاً لاَ تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلاَ أمتاً " . أي لا انخفاض
فيها ولا ارتفاع.
وقال تعالى: "
وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً
" .
وقال تعالى: "
وَتَكُونُ الجِبَالُ كَالْعِهْن الْمَنْفُوش
" .
وقال تعالى: "
وَحُمِلَتِ الأْرْضُ وَالْجِبَالُ فدكَّتا دَكَّةً واحدَةً
" .
وقال تعالى: "
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَ ى الأرْضَ بَارزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ
نُغَادرْ مِنْهُمْ أحَداً وَعُرِضُوا عَلَى ربك صفّاً لَقَدْ جِئتُمُونَا كَمَا
خَلَقْناكمْ أوَّل مًرّة بَلْ زَعَمْتُمْ ألَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
" .
فصل
قال في حديث الصور: ثم ينزل الله من تحت العرش ماء،
فتمطرالسماء أربعين يوماً، حتى يكون الماء فوقكم اثني عشر ذراعاً، ثم يأمر الله
الأجساد أن تنبت، كنبات الطراثيت وهو صغار القثاء أو كنبات البقل.
وتقدم في الحديث
الذي رواه الإمام أحمد، ومسلم، من حديث يعقوب بن عاصم، عن عبد الله بن عمرو، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إِلا
أصغى ليتاً، ورفع ليتاً، وأول من يسمعه رجل يلوط حوضه، فيصعق، ولا يسمعه أحد إلا
صعق، ثم يرسل الله مطراً كأنه الطل، أو الظل، فينبت منه أجساد الخلائق، ثم ينفخ
فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال: أيها الناس هلموا إلى ربكم
" .
وقال البخاري:
حدثنا عمرو بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بين النفختين أربعون " . قالوا: يا
أبا هريرة أربعون يوماً؟ قال: أبيت قالوا: أربعون شهراً قال: أبيت قالوا: أربعون
سنة قال: أبيت. ويبلى كل شيء من الإِنسان إلا عجب الذنب منه يركب الخلق.
ورواه مسلم عن أبي
كريب، عن أبي معاوية، عن الأعمش به مثله، وزاد بعد قوله في الثالثة أبيت قال: ثم
ينزل من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، قال وليس شيء من الإِنسان إِلا يبلى
إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة.
قال أبو بكر بن أبي
الدنيا في كتاب أهوال يوم القيامة: حدثنا أبو عمار الحسين بن حبيب المروزي، أخبرنا
أبو الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، حدثني
أبي بن كعب: قال: " ست آيات قبل يوم القيامة، بينما الناس في أسواقهم، إذ ذهب
ضوء الشمس، فبينما هم كذلك، إذ وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحركت واضطربت،
واختلطت، وفزعت الجن إلى الإِنس، والإِنس إلى الجن، واختلطت الدواب والوحش والطير،
فماج بعضهم في بعض، " وإِذا الوحُوشُ حُشِرَتْ " قال: انطلقت. "
وإذا العشار عطلت " وقال أهملها أهلها. " وإذا البحار سجرت " قال
الجن للإنس نحن نأتيكم بالخبر، فانطلق إلى البحر، فإذا هو نار تأجج، فبينما هم
كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى، وإلى السماء السابعة
العليا، فبينما هم كذلك، اذ جاءتهم ريح فأماتتهم
" .
وقال ابن أبي
الدنيا: حدثنا هارون بن عمرو القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الرحمن بن
يزيد بن جابر، عن عطاء بن يزيد السكسكي، قال: " يبعث الله ريحاً طيبة بعد قبض
عيسى ابن مريم، وعند دنو من الساعة، فيقبض روح كل مؤمن، ويبقى شرار الناس،
يتهارجون تهارج الحمر، عليهم تقوم الساعة، فبينما هم على ذلك إذ بعث الله على أهل
الأرض الرجف فرجفت بهم أقدامهم ومساكنهم، فيخرج الإِنس والجن والشياطين، كلٌّ
يلتمس المخرج، فيأتون خافق المغرب فيجدونه قد سد، وعليه الحفظة ثم يرجعون إلى
الناس، فبينما هم كذلك، إذ شرقت عليهم الساعة، ويسمعون منادياً ينادي: يا أيها الناس:
أتى أمر الله فلا تستعجلوه، قال: فما المرأة بأشد استماعاً من الوليد في حجرها، ثم
ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض، إلا من شاء الله
" .
وقال أيضاً: حدثنا
هارون بن شيبان: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير
بن نفير، عن أبيه، عن فضالة بن عبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدث هشام بن
سعيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي حجرة، عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " تطلع عليكم سحابة سوداء مثل الترس من قبل المغرب، فما تزال ترتفع
وترتفع حتى تملأ السحاب، وينادي مناد: أيها الناس إن أمر الله قد أتى، فوالذي نفسي
بيده إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه، وإن الرجل ليلوط حوضه فما يشرب منه،
وإن الرجل ليحلب لقحته فما يشرب منها شيئاً
" .
وقال محارب بن
دثار: " إن الطير يوم القيامة لتضرب بأذنابها، وترمي ما في حواصلها من هول ما
ترى وليس عندها طلبة " .
رواه ابن أبي
الدنيا في الأهوال.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن يحيى العبدي:
أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا عبد الله بن بحر، سمعت عبد الرحمن بن زيد الصنعاني،
سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سّره أَن
ينظر إلى يوم القيامة رأي عين فليقرأ: " إذا الشمْس كُوِّرَت " "
وإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ " . " وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ
" . ورواه أحمد والترمذي من حديث عبد الله بن بجير.
نفخة البعثقال الله
تعالى: " وَنُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ في السَّموَاتِ وَمَنْ في
الأرْض إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ
يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيء بِالنَّبِيينَ
وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ووُفِّيَتْ
كُلًّ نَفْس مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمْ بِمَا يَفْعُلونَ " . وقال تعالى:
" يَوْمَ ينْفَخُ في الصُّورِ فَتَأْتونَ أفْوَاجاً وفُتِحَتِ السَّمَاءُ
فَكَانَتْ أَبْوَاباً وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَراباً
" .
وقال تعالى: "
يَوْمَ يَدْعوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بحمده وَتَظنًّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ
قَلِيلاً " .
وقال تعالى: "
فَإنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإذَا هُمْ بالسَّاهِرَةِ
" .
وقال تعالى: "
وَنُفِخَ في الصورِ فَاذَا هُمْ مِنَ الاجْدَاثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُون
قَالُواْ يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مرقَدنَا هذَا مَا وَعد الرحمن وصدق
المُرْسَلونَ إِن كانَت إِلا صَيْحَة واحِدة فإذا هُمْ جَمِيعٌ لدَيْنَا مُحْضرون
فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إلاَّ مَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ " .
وذكر في حديث الصور
بعد نفخة الصعق، وقيام الخلائق كلها، وبقاء الحي الذي لا يموت، الذي كان قبل كل شيء،
وهو الآخر بعد كل شيء، وأنه يبدل السموات والأرض، فيما بين النفختين، ثم يأمر
بإنزال الماء الذي تخلق منه الأجساد في قبورها، وتتركب في أجداثها، كما كانت فى
حياتها في هذه الدنيا من غير أرواح ثم يقول الله تعالى: " ليحيى حملة العرش:
فيحيون، ويأمر إسرافيل فيأخذ الصور فيضعه على فيه، ثم يقول: ليحيى جبريل وميكائيل:
فيحييان ثم يدعو الله بالأرواح، فيؤتى بها، تتوهج أرواح المؤمنين نوراً، والأخرى
ظلمة، فيقبضها جميعاً، فيلقيها في الصور، ثم يأمر إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث،
فينفخ، فتخرج الأرواح كأنها النحل، قد ملأت ما بين السماء والأرض، فيقول الله
تعالى: " وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره في الدنيا،
فتقبل الأرواح على الأجساد، فتدخل في الخياشم، ثم تمشي في الأجساد مشي السم في
اللديغ، ثم تنشق الأرض عنكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأنا أول من
تنشق الأرض عنه " .
فتخرجون منها
سراعاً إلى ربكم تنسلون مهطيعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر حفاة عراة
غرلاً وقد قال الله تعالى: " يَوْمَ يَخْرُحُونَ مِنَ الأحْدَاثِ سِرَاعاً
كأنَهُمْ إِلَى نُصب يُوفضُونَ خَاشِعَةً أبْصَارُهُمْ تَرْهقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ
الْيَوْمُ الذِي كَانُوا يُوعَدُونَ
" .
وقال تعالى: "
واسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ، يَوْمَ يَسْمَعُونَ
الصَّيْحَة بِالْحَق ذَلِكَ يَوْمُ الْخُروج إنا نحن نحيي ونمِيتُ وَإِليْنَا
المَصِيرُ يَومَ تشققُ الأرْضُ عنهمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَليْنَا يَسير
" .
قال تعالى: "
فَتَوّلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يدع الدَّاع إلى شَيْء نُكُر خُشَّعاً أبصَارُهُمْ
يَخْرُحُونَ منَ الأجْدَاث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إلى
الدَّاع يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْم عَسِر
" .
وقال تعالى: "
مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وفيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرجُكُمْ تَارَةً أخْرَى
" .
وقال تعالى: "
فيهَا تَحْيَونَ وَفيهَا تَمُوتُونَ ومنْهَا تخْرَجون
" .
قال تعالى: "
وَاللّهُ أنبتًكمْ منَ الأرض نبَاتاً ثمَّ يُعيدُكمْ فيهَا وَيُخْرجكُمْ إخْرَاجاً
" .
وقال تعالى: "
يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ فَتَأتُونَ أفْوَاجاً
" .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا عبد الله بن عثمان، حدثنا
ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعر، عن عبد الله بن مسعود
قال: " ترسل ريح فيها صر باردة زمهرير، فلا تذر على الآرض مؤمناً إِلا لفته
تلك الريح، ثم تقوم الساعة على الناس، فيقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ
فيه، فلا يبقى خلق من خلق السماء والأرض إِلا مات، ثم يكون بين النفختين ما شاء الله
أن يكون، ثم يرسل الله ماء من تحت العرش، فتنبت جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء،
كما تنبت الأرض من الري ثم قرأ ابن مسعود: " كَذلِكَ النُّشُورُ "
.
ثم يقوم ملك بين
السماء والأرض بالصور، فينفخ، فتنطلق كل نفس إلى جسدها، فتدخل فيه ويقومون قياماً
لرب العالمين.
وعن وهب بن منبه
قال: يبلون في القبور فإذا سمعوا الصرخة عادت الأرواح إلى الأبدان والمفاصل، بعضها
إلى بعض، فإذا سمعوا النفخة الثانية ذهب القوم قياماً على أرجلهم، ينفضون التراب
عن رؤوسهم، يقول المؤمنون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
ذكر أَحاديث في
البعث
وقال سفيان الثوري:
عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله، قال: ترسل ريح فيها صر باردة زمهرير،
فلا يبقى على الأرض مؤمن إلا لفته تلك الريح، ثم تقوم الساعة على الناس، ثم يقوم
ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه لا يبقى خلق في السماء والأرض إِلا مات،
ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، ثم يرسل الله ماء من تحت العرش، فتنبت
جسمانهمِ ولحمانهمِ من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الثرى، ثم قرأ ابن مسعود:
" واللَّهُ الَّذِي أرسَلَ الريَاحَ فتثِيرُسَحَاباً فسُقْنَاهُ إِلى بَلَدٍ
مَيتٍ فأحْيَيْنَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ
" .
ثم يقوم ملك بين
السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه، فتنطلق كل نفس إلى جسدها، فتدخل فيه، ويقومون
فيجيئون قياماً لرب العالمين.
وقال ابن أبي
الدنيا: أخبرنا أبو خيثمة، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن
عطاء، عن وكيع بن عدي، عن عمه أبي رزين قال: قلت يا رسول الله كيف يحيي الله
الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: " يا أبا رزين: أما مررت بوادي أهلك محلاً
ثم مررت به نهراً أخضر؟ قلت: بلى: قال: فكذلك يحيي الله الموتى، وذلك آيته في خلقه
" .
وقد رواه الإِمام
أحمد، عن عبد الرحمن بن مهدي وغندر كلاهما عن شعبة، عن يحيى بن عطاء به، نحوه أو
مثله.
وقد رواه الإِمام
أحمد من وجه آخر فقال: حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا عبد
الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سليمان بن موسى، عن أبي رزين العقيلي، قال: أتيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ قال: مررت بأرض
من أرضك مجدبة، ثم مررت بها مخصبة؟ قال: قلت: نعم: قال: كذلك النشور: قال: قلت: يا
رسول الله: ما الإِيمان؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً
عبده ورسوله، وأن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما، وأن تحرق في النار أحب
إليك من أن تشرك بالله، وأن تحب غير ذي نسب لا تحبه إِلا لله، فإن كنت كذلك، فقد أدخل
حب الإِيمان في قلبك كما أدخل حب الماء للظمآن في اليوم القائظ قلت:
يا رسول الله: كيف
بأن أعلم أني مؤمن " قال: " ما من أمتي أو من الأمة عبد يعمل حسنة،
فيعلم أنها حسنة، وأن الله جازيه بها خيراً، ولا يعمل سيئة، فيعلم أنها سيئة،
ويستغفر اللّه، ويعلم أنه لا يغفر إلا هو، إلا وهو مؤمن
" .
قال الوليد بن
مسلم: وقد جمع أحاديث وأثاراً تشهد لحديث الصور في متفرقاته، أخبرنا سعيد بن بشير:
عن قتادة، في قوله تعالى: " وَاسْتَمِعْ يَوْمَ ينَادي الْمُنَادِي مِنْ
مَكَانٍ قَرِيبٍ " .
قال: يقوم ملك على صخرة
بيت المقدس، ينادي: " أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، إن الله
يأمركم أن تجتمعوا لفصل القضاء وعن قتادة قال: " لا يغيرعن أهل القبور عذاب
القبر إلا فيما بين نفخة الصعق ونفخة البعث
" .
فلذلك يقول الكافر حين
يبعث: " يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا " يعني تلك الفترة فيقول له المؤمن:
" هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون
" .
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني علي بن الحسين بن
أبي مريم، عن محمد بن الحسين حدثني صدقة بن بكر السعدي: حدثني معدي بن سليمان.
قال: كان أبو محكم الجسري يجتمع إليه إخوانه وكان حكيماً وكان إذا تلا هذه الآية:
" ونُفِخَ في الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ
قالوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا
" .
بكى ثم قال: إن
القيامة ذهبت فطاعتها بأوهام العقول، أما والله لئن كان القوم في رقدة مثل ظاهر
قولهم، لما دعوا بالويل عند أول وهلة من بعثهم، ولم يوقفوا بعد موقف عرض، ولا مسألة
إلا وقد عاينوا خطراً عظيماً، وحقت عليهم القيامة بالجلائل من أمرها، ولكن كانوا
في طول الإِقامة في البرزخ يألمون ويعذبون في قبورهم، وما دعوا بالويل عند انقطاع
ذلك عنهم، إلا وقد نقلوا إلى طامة هي أعظم منه، ولولا أن الأمر على ذلك لما استصغر
القوم ما كانوا فيه فسموه رقاداً، وإن في القرآن لدليلاً على ذلك. " فَإِذَا
جَاءَتِ الطَّامَّة الْكُبْرَى " . قال:
ثم يبكي حتى يبل
لحيته.
وقال الوليد بن
مسلم: حدثني عبد الله بن العلاء، حدثني بشر عن عبد الله الحضرمي: سمعت أبا إدريس
الخولاني يقول: اجتمع الناس إلى مشايخ، بين العراق والشام في الجاهلية،
فقام فيهم شيخ فقال: أيها الناس: إنكم ميتون، ثم مبعثون إلى الإِدانة والحساب،
فقام رجل، فقال: والله لقد رأيت رجلاً لا يبعثه الله أبداً، وقع عن راحلته في موسم
من مواسم العرب، فوطئته الإبل بأخفافها، والدواب بحوافرها، والرجالة بأرجلها حتى
رمّ فلم تبق منه أنملة.... فقال له الشيخ: إنكم من قوم سجينة أحلامهم، ضعيف
يقينهم، قليل عملهم، لو أن الضبع أخذت تلك الرمة، فأكلتها، ثم ثلطتها، ثم عدت
عليها الكلاب وأكلتها، وبعرتها، ثم عدت عليها الجلالة، ثم أوقدتها تحت قدر أهلها،
ثم نسفت الريح رمادها لأمر الله يوم القيامة كل شيء أخذ منه شيئاً أن يرده فرده،
ثم بعثه للإدانة والثواب.
وقال الوليد: حدثني
عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: أن شيخاً من شيوخ الجاهلية القساة قال: يا محمد:
ثلاث بلغني، أنك
تقولهن لا ينبغي لذي عقل أن يصدقك فيهن، بلغني أنك تقول إن العرب تاركة ما كانتَ
تعبد هي وآباؤها، وأنا نظهر على كنوز كسرى وقيصر، ولنموتن ولنبعثن " فقال له
الرسول عليه السلام: " ثم لآخذن بيدك يوم القيامة، فلأذكرنك مقالتك هذه
" قال: ولا تضلني في الموتى؟ ولا تنساني قال:
ولا أضلك في
الموتى، ولا أنساك، قال فبقي الشيخ حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى
ظهور المسلمين على كسرى وقيصر، فأسلم وحسن إسلامه، وكان كثيراً ما يسمع عمر بن
الخطاب يحييه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لإعظامه ما كان واجه به رسول
الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر يأتيه ويقول: قد أسلمت ووعدك رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه يأخذ بيدك، ولا يأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد أحد إلا أفلح
وسعد إن شاء الله. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا فضيل بن عبد
الوهاب، أخبرنا هشيم، عن سعيد بن جبير، قال: جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعظم قد رمّ وقال: يا محمد: يبعث الله هذا؟ قال: نعم، يميتك والله،
ثم يحييك، ثم يدخلك النار ونزلت: " وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاَ وَنَسِيَ خَلْقَهُ
قَالَ مَنْ يُحْييِ العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أنْشَأهَا
أوّلَ مَرّة وَهُوَ بِكُلَّ خَلْق عَلِيم
" .
وقال تعالى في
قوله: " وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأةَ الأوْلى
" .
قال خلق آدم،
وخلقكم، قال: فلا تصدقون؟ وعن أبي جعفر الباقر قال: كان يقال:
عجباً لمن يكذب
بالنشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى يا عجباً كل العجب لمن يكذب بالنشر بعد
الموت، وهو ينشر في كل يوم وليلة، ورواه ابن أبي الدنيا. وقال أبو العالية في
قوله: " وهُوَ الَّذِي يَبْدَأ الْخَلْقَ ثَمّ يُعِيدُهُ وَهو أهون عَلَيْه
" .
قال: إعادته أهون
عليه من ابتدائه وكل يسير، رواه ابن أبي الدنيا.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر،
عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
قال الله عز وجل كذبني عبدي ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه
إياي فقوله: فليعدنا كما بدأنا، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله
ولداً، وأنا الأحد، الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد " .
وهو ثابت في الصحيحين.
وفيهما قصة الذي
أوصى إلى نبيه إذا مات أن يحرقوه ثم يذروا نصف رماده في البر، ونصفه في البحر،
وقال: لئن قدر الله عليَّ، ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، وذلك أنه
لم يدخر عند الله حسنة واحدة، فلما مات، فعل ذلك بنوه، كما أمرهم، فأمر الله البر
فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، فإذا رجل قائم، فقال له ربه: ما حملك على
هذا قال: خشيتك، وأنت أعلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فغفر له.
وعن صالح المزي
قال: دخلت المقابر نصف النهار، فنظرت إلى القبور كأنها قوم صموت، فقلت: سبحان
الله: من يحييكم وينشركم من بعد طول البلى فهتف بي هاتف من بعض تلك الحفريا صالح:
" وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ تَقُومَ السَّمَاءُ والأرضُ بِأمْرِهِ ثُمَّ إِذَا
دَعَاكمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْض إِذَا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ " . قال: فخررت
والله مغشياً عليَّ.
ذكر أن يوم القيامة
وهو يوم النفخ في الصور لبعث الأجساد من قبورها يكون يوم الجمعة
وقد وردت في ذلك
أحاديث: قال الإِمام مالك بن أنس: عن يزيد بن عبد الهادي، عن محمد بن الهادي، عن
محمد بن إبراهيم، عن أبي مسلم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه
تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقام الساعة، وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من
حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة، إِلا الجن والإِنس، وفيها ساعة لا
يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاَ إِلا أعطاه إياه
" .
ورواه أبو داود
واللفظ له، والترمذي من حديث مالك، وأخرجه النسائي عن قتيبة، عن بكر بن نصر عن أبي
الهادية نحوه وهو أتم.
لحظة قيام
الساعةوقد رواه الطبراني في معجمه الكبير، من طريق آدم بن علي، عن ابن عمر،
مرفوعاً: " ولا الساعة تقوم إلا في الأذان
" .
قال الطبراني: يعني
في أذان الفجر.
وقال الإِمام محمد
بن إدريس الشافعي في مسنده: أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني موسى بن عبيدة، حدثني
أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله بن عمر: أنه سمع أنس بن مالك
يقول: " أتى جبريل بمرآة بيضاء متلألئة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: " ما هذه قال:
الجمعة. فضلت بها
أنت وأمتك، فالناس لكم فيها تبع، اليهود والنصارى، ولكم فيها خير، وفيها ساعة لا
يوافقها مؤمن، يدعو الله بخير إِلا استجيب له، وهو عندنا يوم المزيد، قال النبي
صلى الله عليه وسلم: " يا جبريل وما يوم المزيد فقال: إن ربك اتخذ في الفردوس
وادياً أفيح فيه كثب المسك، فإذا كان يوم الجمعة، أنزل ما شاء من ملائكته، وحوله
منابرمن نور عليها مقاعد النبيين، وحفت تلك المنابر بمنابر من الذهب، مكللة
بالياقوت والزبرجد، عليها الشهداء والصديقون، فجلسوا من ورائهم، على تلك الكثب
فيقول الله: أنا ربكم، قد صدقتكم وعدي، فسلوني أعطكم، فيقولون: ربنا نسألك رضوانك،
فيقول: قد رضيت عنكم، ولكن ما تمنيتم ولديَّ مزيد، فهم يحبون
يوم الجمعة، لما يعطيهم فيه ربهم من الخير، وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على
العرش، وفيه خلق آدم، وفيه تقوم الساعة
" .
ثم رواه الشافعي،
عن إبراهيم بن محمد أيضاً، حدثني أبوعمر، عن إبراهيم بن الجعد، عن أنس شبيهاً به
قال: وزاد فيه أشياء.
قلت: وسيأتي ذكر
هذا الحديث إن شاء الله تعالى في كتاب صفة الجنة بشواهده وأسانيده، وبالله
المستعان.
أجساد الأنبياء لا
تبليها الأرضوقال الإِمام أحمد بن حنبل: حدثنا حسين بن علي الجعفي، عن عبد الرحمن
بن يزيد بن جابر
عن أبي الأشعث الأنصاري، عن أوس بن أوس الثقفي، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق
آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعق، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم
معروضة عليَّ " ،
قالوا يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ - يعني بليت
- قال: " إن
الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء
" .
ورواه أبو داود،
والنسائي، وابن ماجه، من حديث الحسين بن علي الجعفي مثله، وفي رواية لابن ماجه، عن
شداد بن أوس، بدل أوس بن أوس، قال شيخنا وذلك وهم.
وقال أيضاً: حدثنا
أبو عامر عبد الملك بن عمرو، حدثنا زهير يعني ابن محمد، عن عبد الله بن محمد بن
عقيل، عن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري، عن أبي أمامة بن عبد المنذر، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: " سيد الأيام يوم الجمعة، وأعظمها عند الله، وأعظم
عند الله من يوم الفطر، ويوم الأضحى، وفيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وفيه توفى
الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا آتاه اللهّ إياه، ما لم
يسأل حراماً، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا سماء، ولا أرض، ولا جبال، ولا
بحر، إلا وهو يشفق من يوم الجمعة
" .
ورواه ابن ماجه، عن
أبي بكر بن أبي شيبة، عن يحيى بن أبي بكر، عن زهر به.
وقد روى الطبراني
عن ابن عمر مرفوعاً: " أن القيامة تقوم وقت الأذان للفجر من يوم الجمعة
" .
وقد حكى أبو عبد
الله القرطبي في التذكرة، أن ذلك هو من يوم جمعة، للنصف من شهر رمضان، وهذا يحتاج
إلى دليل.
وقال أبو بكر بن
أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن كثير، حدثنا قرط بن حريث أبو سهل، عن رجل من أصحاب
الحسن، قال: قال الحسن: يومان وليلتان لم يسمع الخلائق بمثلهن، ليلة الميت مع أهل
القبور، ولم تبت ليلة قبلها، وليلة صبيحتها يوم القيامة، ويوم يأتيك البشير من
الله، إما بالجنة، وإما بالنار، ويوم تعطى كتابك إما بيمينك، وإما بشمالك.
وهكذا روي عن عبد
قيس وهرم بن حيان وغيرهما، أنهم كانوا يستعظمون الليلة التي يسفر صباحها عن يوم
القيامة.
وقال ابن أبي
الدنيا: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير العبدي، حدثني محمد بن سابق، حدثنا مالك
ابن مغول، عن حميد، قال: بينما الحسن في يوم من رجب في المسجد، وفي يده قليلة، وهو
يمص ماءها، ثم يمجه، إذ تنفس تنفساً شديداً، ثم بكى، حتى أرعد متكأه ثم قال: لو أن
بالقلوب حياة! لوأن بالقلوب صلاحاً! يا ويلكم من ليلة صبيحتها يوم القيامة! أي
ليلة تمخض عن صبيحة يوم القيامة ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر عورة بادية، ولا
عيناً باكية من يوم القيامة.
ذكر أَن أَول من
تنشق عنه الأرض يوم القيامة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال مسلم بن
الحجاج: حدثني الحكم بن موسى أبو صالح، حدثنا معقل يعني ابن زياد، عن الأوزاعي،
حدثني أبو عمار: حدثني عبيدالله بن مرواح: حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض،
وأول شافع، وأول مشفع " .
وقال هشيم: عن علي
بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أنا سيد ولد آدم
يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر
" .
وقال أبو بكر بن
أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثم، أخبرنا حجير بن المثنى، أخبرنا عبد العزيز بن عبد
الله بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينفخ في الصور، فيصعق من في
السموات ومن في الأرض، إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من يبعث،
فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أو بعث قبلي " . وفي
الصحيح ما يقرب من هذا السياق، والحديث في صحيح مسلم: " أنا أول من تنشق عنه الأرض،
فأجد موسى باطشَاَ بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور " .
فذكرموسى في هذا السياق، ولعله من بعض الرواة، دخل عليه حديث في حديث فإن الترديد
هاهنا لا يظهر وجهه لا سيما قوله: " أم جُوزي بصعقة الطور "
.
وقال ابن أبي
الدنيا أيضاً: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا سفيان، هو ابن عيينة عن عمرو، وهو
ابن دينار، عن عطاء، وابن جدعان، عن سعيد بن المسيب، قال:
كان بين أبي بكر ويهودي منازعة، فقال: والذي اصطفى
موسى على البشر، فلطمه أبو بكر، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "
يا يهودي: أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأجد موسى متعلقاً بالعرش، فلا أدري، هل كان
قبلي؟ أو جُوزي بالصعقة " ؟.
وهذا مرسل من هذا
الوجه. والحديث في الصحيحين من غير وجه بألفاظ مختلفة، وفي بعضها أن المقاول لهذا
اليهودي إنما هو رجل من الأنصار، لا الصديق رضي الله عنه فالله أعلم.
ومن أحسنها سياقاً:
" إذا كان يوم القيامة فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يصعق فأجد موسى
باطشَاً بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أصعق، فأفاق قبلي؟ أم جوزي بصعقة الطور
" ؟.
وهذا كما سيأتي
بيانه يقتضي أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة، وهو صعق آخر غير المذكور في
القراّن، وكان سبب هذا الصعق في هذا الحديث لتجلي الرب تعالى، إذا جاء لفصل القضاء،
فيصعق الناس، كما خرَّ موسى صعقاً يوم الطور، والله تعالى أعلم.
وقال أبو بكر بن
أبي الدنيا: أخبرنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا جرير، عن عطاء بن
السائب، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كأني أراني
أنفض رأسي من التراب، فألتفت فلا أرى أحداً إلا موسى متعلقاً بالعرش، فلا أدري أهو
ممن استثنى الله أن لا تصيبه النفخة؟ أو بعث قبلي " . وهذا مرسل أيضاً وهو
أضعف.
الرسول عليه السلام
أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامةوقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبيد
الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا
محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا عمرو بن الناقد، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا موسى
بن أعين، عن معمر بن راشد، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن بشر بن سعاف، عن
عبد الله بن سلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد
ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض وأنا أول شافع ومشفع،
بيدي لواء الحمد، حتى آدم فمن دونه " لم يخرجوه وإسناده لا بأس به.
وقال أبو بكر بن
أبي الدنيا: حدثنا أبو سلمة المخزومي، أخبرنا عبد الله بن نافع، عن عاصم بن عمر،
عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن، عن سالم بن عبد الله، وقال: عن أبي سلمة، عن ابن
عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أول من تنشق عنه الأرض،
ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم أذهب إلى أهل البقيع، فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة،
فيحشرون معي، فأحشر بين الحرمين
" .
وقال أيضاً:
أخبرنا سعيد بن
سلمة، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه
وسلم المسجد، وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وهو متكىء عليهما، فقال: "
هكذا نبعث يوم القيامة " .
وقال ابن أبي الدنيا:
حدثني محمد بن الحسين، حدثنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا الليث، عن سعد، عن خالد بن
يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن منبه بن وهب، أن كعب الأحبار قال: " ما من فجر
يطلع، إلا نزل سبعون ألفاً من الملائكة، حتى يحفوا بالقبر، يضربون بأجنحتهم،
ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أمسوا عرجوا، وهبط مثلهم، وصنعوا مثل
ذلك، حتى إذا انشقت الأرض، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين ألفاً من
الملائكة، يوقرونه صلى الله عليه وسلم
" .
وأخبرنا هارون بن
عمر القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم، أخبرنا مروان بن سالم: عن يونس بن سيف، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يحشر الناس رجالاً، وأحشر راكباً على
البراق، وبلال بين يدي على ناقة حمراء، فإذا بلغنا مجمع الناس، نادى بلال بالأذان،
فإذا قال أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، صدقه الأولون
والآخرون " . وهذا مرسل من هذا الوجه.
ذكر بعث الناس حفاة
عراة غرلاً وذكر أول من يكسى من الناس يومئذ
قال الإمام أحمد:
حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا بقية، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة،
أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يبعث الناس يوم القيامة حفاة، عراة،
غرلاً، قال: فقالت عائشة: يا رسول الله فكيف بالعورات فقال: " لِكُلِّ
امرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأنٌ يُغْنِيهِ
" .
وأخرجاه في
الصحيحين، من حديث حاتم بن أبي صغيرة، عن عن عبد الله بن أبا مليكة، عن القاسم، عن
عائشة بنحوه.
أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم خليل الله عليه
السلام وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا شعبة، حدثنا المغيرة بن النعمان
شيخ من النخع. قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث، قال: سمعت ابن عباس قال: قام فينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال: " يا َأيها الناس إنكم محشورون
إلى الله حفاة، عراة غرْلاً " : " كما بَدَأنا أوّل خَلْق نُعِيدُهُ،
وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كنَا فاعلين
" .
" ألا وإن أول الخلق
يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنه سيحيا ناس من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فلأقولن:
أصحابي. وليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فلأقولن كما قال العبد الصالح:
" وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَادمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي
كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيب عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء شَهيدٌ إِنْ تُعَذِّبهمْ
فَإِنَّهُمْ عِبَادكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيز
الحَكِيمُ " .
فيقال: إن هؤلاء لم
يزالوا يرتدون على أعقابهم منذ فارقتهم " أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة.
ورواه أحمد: عن
سفيان بن عيينة، وهو في الصحيحين من حديثه، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن
ابن عباس مرفوعاً: " إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلاً
" .
ورواه البيهقي من
حديث هلال بن حيان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: " تحشرون عراة حفاة، فقالت زوجته:
أينظر بعضنا إلى
بعض؟ فقال: يا فلانة لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه
" .
وقال الحافظ أبو
بكر البيهقي: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، وأبو سعيد محمد بن موسى. قالا:
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا مالك بن
إسماعيل، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدلاني، عن المنهال بن عمرو، عن
عبد الله بن الحارث، عن أبي هريرة، قال:
" يحشر الناس حفاة
عراة غرلاً، قياماً أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء، قال فيلجمهم الله العرق
من شدة الكرب، ثم يقال اكسوا إبراهيم، فيكسى قبطيتين من قباطي الجنة، قال: ثم
ينادي لمحمد صلى الله عليه وسلم فيفجر له الحوض، وهو ما بين أيلة إلى مكة، قال:
فيشرب ويغتسل، وقد تقطعت أعناق الخلائق يومئذ من العطش، ثم قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " فأكسى من حلل الجنة، فأقوم عن أو على يمين الكرسي،
ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام يومئذ غيري، فيقال: سل تعط، واشفع تشفع، فقام
رجل فقال أترجو لوالديك شيئاً فقال: إني شافع لهما أعطيت أو منعت، ولا أرجو لهما شيئاً
" قال البيهقي: قد يكون هذا قبل نزول الوحي بالنهي عن الاستغفار للمشركين
والصلاة على المنافقين.
قال القرطبي: وروى
ابن مبارك، عن سفيان، عن عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث،
عن علي، قال: أول من يكسى الخليل قبطيتين، ثم محمد عليه السلام حلة، عن يمين العرش.
وقال أبو عبد الله
القرظي في كتاب التذكرة، وروى أبو نعيم الحافظ يعني الأصبهاني، من حديث الأسود،
وعلقمة، وأبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" أول من يكسى إبراهيم، يقول الله اكسوا خليلي، فيؤتى بريطتين بيضاوين
فيلبسهما، ثم يقعد مستقبل العرش، ثم أوتي بكسوتي، فألبسها، فأقوم عن يمينه قياماً
لا يقومه أحد غيري، يغبطني فيه الأولون والآخرون
" .
قال القرطبي: وقال
الحليمي في منهاج الدين له، وروى عباد بن كثير عن أبي الزبير، عن جابر، قال:
" إن المؤذنين والملبين يخرجون يوم القيامة يؤذن المؤذن ويلبي الملبي، وأول
من يكسى من حلل الجنة إبراهيم ثم محمد ثم النبيون ثم المؤذنون " وذكر تمامه.
ثم شرع القرطبي
يذكر المناسبة في تقديم إبراهيم عليه الصلاة والسلام في ذلك فقال:
من ذلك أنه أول من
لبس السراويل مبالغة في التستر، أو أنه جرد يوم ألقي في النار فالله أعلم.
وروى البيهقي من
حديث إسماعيل بن أبي أويس، حدثني عن محمد بن أبي عياش، عن
عطاء بن يسار، عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يبعث الناس حفاة عراة غرلاً، قد
ألجمهم العرق، فبلغ شحوم الأذان، فقلت يا رسول الله واسوءتاه!! ينظر بعضنا إلى بعض
قال يشغل الناس عن ذلك لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه " . إسناده جيد وليس
هو في المسند ولا في الكتب.
وقال أبو بكر بن
أبي الدنيا، حدثنا سعيد بن سليمان، عن عبد الحميد بن سليمان، حدثني محمد بن أبي
موسى، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
" يحشر الناس حفاة عراة غرلاً كما بدئوا، قالت أم سلمة يا رسول الله ينظر
بعضنا إلى بعض؟ قال: يشغل الناس: قلت: وما شغلهم؟ قال نشر الصحف فيها مثاقيل الذر،
مثاقيل الخردل " .
وقال الحافظ أبو بكر
البزار حدثنا عمر بن شبة، حدثنا الحسين بن حفص، حدثنا سفيان يعني الثوري عن زبيدة،
عن مرة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكم محشورون
حفاة عراة غرلاً " .
قال البزار: أحسب أن
عمر بن شبة غلط فيه فدخل عليه حديث من إسناد علي حديث من إسناد آخر، وإنما هذا
الحديث عن سفيان الثوري، عن مغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال
وليس لسفيان الثوري عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود، حديث مسند، وهكذا رواه
ابن أبي الدنيا، عن عمر بن شبة به مثله، وزاد: " وأول من يكسى يوم القيامة
إبراهيم عليه الصلاة والسلام " .
وقال أبو بكر بن
أبي الدنيا: حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث، أخبرنا الفضل بن موسى، عن عابد بن
شريح، عن أنس، قال: سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله:
كيف يحشر الرجال؟ فقال: " حفاة عراة: قالت:
واسوءتاه من يوم القيامة!!
قال: وعن أي ذلك تسألين إنه قد نزل عليَّ أنه لا يضرك. كان عليك ثياب أم لا. قالت:
وأي آية يا رسول الله قال: " لِكلِّ امرىءٍ منهم يومئذ شأنٌ يُغْنيهِ
" .
وقال الحافظ أبو
يعلى الموصلي: حدثنا روح بن حاتم، حدثنا هيثم، عن كرز، عن نافع، عن
ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يحشر الناس كما ولدتهم
أمهم، حفاة، عراة، غرلاً " .
فقالت عائشة:
النساء والرجال؟ بأبي أنت وأمي فقال: نعم، فقالت: واسوءتاه!! فقال: ومن أي شيء
تعجبين يا بنت أبي بكر؟ قالت: عجبت من حديثك: يحشر الرجال والنساء حفاة عراة
غرلاً، ينظر بعضهم الى بعض؟ قال:
فضرب على منكبها
وقال يا بنت أبي قحافة: شغل الناس يومئذ عن النظر، وسموا بأبصارهم موقوفين، لا
يأكلون ولا يشربون، شاخصين بأبصارهم إلى السماء أربعين سنة، فمنهم من يبلغ العرق
قدميه، ومنهم من يبلغ ساقيه، ومنهم من يبلغ بطنه، ومنهم من يلجمه العرق من طول
الوقوف، ثم يرحم الله من بعد ذلك العباد، فيأمر الله الملائكة المقربين فيحملون
عرشه من السموات إلى الأرض، حتى يوضع عرشه في أرض بيضاء لم يسفك عليها دم، ولم
تعمل فيها خطيئة، كأنها الفضة البيضاء، ثم تقوم الملائكة حافين من حول العرش، وذلك
أول يوم نظرت عين إلى الله، فيأمر منادياً فينادي بصوت يسمعه الثقلان من الجن
والإِنس، أين فلان فلان بن فلان بن فلان؟ فيشرئب الناس لذلك الصوت، ويخرج ذلك المنادي
من الموقف، فيعرفه الله للناس ثم يقال تخرج معه حسناته، يعرف الله أهل الموقف بتلك
الحسنات، فإذا وقف بين يدي رب العالمين، قيل أين أصحاب المظالم فيجيبون رجلاً،
فيقال لكل واحد منهم أظلمت فلاناً لكذا وكذا؟ فيقول: نعم يا رب، فذلك اليوم الذي
تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فتؤخذ حسنات الظالم فتدفع
إلى من ظلمه، ثم لا دينار ولا درهم، إلا أخذ من الحسنات، ورد من السيئات، فلا يزال
أصحاب المظالم يستوفون من حسنات الظالم حتى لا تبقى له حسنة، ثم يقوم من بقي ممن
لم يأخذ شيئاً فيقولون: ما بال غيرنا استوفى ومنعنا فيقال لهم: لا تعجلوا، فيؤخذ
من سيئاتهم فترد عليه، حتى لا يبقى أحد ظلمه بمظلمة، فيعرف اللّه أهل الموقف أجمعين
ذلك، فإذا فرغ من حساب الظالم قيل: ارجع إلى أمك الهاوية، فإنه لا ظلم اليوم إن
الله سريع الحساب، ولا يبقى يومئذ ملك، ولا نبي مرسل، ولا صديق، ولا شهيد، إلا ظن
لما رآه من شدة الحساب أنه لا ينجو، إلا من عصمه الله عز وجل
" .
هذا حديث غريب من هذا الوجه، ولبعضه شاهد في الصحيح
كما سيأتي بيانه قريباً، إن شاء الله، وبه الثقة، وعليه التكلان.
الإِنسان يبعث يوم
القيامة في ثياب عمله من خير أو شر
قال الحافظ: فأما
الحديث الذي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا محمد عبد الله بن إسحاق بن
الخرساني المعدل، حدثنا محمد بن القاسم القاضي، أخبرنا ابن أبي مريم، أخبرنا يحيى
بن أيوب، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، أنه
لما حضره الموت دعا بثياب جديدة فلبسها، ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " إن المسلم يبعث في ثيابه التي يموت فيها
" .
فهذا حديث رواه أبو
داود في كتاب السنن، عن الحسن بن علي، عن ابن أبي مريم.
ثم شرع البيهقي
يجيب عن هذا الحديث لمعارضته الأحاديث المتقدمة في بعث الناس حفاة عراة غرلاً
بثلاثة أجوبة: أحدها: أنها تبلى بعد قيامهم من قبورهم، فإذا وافوا الموقف يكونون
عراة، ثم يلبسون من ثياب الجنة.
الثاني: أنه إذا
كسيَ الأنبياء ثم الصديقون ثم من بعدهم على مراتبهم، فتكون كسوة كل إنسان من جنس
ما يموت فيه، ثم إذا دخلوا الجنة لبسوا من ثياب الجنة.
الثالث:
أن المراد بالثياب
هاهنا الأعمال، أي يبعث في أعماله التي مات فيها من خير أو شر قال الله تعالى:
" وَلبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ
" .
وقال: "
وَثيَابَكَ فَطَهِّرْ " .
قال قتادة: عملك
فأخلصه. ثم استشهد البيهقي على هذا الجواب الأخير بما رواه مسلم من حديث الأعمش،
عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يبعث كل
عبد على ما مات عليه " .
قال: وروينا عن
فضالة بن عبيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من مات على مرتبة
من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة
" .
وقد قال أبو بكر بن
أبي الدنيا: أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن كثير، حدثنا زيد بن
الحباب، عن معاوية بن صالح، أخبرني سعيد بن هانىء، عن عمرو بن الأسود، قال: أوصاني
معاذ بامرأته وخرج، فماتت، فدفناها، فجاءنا وقد رفعنا أيدينا من دفنها فقال: في أي
شيء هيأتموها؟ قلنا: في ثيابها، فأمر بها فنبشت، وكفنها في ثياب جدد وقال:
أحسنوا أكفان
موتاكم، فإنهم يحشرون فيها " .
وقال أيضاً: حدثني
محمد بن الحسين، حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا إسحاق بن سيار بن نصر، عن الوليد بن مروان،
عن ابن عباس، قال: يحشر الموتى في أكفانهم، وكذا روي عن أبي العالية، وعن أبي صالح
المزي، قال: بلغني أنهم يخرجون من قبورهم في أكفان ذميمة، وأبدان بالية، متغيرة
وجوههم، شعثة رؤوسهم، نهكة أجسامهم، طائرة من صدورهم وحناجرهم، لا يدري القوم
مأواهم إلا عند انصرافهم من الموقف، فيصرف بهم إلى الجنة، أو يصرف بهم إلى النار،
ثم صاح بأعلى صوته: واسوء منصرفاه إن أنت لم تغمدنا منك برحمة واسعة!! لقد ضاقت
صدورنا من الذنوب العظام، والجرائم التي لا غافر لها غيرك.
ذكر شيء من أَهوال
يَوم القِيَامَة بعض ما ورد من آيات الكتاب المبين
قال الله تعالى:
" فَيَوْمَئذ وقعَتِ الْوَاقِعَة وَانْشَقّتِ السّمَاءُ فَهِيَ يَوْمئِذٍ
وَاهِيَة، وَالملَكُ علَى أرجائِهَا وَيحْمِلَ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقهُمْ يَوْمئِذٍ
ثَمَانِيَةٌ " يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكمْ خَافِيَة
" .
وقال تعالى: "
وَاستمعْ يَوْمَ يُنَادِي المُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيب، يَوْمَ يَسْمَعُونَ
الصَّيْحَةَ بِالْحق ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوج إِنَّا نَحْنُ نُحْيي وَنُمِيتُ
وإلَيْنَا الْمَصِير، يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذَلِكَ حَشْر عَلَيْنَا
يَسِيرٌ " .
وقال تعالى: "
إِنَّ لدينَا أنْكَالاً وَجَحِيماً، وَطَعَاماً ذَا غصةٍ وَعَذَاباً ألِيماً
يَوْمَ تَرْجًفُ الأرْض وَالْجبَال وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهيلاً "
إلى قوله: " فَكَيْفت تتَقُونَ إن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ
الْوِلْدَانَ شيباً السَّمَاءُ مُنْفَطر بِهِ كَانَ وَعْده مَفْعُولاً " وقال
تعالى: " وَيوْمَ يحشُرُهُمْ كَأنْ لَمْ يَلْبَثُوا إلاَّ سَاعَةً مِنَ
النَّهَارِ يَتَعَارفونَ بَيْنَهُمْ قد خَسِرَ الَّذِينَ كذّبوا بِلِقَاءِ اللّهِ وَمَا
كَانُوا مُهْتدِين " .
وقال تعالى: " وَيَوْمَ نُسِيِّرُ الْجِبالَ
وَتَرى الأرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فلَمْ نغَادرْ مِنْهمْ أحَداً
وَعُرِضُوا عَلَى ربك صفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْناكمْ أوِّلَ مًرّةٍ
بَلْ زَعَمْتُمْ ألَّنْ نجْعَلَ لَكمْ مَوْعِداً وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى
الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا
لِهَذَا الكِتَابِ لاَ يُغَادرُ صغِيرةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أحْصَاهَا
وَوَجَدوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أحَداً
" .
وقال تعالى: "
وَمَا قدَرُوا اللَّهَ حقَ قدْرِهِ وَالأرْضُ جمِيعاً قَبْضَتُة يَومَ الْقِيامَةِ
وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بيَمِينيه سبْحَانَهُ وَتَعَالَى عًمّا يُشْرِكونَ
وَنُفِخَ في الصُّورِ فَصعِقَ مَنْ في السًمَواتِ وَمَنْ في الأرْض إلا مَنْ شَاء الله
ثمَ نُفِخَ فِيهِ أخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَام يَنْظُزونَ وأشْرَقَت الأرْضُ
بِنُورِ ربهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشهَدَاءِ وَقُضِيَ
بَيْنَهُمْ بِالْحَق وَهُمْ لا يُظْلَمًونَ وَوُفِّيَتْ كُل نَفْس مَا عَمِلَتْ
وَهُو َأعْلَمُ بِمَا يَفعلُونَ
" .
وقال تعالى: "
فإِذَا نُفِخَ في الصُّورِ فَلا أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئذ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينه فَأولئِك هُمْ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ
مَوَازِينُهُ فأوْلئك الذِينَ خَسِرُوا أنفسهم في جَهَنَّمْ خَالدُون
" .
وقال تعالى: "
يَوْمَ تكون السَّمَاءُ كَالْمُهْل وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْن وَلاَ يَسألُ
حَمِيمٌ حَمِيماً يُبصرونَهُمْ يودّ المُجْرِمُ لَو يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ
يَوْمَئِذٍ بِبَنِيهِ وصاحِبتِهِ وأخِيهِ وفَصِيلَتِهِ الَّتي تُؤوِيهِ وَمَنْ في الأرْض
جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيه كلا إِنَّهَا لَظَى نَزَاعَةً لِلشَّوَى تَدْعُو مَنْ
أدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأوْعَى
" .
وقال تعالى:
" فَإذَا جَاءَتِ
الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِر المَرْءُ مِنْ أخِيه وَأمهِ وأبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ
وَبَنِيهِ لكُل امْرِيءٍ مِنْهًمْ يَوْمَئِذٍ شَأنٌ يُغْنِيهِ وُجوه يَوْمَئِذ
مُسفِرة ضَاحِكَةٌ مسْتبشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ
تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ
" .
وقال تعالى: "
فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَةُ الكُبْرَى يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى
وَبُرّزَتِ الجَحِيمُ لمَنْ يَرَى فَأمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاة
الدُّنْيَا فَإِنَّ الجَحِيم هِيَ المَأوَى َوأمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
وَنَهَى النَّفْسَ عَن الهَوَى فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى يَسْألُونَكَ عَن الساعَةِ
أيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلى رَبكَ مُنْتَهَاهَا إِنَّمَا
أنتَ مُنْنِرُ مَنْ يَخْشَاهَا كَأَنَهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبثئُوا
إِلاَّ عَشِيةً أوْ ضُحَاهَا " .
وقال تعالى: "
كلا إِذا دُكَّتِ الأرْضُ دَكاً دكّاً وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وأنَّى لَهُ
الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قدَّمْتُ لِحَيَاتِي فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُعَذِّبُ
عَذَابَهُ أحَدٌ وَلاَ يوثق وَثَاقَهُ أحَدٌ يَا أيَّتُهَا النَفْسُ
الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى ربِّكِ رَاضيَّةً مَرْضِيَةً فادْخُلي في عِبَادِي
وَادخِلِي جَنَّتِي " .
قال تعالى: "
هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وُجُوة يَوْمَئِذ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ
تَصلَى نَاراً حَامِيةً تُسْقَى مِنْ عَيْن آنِيَةٍ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ
مِنْ ضَرِيع لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوع وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ
لِسَعْيِهَا رَاضِيةٌ في جَنَّة عَالِيةٍ لاَ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً فِيها
عَيْنٌ جَاريةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعةٌ وَنَمَارِقُ
مَصْفوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ أفلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِل كَيْفَ
خُلِقَتْ " .
وقال تعالى: " إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَة
لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَافعَةٌ إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا
وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّا فَكَانَتْ هَبَاء مُنْبَثّاً وَكُنْتُمْ أزْوَاجاً ثَلاَثَة
فَأصْحَابُ المَيْمَنَةِ مَا أصْحَابُ الْمَيْمَنَة وأصْحَابُ الْمَشْأمَةِ مَا
أصْحَابُ الْمَشْأمَةِ والسَّابِقُونَ السَّابِقونَ أولئِكَ الْمقَرّبُونَ في
جَنَّاتِ النَّعِيم " .
ثم ذكر جزاء كل من
هذه الأصناف الثلاثة عند احتضارهم، كما ذكرنا في تفسيرآخر هذه السور الكريمة.
وقال تعالى: "
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يدع الدَّاع إِلى شَيْءٍ نُكُر خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ
يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأنَّهُمْ جَرَاد مُنْتَشر مُهْطِعِينَ إِلَى
الدَّاع يَقُولُ الْكَافِرُونَ هذَا يَوْمَ عَسِرٌ
" .
وقال تعالى: "
يَوْمَ تُبدّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْض وَالسَّموَاتُ وَ بَرزُوا لِلَّهِ الوَاحِد
الْقهَّار وَتَرَى المجْرِمِيْن يَوْمَئِذٍ مقرَّنِينَ في الأَصفَادِ سَرَابِيلهمْ
مِنْ قَطِرَان وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّار لِيَجزِيَ اللَّهُ كًلَّ نَفْس مَا
كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ هَذَا بَلاَغٌ لِلنَّاس وَليُنْذَرُوا بِهِ
وَليَعْلَمُوا أَنَّمَا هُو إِلهٌ وَاحِدٌ وَليذَّكَّرَ أولُوا الأَلْبَابِ
" .
وقال تعالى: "
رَفِيعُ الدَّرَجِاتِ ذو العَرثس يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلَى مَنْ
يَشَاءُ مِنْ عِبَاده لِيُذِرَ يَوْمَ التَّلاَق يومَ هُم بَارزُونَ لاَ يَخْفَى
عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيءْ لِمَن لمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْوَاحِدِ
الْقَهَّارِ الْيَوْمَ تُجزَى كُلُّ نَفْس بما كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ
إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ
" .
وقال تعالى: "
وَأنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذ الْقُلُوبُ لَدَى الحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا
لِلظَّالِمِين مِنْ حَمِيم وَلاَ شَفِيع يُطَاعُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُن
وَمَا تُخْفِي الصُدورُ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَق والَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ
دونهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ
" .
وقال تعالى:
" إِنَّمَا إِلهُكُمُ
اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُل شَيْءٍ عِلْماً، كَذلِكَ
نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا
ذِكراً، مَنْ أعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القِيَامَةِ وِزْراً،
خَالِدينَ فِيهَا وَسًاءَ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ حِمْلاً، يَوْمَ يُنْفَخَ في
الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمجْرِمِينَ يَوْمَئذ زُرْقاً، يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ
إنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً، نَحْنُ أعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أمْثَلُهُمْ
طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً، وَيَسْألُونَكَ عَن الْجِبَالِ فَقُلْ
يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً، فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً، لاَ تَرَى فِيهَا
عِوَجاً وَلاَ أمْتاً، يَوْمَئِذٍ يتَّبِعونَ الدَّاعيَ لاَ عِوَجَ لَهُ
وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمن فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً، يَوْمَئِذ لاَ
تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لهُ قَوْلاً،
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً،
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلحَيِّ الْقَيُّوم وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَل ظُلْماً
" .
وقال تعالى: "
يا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا أنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْل أِن يَأتي
يَوْم لا بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالكَافِرونَ هُمُ
الظَّالِمُونَ " .
وقال تعالى: "
واتقوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْس، مَا
كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ " . وقال تعالى: " يَوْمَ تَبْيَضُّ
وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وجوه فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أكفَرْتُمْ بَعْدَ
إِيمَانِكُمْ فذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كنْتُمْ تَكْفُرُونَ، وَأمَّا الَّذِينَ
ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ
" .
وقال تعالى: " وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أن يَغلَّ وَمَنْ
يَغْلُلْ يَأتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْس مَا
كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
" .
وقال تعالى:
" وَيَوْمَ نَبْعَثُ
في كلِّ أمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أنْفُسَهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً
عَلَى هَؤلاَءِ ونَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكلِّ شَيْءٍ وَهُدَى
ورَحْمَةً وبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ
" .
وقال تعالى: "
وَيَوْمَ نَبْعَث مِن كلِّ أمَّة شَهِيداً ثًمَّ لاَ يؤذنُ لِلّذِينَ كَفَرُوا
وَلاَ هُم يُسْتَعْتَبون،َوَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلاَ
يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ، وَإِذَا رَأَى الذِينَ أشْرَكوا
شُرَكَاءَهُمْ قَالوا رَبَّنَا هَؤلاء شُرَكَاؤنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُواْ
مِنْ دونكَ فَألْقَوْا إِلَيْهمُ الْقَولَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ، وألقَوْا إِلَى
اللَّهِ يَومَئِذ السَّلَمَ وَضلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ، الَّذِينَ
كَفَرُوا وَصدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْق الْعَذَابِ
بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ " .
وقال تعالى: "
اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْم الْقِيَامَةِ لاَ
رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصدَقُ مِن اللّه حَدِيثاً
" .
وقال تعالى: "
فَوَرب السَّمَاءِ وَالأرْض إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثلَ مَا أنَّكُمْ تَنْطِقُونَ
" .
وقال تعالى: "
يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أجِبْتُمْ قَالُوا لاَ عِلْمَ
لَنَا إِنَّكَ أنْتَ عًلاّمُ الغُيُوبِ
" .
وقال تعالى: "
فَلنَسْألن الَّذِينَ أرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلنَسْألن الْمُرْسَلِينَ،
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْم وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ وَالْوَزْنُ
يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأولئِكَ هُمُ المُفْلحونَ،
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينهُ فَأوْلئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ بِمَا
كَانًوا بآياتِنَا يَظْلِمُونَ
" .
وقال تعالى: "
يَوْمَ تَجِد كُلُّ نَفْس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَراً وَمَاعَمِلَتْ مِنْ
سُوء تَوَدُّ لَو أنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أمَداً بَعِيداً وَيُحذِّرُكُمُ
اللَّهُ نَفْسَهُ واللَّه رَؤوفٌ بالْعِبَاد
" .
وقال تعالى: "
حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْني وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمشْرِقَيْن
فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أنَّكُمْ في
الْعذَابِ مُشْتَرِكُونَ " .
وقال تعالى:
" وَيَوْمَ
نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلّذِينَ أشْرَكُوا مَكَانَكمْ أنْتُمُ
وَشُرَكَاؤكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤهُمْ مَا كُنْتُمْ
إِيَّانَا يَعْبدون، فَكَفَى بِاللَّهِ شَهيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكمْ إِنْ كُنَّا
عَنْ عِبَادَتِكمْ لَغَافِلِينَ، هُنَالِكَ تَبْلواْ كُلُّ نَفْس مَا أسْلَفَتْ
وَرُدواْ إِلى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا
يَفْتَرُونَ " .
وقال تعالى: "
يُنَبأ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قدَّمَ وَأَخَّرَ بَل الإنْسَانُ عَلَى
نَفْسِهِ بَصِيرةٌ وَلَوْ ألْقَى مَعَاذِيرَهُ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ
لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَه فَإِذَا قَرَأَنَاهُ
فَاتَّبعْ قُرْآنَهُ " .
وقال تعالى:
" وكُلَّ إِنْسَانٍ
ألْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ في عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَة كِتَاباً
يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ
حَسِيباً " .
وقال تعالى: "
وأنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا
أخِّرْنَا إِلَى أجَل قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوتَكَ وَنَتَّبع الرُسلَ أَوْ لَمْ تَكونُوا
أَقسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوال، وَسَكَنْتُمْ في مَساكِن
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفسَهُمْ
" .
وقال تعالى: "
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَام وَنُزِّلَ المَلاَئِكَةُ تُنْزِيلاً،
الْمُلْكُ يَؤْمَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحْمن وَكَانَ
يَوْمَاً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً، وَيَوْمَ
يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْث مَعَ الرَّسُولِ
سَبِيلاً، يا وَيْلَتي لَيتَنِي لَمْ أتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً، لَقَدْ أَضلَّنِي
عَن الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً
" .
وقال تعالى:
وَيَوْمَ يَحْشرُهُمْ وَمَا يَعْبدُونَ مِنْ دونِ اللَّهِ فَيَقولُ أَ أَنْتُمْ
أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هؤلاَء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالُوا سُبْحَانَكَ
مَاكَانَ يَنْبَغِي لَنَا أنْ نَتَّخِذَ مِنْ دونكَ مِنْ أَوْليَاءَ ولكِنْ مَتَّعْتَهُمْ
َوآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بوراً فَقَدْ كًذّبوكُمْ
بِمَا تَقولونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ
مِنْكمْ نُذِقْه عَذَاباً كَبْيراً
" .
وقال تعالى: "
هذَا يَوْمَ لاَ يَنْطِقُونَ وَلاَ يؤذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ
يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ هذَا يَوْمُ الْفَصْل جَمَعْناكُمْ وَالأَوّلين
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدون
" .
وقال تعالى: "
وَيَوْمَ يُنَادِيهمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كنْتُمْ تَزْعُمُونَ
قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَولُ ربَّنَا هؤلاء الَّذِينَ أَغوينا
أغوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبرَّأنَا إِلَيكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا
يَعْبُدُونَ وَقيلَ ادْعُوا شئرَكَاءكمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ
وَرَأوُا العَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدونَ وَيَوْمَ ينَادِيهِمْ
فَيَقُولُ مَاذَا أجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ كلم فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ
يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَاءَلونَ
" .
وقال تعالى: "
هَذَا يَوْمُ لاَ يَنْطِقُونَ وَلاَ يُؤذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلمكَذِّبين " .
أَي لا ينطقون بحجة
تنفعهم.
وقوله:
" ثمَّ لَمْ تَكُنْ
فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكينَ،
انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسَهمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانوا
يَفْتَرونَ " .
وكذلك قوله: "
يَوْمَ يَبْعَثهُمُ الله جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحلِفونَ لَكمْ
وَيَحْسَبُون أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ
" .
فهلا يكون في حال
آخر؟ كما قال ابن عباس في جواب ذلك في رواية البخاري عنه لمن سأَله عن مثل ذلك؟
وهكذا قوله تعالى: " وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءلُونَ
قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتمْ تَأْتُونَنَا عَن اليَمِين قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا
مؤمِنِيْنَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً
طَاغِين فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ ربنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ فَأَغوَيْناكُمْ
إِنَّا كنَّا غَاوِين، فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ في الْعَذَاب مُشْتَرِكُونَ "
إنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ، إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ
لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ، وَيَقُوولنَ أَئنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا
لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ، بَلْ جَاءَ بِالْحَق وَصدقَ الْمُرْسَلِينَ
" .
وقال تعالى: "
وَيَقُولُونَ مَتَى هذَا الوعد إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ مَا يَنْطرُونَ إِلاَّ
صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ، فَلاَ يَسْتَطِيعًونَ
تَوْصِيَةً وَلاَ إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ، وَنُفِخَ في الصُّورِ فَإِذَا هُمْ
مِنْ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبًهِم يَنْسِلُونَ، قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ
بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمرْسَلونَ،
إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا
مُحْضَرُونَ، فَالْيَومَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا
كنْتُمْ تَعْملونَ " .
وقال تعالى: " وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ
يَتَفَرَّقًونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ في
رَوْضَةٍ يحْبَرونَ، وأَمَّا الَّذِينَ كَفَروا وكًذّبُوا بِآيَاتِنَا وَلقَاءِ
الآخِرَةِ فَأولَئِكَ في العَذَابِ محْضَرونَ " . وقال تعالى: "
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّين الْقَيّم مِنْ قَبْل أَنْ يَأتِيَ يَوْمٌ لاَ مَرَدَّ
لَه من اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ مَنْ كَفَر فَعَليْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ
عَمِلَ صَالِحاً فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدونَ
" .
قال تعالى: "
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يقْسِمُ المُجْرِمُونَ مَا لَبِثًوا غَيْرَ سَاعَةٍ
كَذَلِكَ كَانواْ يُؤفَكُونَ، وَقَالَ الَّذِينَ أوتُوا الْعلْمَ وَالإِيمانَ لَقَدْ
لَبِثْتُمْ في كِتَابِ اللّه إِلَى يَوْم الْبَعْث فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ
وَلَكِنَّكُمْ كُنْتمْ لاَ تَعْلَمُونَ فَيَوْمَئِذٍ لاَ يَنْفَعُ الَّذِينَ
ظَلَمُوا معْذِرَتَهُمْ وَلاَ همْ يُسْتَعْتَبُونَ
" .
وقال تعالى: "
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثم يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهؤلاَء إِياكُمْ
كَانُوا يَعْبدونَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَليُّنَا مِنْ دونهِمْ بَلْ
كَانُوا يَعْبدُونَ الْجنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهمْ مُؤمِنُونَ، فَالْيَوْمَ لاَ
يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْض نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً ونَقُولُ للَّذِينَ ظَلَمُوا
ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ
" .
وقال تعالى: "
يا أيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لاَ يَجْزِي وَالدٌ عَنْ
وَلد وَلاَ مَوْلُودٌ هوَ جَازٍ عَنْ وَالِده شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ
فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغَرّنَّكُمْ بِاللَّهِ
الْغَرُور " .
وقال تعالى: "
إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْم مَجْمُوعٌ
لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَل
مَعْدُود يَوْمَ يأتِ لاَ تَكًلّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ
وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفيرٌ
وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَت السَّمَواتُ والأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ ربُّكَ
إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ
خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّموَاتُ والأَرضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ
عَطَاءَ غَيْرَ مَجْذُوذٍ " .
وقال تعالى:
" إِن يَوْمَ
الْفَصْل كَانَ مِيقَاتاً يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ فَتَأتُونَ أَفْوَاجاً
وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبَوَاباً وسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ
سَرَاباً إِنَّ جَهًنّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً لِلطَّاغِينَ مآبَاً لابِثينَ فيهَا
أَحْقَاباً لاَ يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلاَ شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً
وغَسَّاقاً جَزَاءَ وِفَاقاً إِنَّهُمْ كَانُوا لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً
وَكَذَّبُوا بِآيِاتِنَا كِذّاباً وكُلَّ شَيْء أَحْصيْنَاهُ كِتَاباً فَذُوقُوا
فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابَاَ إِنَّ لِلمتَّقِينَ مَفَازاً حَدَائِقَ
وأَعْنَاباً وكَوَاكِبَ أَتْرَاباً وَكَأساً دهاقاً لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا
لَغْواً وَلاَ كِذّاباً جَزَاءَ مِنْ ربِّكَ عَطَاءَ حِسَاباً رَبِّ السَّمواتِ وَالأَرْض
وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمن لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً يَوْمُ يَقُومُ
الرُّوح وَالْمَلاَئِكَةُ لاَ يَتَكًلّمونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ
وَقَالَ صَوَاباً ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى ربِّهِ
مآبَاً إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيبَاَ يَوْمَ يَنْطرُ الْمَرْءُ مَا
قدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابَاً
وقال تعالى: " بِسْم اللَّهِ الرَّحْمن
الرَّحِيم: إِذا الشَّمْسُ كوِّرَتْ وإِذَا النُّجُومُ انْكَدَّرَتْ وَإِذَا
الجِبَالُ سُيرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ
وإِذَا البِحَارُ سئجِّرَتْ وَإِذَا النُّفوش زوِّجَتْ وإِذَا الْمَوْءُودَةُ
سئِلَتْ بأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ
كُشِطَتْ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعَرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أزلفَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ
مَا أحْضَرَتْ " .
وقال تعالى: "
بِسْم اللَّهِ الرَّحْمن الرَّحِيم: إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وإِذَا
الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبَحَارُ فُجرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ
بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ يا أيُّهَا الإِنْسَانُ مَا
غَرَّكَ بِربِّكَ الْكَرِيم الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ في أيِّ
صُورَةٍ مَا شَاء رَكَّبَك بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدِّين وَإِنَّ عَلَيْكُمْ
لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ إِنَّ الأبْرَارَ
لَفِي نَعِيم وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيم يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّين
وَمَا هُمْ عَنْهَا بَغَائِبِينَ وَمَا أدرَاكَ مَا يَوْمُ الدين ثمَّ مَا
أدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّين يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْس شَيْئاً
وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ " .
وقال تعالى: "
إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأذِنَتْ لِربِّهَا وَحُقّتْ وَإِذَا الأرْضُ
مُدَّتْ وألْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخلَّتْ وأذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ يا أيُّهَا
الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ فَأمَّا مَنْ
أوتيَ كِتَابَهُ بِيَمينهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ
إِلَى أَهلهِ مَسْروراً وَأمَّا مَنْ أوتيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا
ثُبُوراً وَيَصْلَى سَعِيراً إِنَّهُ كَانَ في أهْلِهِ مسروراً إِنَّهُ ظَنَّ أنْ
لَنْ يَحُورَ بَلى إِنَّ رَ بَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً
" .
وقد قال الإِمام
أحمد: حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا عبد الله بن يحيى الصنعاني القاضي، أن عبد الرحمن
بن يزيد الصنعاني أخبره: أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من سَّره أن ينظر إلى يوم القيامة رأي عين فليقرأ " : " إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وإِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ وإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ
" وأحسب أنه قال: وسورة هود.
وكذا رواه الترمذي،
عن عباس العنبري، عن عبد الرزاق به، ثم رواه أحمد، عن إبراهيم بن خالد، عن عبد
الله بن بحر، عن عبد الرحمن بن يزيد من أهل صنعاء، وكان أعلم بالحلال والحرام من
وهب بن منبه، عن ابن عمر فذكر نحوه.
وفي الحديث الآخر:
" شيبتني هود وأخواتها " . والآيات في هذا كثيرة جداً في أكثر سور
القرآن العظيم.
وقد ذكرنا في
كتابنا التفسير ما عند كل آية من هذه الآيات الدالة على صفة يوم القيامة من الحديث
والآيات المفسرة لذلك، ونحن نورد هاهنا ما يسره الله تعالى بحول الله وقوته وعونه
وحسن توفيقه.
ذكر الأَحاديث
والآيات الدالة على أَهوال يوم القيامة وما يكون فيها من الأمور الكبار
قال الإِمام أحمد:
حدثنا أحمد بن عبد الملك، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الصهباء، حدثنا نافع أبو غالب
الباهلي، حدثني أنس بن مالك، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يبعث
الناس يوم القيامة والسماء تطش عليهم
" .
انفرد به أحمد
وإسناده لابأس به، وفي معنى قوله عليه الصلاة والسملام تطش عليهم احتمالان،
أحدهما: أن يكون ذلك من المطر يقال أصابهم طش من مطر وهو الخفيف منه، والثاني: أن
يكون ذلك من شدة الحر، والله أعلم.
وقد قال الله
تعالى: " ألاَ يَظُنًّ أولئِكَ أنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْم عَظِيم يَوْمَ
يَقُومُ النَّاسُ لرَبِّ الْعَالَمِينَ
" .
وقد ثبت في الصحيح
أنهم يقومون في الرشح إلى أنصاف آذانهم، وفي الحديث الآخر أنهم يتفاوتون في ذلك
بحسب أعمالهم كما تقدم.
وفي حديث الشفاعة
كما سيأتي: " إن الشمس تدنو من العباد يوم القيامة فتكون منهم على مسافة ميل،
فعند ذلك يعرفون بحسب الأعمال " .
وقد قال الإِمام
أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن ثور: عن أبي الغيث، عن
أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين عاماً، وإنه ليبلغ إلى أفواه
الناس أو إلى آذانهم " .
شك ثور أيهما قال،
وكذا رواه مسلم، عن قتيبة، وأخرجه البخاري، عن عبد العزيز بن عبد اللّه، عن سليمان
بن بلال، عن ثور بن زيد، عن سالم بن الغيث، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم مثله. وقد قال الإِمام أحمد:
حدثنا الضحاك بن
مخلد، عن عبد الحميد بن جعفر، حدثني أبي، عن سعيد بن عمير الأنصاري، قال: جلست إلى
عبد الله بن عمر وأبي سعيد فقال أحدهما لصاحبه: أي شيء سمعته من رسول الله صلى
الله عليه وسلم يذكر أنه يبلغ العرق من الناس يوم القيامة فقال أحدهما: إلى شحمته،
وقال الآخر: يلجمه، فخط ابن عمر وأشار أبو سعيد بأصبعه: من شحمة أذنه إلى فيه،
فقال: ما أدري ذلك إِلا سواء. تفرد به أحمد وإسناده جيد قوي.
وقال أبو بكر بن
أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن عيسى، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد
بن جابر، حدثني سليمان بن عامر، قال: حدثني المقداد بن الأسود: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: " إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون
قدر ميل أو ميلين " .
قال سليم: لا أدري
أي الميلين؟ أمسافة الأرض؟ أم الميل الذي تكحل به العين؟ قال: قال فتغمرهم الشمس
فيكونون في العرق بقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه العرق إلى عقبيه، ومنهم من يأخذه
إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجاماً.
قال: فرأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى فيه قال: " يلجمه إلجاماً " . وكذا رواه
الترمذي، عن سويد بن نصر عن ابن المبارك وقال: حسن صحيح، وأخرجه مسلم، عن الحكم بن
موسى، عن يحيى بن حمزة، عن أبي جابر نحوه.
وقال ابن المبارك:
عن مالك بن مغول، عن عبيد الله بن العرار، قال: " إِن الأقدام يوم القيامة
مثل النبل في القرن، والسعيد الذي يجد لقدميه موضعاً يضعهما وإن الشمس لتدني من
رؤوسهم حتى يكون بينها وبين رؤوسهم إما قال ميل أو ميلان، ويزاد في حرها تسعة
وتسعين ضعفاً " .
وقال الوليد بن
مسلم: عن أبي بكر بن سعيد عن مغيث بن سمي قال: " تركد الشمس فوق رؤوسهم على
أذرع وتفتح أبواب جهنم فتهب عليهم رياحها وسمومها، وتجري عليهم نفحاتها حتى تجري
الأنهار من عرقهم، أنتن من الجيف والصائمون في خيامهم في ظل العرش.
وقال الحافظ أبو
بكر البزار: حدثنا محمد بن منصور الطوسي، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا الفضل
بن عيسى الرقاشي، حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " إن العرق ليلزم المرء في الموقف حتى يقول: يا رب إرسالك بي إلى النار
أهون عليَّ مما أجد وهو يعلم ما فيها من شدة العذاب "
. إسناده ضعيف.
بعض من سيستظلون
بظل اللّه يوم القيامة
وقد ثبت في الصحيح
من حديث أبي هريرة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سبعة
يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي رواية إِلا ظل عرشه، إمام عادل، وشاب
نشأ في طاعة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمسجد، إذا خرج منه حتى يعود إليه،
ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، واثنان تحابا في الله،
اجتمعا على ذلك، وتفرقا على ذلك، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما
أنفقت يمينه " .
السابقون إلى ظل
اللّه يوم القيامة
وقال الإِمام أحمد:
حدثنا حسن ويحيى بن إسحاق قالا: حدثنا ابن لهيعة: قال:
حدثنا خالد بن أبي
عمران، عن القاسم، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون
من
السابقون إلى ظل الله يوم القيامة
قالوا: الله ورسوله أعلم: قال: الذين إذا أعطوا الحق
قبلوه، وإذا سألوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم
" .
تفرَّد به أحمد
وإسناده فيه ابن لهيعة، وقد تكلموا فيه، وشيخه ليس بالشهور.
هذا كله والناس
موقوفون في مقام ضنك ضيق، حرج، شديد، صعب، إِلا على من يسره الله عليه، فنسأل الله
العظيم، أن يهون علينا ذلك، وأن يوسع علينا، قال الله تعالى: "
وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادرْ مِنْهُمْ أحَداً
" .
وقال الإِمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا الأصبغ هو ابن
يزيد، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، حدثني زمعة: هو ابن عمرو الحرسي الشامي،
قال: سألت عائْشة فقلت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا قام من
الليل؟ وبم كان يستفتح؟.
فقالت: كان يكبر
عشر ويحمد عشراً ويهلل عشراً ويستغفر عشراً أو يقول: " اللهم اغفر لي واهدني
وارزقني " .
ويقول: اللهم إني
أعوذ بك من الضيق يوم القيامة " .
وكذا رواه النسائي
في اليوم والليلة عن أبي داود الحراني عن يزيد ابن هارون بإسناد مثله وعنده:
" من ضيق المقام يوم القيامة
" .
وقال أبو بكر بن
أبي الدنيا: حدثني محمد بن قدامة، حدثني يعقوب بن سلمة الأحمر، سمعت ابن السماك
يقول: سمعت أبا واعظ الزاهد يقول: " يخرجون من قبورهم فيبقون في الظلمات ألف
عام، والأرض يومئذ دكاء، إن أسعد الناس يومئذ من وجد لقدميه موضعاً
" .
وقال: حدثني هارون
بن سفيان: أخبرنا ابن نفيل، عن النضر بن عربي، قال: بلغني أن الناس إذا خرجوا من
قبورهم، كان شعارهم لا إله إِلا الله، وكانت أول كلمة يقولها برهم وفاجرهم: ربنا
ارحمنا " .
وحدثنا حمزة بن
العباس: أخبرنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان: عن أبي
صالح، قال: بلغني أن الناس يحشرون هكذا ونكس رأسه، ووضع يده اليمنى على كوعه اليسرى
" .
وحدثني عصمة بن
الفضل: حدثني يحيى بن يحيى، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، سمعت الشامي قال:
يخرجون من قبورهم وكلهم مذعورون فينادي مناد: " يَا عِبَادي لاَ خَوْفٌ
عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أنْتُمْ تَحْزَنُونَ
" .
فيطمع فيها الخلق،
فيتبعها: " الَّذِينَ آمَنُوا بآياتنا وَكَانُوا مُسلِمِينَ " . فييأس
منها الخلق غير الإِسلام.
بشارة نبوية عظيمة
للمؤمنينوروي من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس على أهل لا إله إِلا الله وحشة في
قبورهم، ولا يوم نشورهم، وكأني بأهل لا إله إِلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم،
ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن
" .
قلت: وله شاهد من
القرآن العظيم.
قال الله تعالى:
" إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الْحُسْنَى أولَئِكَ عَنْهَا
مُبْعَدونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ في مَا اشْتَهَتْ أنْفُسهُمْ
خَالدونَ لاَ يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الأكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ
هذَا يَوْمكمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعدون يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَي السِّجِل
لِلْكُتبِ كَمَاَ بَدَأنَا أوّلَ خَلْق نُعِيدهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كنَّا
فَاعِلِين " .
وقال أبو بكر بن
أبي الدنيا: أخبرنا أبو حفص الصفار، حدثنا جعفر بن سليمان، أخبرنا إبراهيم بن عيسى
اليشكري: بلغنا أن المؤمن إذا بعث من قبره، تلقاه ملكان، مع أحدهما ديباجة فيها
برد ومسك، ومع الآخر كوب من أكواب الجنة، فيه شراب، فإذا خرج من قبره خلط البرد
بالمسك، فرشه عليه، وصبّ له الآخر شربة فيتناوله إياها، فيشربها، فلا يظمأ بعدها
أبداً، حتى يدخل الجنة، فأما الأشقياء والعياذ بالله تعالى فقد قال الله تعالى في
شأنهم: " وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً
فَهُو لَهُ قَرِينٌ وإِنَّهُمْ ليَصُدُّونَهُمْ عَن السَّبِيل وَيَحْسَبُونَ
أنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بْيني وَبَيْنَكَ بُعْدَ
الْمشْرِقَيْن فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ
أَنَّكمْ في الْعَذَابِ مُشْرِكُونَ
" .
وذكرنا في التفسير:
أن الكافر إذا قام من قبره أخذ بيده شيطانه، فيلزمه ولا يفارقه حتى يرمى بهما إلى
النار، وقال تعالى: " وَجَاءَتْ كلُّ نَفْس مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ
" .
أي ملك يسوقه إلى المحشر، وآخر يشهد عليه بأعماله،
وهذا عام في الأبرار والفجار، وكل بحسبه، " لَقَدْ كنْتَ في غَفْلَةٍ مِنْ
هذَا " يعني أيها الإِنسان " فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصركَ
اليَوْمَ حَدِيدٌ " أي نافذ قوي. " وقَالَ قَرِينُهُ هذَا مَا لَدَيَّ
عَتِيدٌ " أي هذا الذي جئت به هو الذي وكلت به، فيقول الله تعالى للسائق
والشهيد: " أَلْقِيَا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاع لِلْخَيْرِ
مُعْتَدٍ مُرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهَاً آخَرَ فَألْقِيَاهُ في
الْعَذَابِ الشَّدِيدِ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ
في ضَلاَلٍ بَعيدٍ قَالَ لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قدَّمْتُ إِلَيْكُمْ
بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظلاَّم لِلْعَبِيدِ
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَل امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ
" .
بعض جزاء المتكبرين
يوم القيامةوقال الإِمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن عجلان، عن عمرو
بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يحشر المتكبرون
يوم القيامة أمثال الذر، في صور الناس، يعلوهم كل شيء من الصغار، حتى يدخلوا سجناً
من جهنم يقال له مويس، فتعلوهم نار الإِسار، فيسقون من طينة الخبال، عصارة أهل
النار " .
ورواه الترمذي
والنسائي جميعاً، عن سويد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك، عن محمد بن عجلان به،
قال الترمذي: حسن.
وقال الحافظ أبو
بكر البزار: حدثنا محمد بن عثمان العقيلي، حدثنا محمد بن راشد، عن محمد بن عمرو،
عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يحشر
المتكبرون في صور من الذر يوم القيامة
" .
ثم قال:
تفرّد به محمد بن
عثمان، عن شيخه الجشمي، حدثنا يحيى بن سعيد: عن هشام، أخبرنا قتادة، عن الحسن، عن
عمران بن حصين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بعض أسفاره، وقد تقارب بين
أصحابه السير، فرفع بهاتين الآيتين صوته: " يا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم " يَوْمَ تَرَوْنَهَا
تَذْهَلُ كُلًّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْل حَمْلَهَا
وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ
شَدِيد " .
فلما سمع ذلك
أصحابه، حثوا المطي وعلموا أنه عند قول يقوله، فلما باتوا حوله قال أتدرون أي يوم
ذاك؟ يوم ينادي آدم: يناديه ربه يقول: يا آدم: ابعث بعث النار قال: يا رب: وما بعث
النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة. قال:
فأبلس أصحابه ما ترى لأحدهم سن ضاحكة، فلما رأى ذلك، قال: اعلموا وأبشروا، فوالذي
نفس محمد بيده، إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه، يأجوج ومأجوج،
ومن هلك من بني آدم ومن بني إبليس، قال: فسري عنهم ثم قال: اعلموا وابشروا، فوالذي
نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إِلا كالشامة في جنب البعير والرقمة في ذراع
الدابة " .
وقد رواه الترمذي
والنسائي جميعاً، عن محمد بن بشار بندار، عن يحيى بن سعيد القطان به.
وقال الترمذي: حسن
صحيح.
فصلفإذا قام الناس
من قبورهم، وجدوا الأرض على غير صفة الأرض التي فارقوها قد دكت جبالها، و زالت
قلالها وتغيرت أحوالها، وانقطعت أنهارها، و بارت أشجارها، وسجرت بحارها، وتساوت
مهادها ورباها، وخربت مدائنها وقراها، وقد زلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، وقال
الإِنسان ما لها، وكذلك السموات، ونواحيها، قد تشققت، وأرجاؤها قد تفطرت،
والملائكة على أرجائها قد أحدقت وشمسها وقمرها مكسوفان، بل مخسوفان وفي مكان واحد
مجموعان، ثم يكوران بعد ذلك، ثم يلقيان كما جاء في الحديث الذي سنورده في النيران
كأنهما ثوران عقرا.
قال أبو بكر بن
عياش: قال ابن عباس: يخرجون فينظرون إلى الأرض فيرونها غير الأرض التي عهدوا، وإلى
الناس فيرونهم غير الناس الذين عهدوا، ثم تمثل ابن عباس يقول الشاعر:
فما الناس بالناس
الذين عهدتهم ... ولا الدار بالدار التي كنت أعرف
وقد قال الله تعالى
في كتابه العزيز: " يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْض وَالسَّمواتُ
وَبَرَزُوا لِلّهٍ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
" .
وقال تعالى: " فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ
فَكَانَتْ وَرْدةً كَالدهَانَ فَبأيِّ آلاَءِ رَبكُمَا تكَذِّبَانِ
" .
وقال تعالى: "
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذِ
وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ
يَوْمَئِذ ثَمَانِيَةٌ يَوْمَئِذ تُعْرَضُونَ لاَ يَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ
" .
وقال تعالى: "
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وإِذَا النُّجُومُ انْكَدرَتْ
" .
وقال: " إِذَا
السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَشَرَتْ
" .
وثبت في الصحيح، من
حديث أم حازم، عن سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يحشر الناس
يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد
" .
وقال محمد بن قيس:
وسعيد بن جبير: " إنه تبدل الأرض خبزة بيضاء، يأكل منها المؤمن من تحت قدميه
" .
وقال الأعمش: عن
خيثمة عن ابن مسعود، قال: " الأرض كلها يوم القيامة نار، والجنة من ورائها،
ترى كواعبها، وأكوابها، ويلجمهم العرق، ويبلغ أفواههم، ولم يبلغوا الحساب
" .
وكذا رواه الأعمش،
عن المنهال بن. قيس بن سليمان، عن ابن مسعود فذكره وقال اسرائيل، وشعبة: عن أبي
إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود، قال: " يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرضَ
غَيْرَ الأرْضَ " .
قال:
أرض كالفضة، نقية
لم يسفك عليها دم، ولم تعمل فيها خطيئة، يضمهم المحشر، ويناديهم الداعي، حفاة،
عراة، كما خلقوا، أراه قال: قياماً حتى يلجمهم العرق، وقد قال الإمام أحمد: حدثنا
عفان، حدثنا القاسم بن الفضل، قال: قال الحسن: قالت عائْشة: يا رسول الله: "
يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات
" .
أين الناس؟ قال:
" إن هذا الشيء ما سألني عنه أحد من أمتي قبلك، الناس على الصراط
" .
تفرَّد به أحمد،
ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا، أخبرنا علي بن الجعد، أخبرنا القاسم بن الفضل: سمعت
الحسن قال: قالت عائشة: فذكره ورواه قتادة، عن حسان بن بلال المزني، عن عائشة،
بمثل هذا سواء.
وقال ابن أبي
الدنيا: أخبرنا عبيد الله بن جرير العتكي، قال: حدثني محمد بن بكار الصيرفي،
أخبرنا الفضل بن معروف القطيعي، أخبرنا بشر بن حرب، عن أبي سعيد، عن عائشة، قالت:
بينما النبي صلى الله عليه وسلم واضع رأسه في حجري بكيت، فرفع رأسه، فقال: ما أبكاك
قلت: بأبي أنت وأمي: ذكرت قول الله عز وجل: " يوم تبدل الأرض غير الأرض
والسموات وبرزوا للّه الواحد القهار " . فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" الناس يومئذ على جسر جهنم والملائكة وقوف تقول: رب سلم: رب سلم:
فمن بين زال وزالة
" . هذا حديث غريب من هذا الوجه لم يخرجه أحد من الستة.
وقال الإِمام أحمد:
حدثنا محمد بن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة أنها قالت: أنا
أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: " يوم تبدل الأرض
غير الأرض والسموات وبرزوا للّه الواحد القهار
" قالت: قلت أين
الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: " على الصراط
" .
وأخرجه مسلم بن
الحجاج في صحيحه، والترمذي، وابن ماجه، من حديث داود بن أبي هند، وقال الترمذي حسن
صحيح، ورواه أحمد أيضاً عن عفان، عن وهب، عن داود، عن الشعبي عنها، ولم يذكر
مسروقاً.
وروى أحمد أيضاً من
حديث حبيب بن أبي عمرة، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن عائشة، أنها سألت رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن هذه الآية، ثم قالت: أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: "
هم على متن جهنم " .
وروى مسلم من حديث
أبي سلام، عن أسماء الرحبي، عن ثوبان، أن حبراً من اليهود سأل رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن هذه الآية: أين نكون يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " في الظلمة دون الجسر
" .
وقال ابن جرير:
حدثني ابن عوف، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا سعد بن ثوبان
الكلاعي، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: تأتى النبي صلى الله عليه وسلم حبر من اليهود،
فقال أرأيت إذ يقول الله في كتابه: " يَوْمَ تُبدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْض والسَّمواتُ
" فأين الخلق عند ذلك فقال: " أضياف الله، فلن يعجزهم ما لديه
" .
وكذا رواه ابن أبي
حاتم: من حديث أبي بكر بن أبي مريم.
وقد يكون هذا التبديل بعد المحشر، ويكون تبديلاً ثانياً
إلى صفة أخرى بعد أولى، والله تعالى أعلم.
قال ابن أبي
الدنيا: أخبرنا يوسف بن موسى، حدثنا وكيع، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن مالك، عن رجل
من بني مجاشع يقال له عبد الكريم، أو يكنى بأبي عبد الكريم، قال: أقمت عند رجل
بخراسان، فحدثني أنه سمع علي بن أبي طالب يقول:
" يَوْمَ تُبَدَّلُ
الأرْضُ غَيْرَ الأرْض وَالسَّموَاتُ " . قال: " ذكر لنا أن الأرض تبدل
فضة والسموات تبدل ذهباً " .
وكذا روى ابن عباس
وأنس بن مالك ومجاهد بن جبير وغيرهم.
ذكر طول يوم
القِيَامَةَ وَمَا وَرَدَ في تَعْدَاده
قال الله تعالى:
" وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ
وَإِنَّ يَوْمَاً عِنْدَ رَبِّكَ كَألْفِ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ "
.
قال بعض المفسرين
هو يوم القيامة وقال تعالى: " سَألَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع لِلْكَافِرِينَ
لَيس لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ فِي الْمَعَارِج تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ
وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ
فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً إِنَّهُمْ يَروْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً
" .
وقد ذكرنا في
التفسير اختلاف السلف والخلف في هذه الآية، فروى ليث بن أبي سليم وغيره، عن مجاهد،
عن ابن عباس، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال: " هو بُعد ما بين العرش
إلى الأرض السابعة " قال ابن عباس: وقوله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة
قال: هو بُعد ما بين العرش إلى الأرض السابعة. قال ابن
عباس وقوله: " فِي يَوْم كَانَ مِقْدَارهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ
" .
يعني بذلك نزول الأمر
من السماء إلى الأرض وصعوده من الأرض إلى السماء، لأن ما بين السماء والأرض مسيرة
خمسمائة عام، رواه ابن أبي حاتم، ورواه ابن جرير، عن مجاهد أيضاً، وذهب إليه
الفراء، وقاله أبو عبد الله الحليمي فيما حكاه عنه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب
البعث والنشور، قال الحليمي: والملك يقطع هذه المسافة فى بعض يوم، ولو أنها مسافة
يمكن أن تقطع لم يتمكن أحد من مسيرها إلا في مقدار خمسين ألف سنة، قال: وليس هذا
من تقدير يوم القيامة بسبيل، ورجح الحليمي هذا بقوله: " مِنَ اللَهِ ذِي
الْمَعَارِج " يعني العلو والعظمة كما قال تعالى: " رَفِيعُ الدَرَجَاتِ
ذو الْعَرْش " .
ثم فسر ذلك بقوله:
" تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ والروحُ إلَيْهِ فِي يَوْم " أي في مسافة
" كَانَ مقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَة " ، أي بُعدها واتسّاعُهَا هَذِهِ
الْمدَّةُ.
فعلى هذا القول،
المراد بذلك مسافة المكان، هذا قول والقول الثاني: أن المراد بذلك مدة الدنيا.
قال أبو محمد عبد
الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا ابن
أبي زائدة، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله تعالى: " كَانَ مِقْدَارهُ
خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ " .
قال: الدنيا عمرها
خمسون ألف سنة، ذلك عمرها يوم سماها تعالى يوماً. فقال: " تَعرجُ الملائكةُ
والروح إليهِ في يوم " قال: اليوم الدنيا.
وقال عبد الرزاق، أخبرنا
معمر عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وعن الحكم بن أبان، عن عكرمة، في يوم كان مقداره
خمسين ألف سنة قال: الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة لا يدري أحد كم مضى
ولا كم بقي إلا الله عز وجل، وذكره البيهقي من طريق محمد بن ثور، عن معمر به، وهذا
قول غريب جداً لا يوجد في كثير من الكتب المشهورة والله أعلم.
القول الثالث:
المراد بذلك فصل ما بين الدنيا ويوم القيامة، رواه ابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب
القرظي وهو غريب أيضاً.
القول الرابع: أن
المراد بذلك يوم القيامة قال ابن أبي حاتم، حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا عبد
الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في يوم كان مقداره
خمسين ألف سنة، قال: يوم القيامة إسناده صحيح، ورواه الثوري عن سماك، عن عكرمة من
قوله وبه قال الحسن والضحاك وابن زيد قَال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن إدريس،
أخبرنا الحسن بن رافع أخبرنا ضمرة، عن شوذب، عن زيد الرشد، قال: يقوم الناس يوم
القيامة ألف سنة ويقضى بينهم في مقدار عشرة آلاف سنة.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يوم القيامة جعله
الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة.
وقال الكلبي في
تفسيره: وهو يرويه عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: " لو ولي محاسبة العباد غير
الله لم يفرغ في خمسين ألف سنة
" .
قال البيهقي: وفيما
ذكر حماد بن زيد، عن أيوب قال: قال الحسن: ما ظنك بيوم قاموا فيه على أقدامهم
خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة حتى تقطعت أعناقهم عطشاً
واحترقت أجوافهم جوعاً ثم انصرف بهم بعد ذلك إلى النار فسقوا من عين آنية قد أنى
حرها واشتد نضجها وقد ورد هذا في أحاديث متعددة والله أعلم.
يوم القيامة على
طوله وشدته أخف على المؤمن من أداء صلاة مكتوبةقال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن
موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، قال: قيل لرسول
الله صلى الله عليه وسلم: " يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده إنه ليخف على المؤمن
حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا
" .
ورواه ابن جرير في تفسيره
عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج به ودراج أبو
السمح وشيخه أبو الهيثم سليمان بن عمرو العيواري ضعيفان.
على أنه قد رواه
البيهقي بلفظ آخر فقال: أخبرنا أبو بكر بن الحسن القاضي، وأبو سعيد بن أبي عمرو
قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا أبو
سلمة الخزاعي، حدثنا خلاد بن سليمان الحضرمي، وكان رجلاً من الخائفين قال: سمعت
دراجاً أبا السمح يخبر من يحدثه، عن أبي سعيد الخدري، أنه أتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: أخبرني من يقوى على القيام يوم القيامة الذي قال الله تعالى فيه:
" يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرب العَالَمِينَ
" .
فقال صلى الله عليه
وسلم: " يخفف على المؤمن حتى يكون عليه كالصلاة المكتوبة
" .
وقال عبد الله بن
عمرو: " إن للمؤمنين يوم القيامة كراسي من نور، يجلسون عليها، ويظلل عليهم
الغمام، ويكون يوم القيامة عليهم كساعة من نهار أو كأحد طرفيه "
. رواه ابن أبي
الدنيا في الأهوال.
بعض ما أعد من
العذاب لمانعي الزكاةوقال أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد، عن سهيل بن أبي صالح،
عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من صاحب
كنز لا يؤدي حقه، إلا جعل صفائح يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها جبهته وجنباه
وظهره، حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم
يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار
" .
وذكر بقية الحديث
في مانع زكاة الغنم والإِبل أنه ينطح لها بقاع قرقر تطأه بأخفافها وأظلافها،
وتنطحه بقرونها، كلما مرت عليه أخراها أعيدت عليه أولاها، حتى يقضي بين العباد، في
يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى
النار " .
وهكذا رواه أبو
داود الطيالسي في مسنده، أخبرنا وهيب بن خالد، وكان ثقة، حدثنا سهيل بن أبي صالح،
عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي فذكر نحوه، وأخرجه مسلم، من حديث روح بن القاسم وعبد
العزيز بن المختار، كلاهما عن سهيل، به مثله، وأخرجه مسلم أيضاً من حديث زيد بن
أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعاً في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم.
وقد روى الإِمام
أحمد، وأبو داود، من حديث شعبة والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة، كلاهما عن
قتادة، عن ابن عمر الغداني، عن أبي هريرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول: " من كانت له إبل لا يعطي حقها في نجدها ورسلها يعني في عسرها ويسرها،
فإنها تأتي يوم القيامة كأغزر ما كانت، وأكثره، وأسمنه، وأسره حتى ينطح لها بقاع
قرقر، فتطأه بأخفافها، فإذا جاوزته أخراها، أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين
ألف سنة، حتى يقضي بين الناس، فيرى سبيله، وإن كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدها
ورسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغد ما كانت، وأكبره، وأسمنه، وأسره وأكثره
وأنشره، ثم يبطح لها بقاع قرقر، فتطأه كل ذات ظلف بظلفها، وتنطحه كل ذات قرن
بقرنها، إذا جاوزته أخراها، أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة،
حتى يقضي بين الناس، فيرى سبيله
" .
قال البيهقي: وهذا لا يحتمل إلا تقدير ذلك اليوم
بخمسين ألف سنة مما تعدون والله أعلم.
يوم القيامة طويل
عسير على العصاة وهو على أهل التقوى غير طويل ولا عسيرثم لا يكون ذلك كذلك إلا على
الذي لا يغفر له، فأما من غفر له ذنبه من المؤمنين، فأخبرنا أبو عبد الله الحافظ
حدثنا الحسن بن محمد بن حكيم، أخبرنا أبو الموجه، أخبرنا عبدان، أخبرنا عبد الله
هو ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة قال: "
يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر إلى العصر " ثم قال: هذا هو
المحفوظ.
وقد روي مرفوعاً
أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثني عبد الله بن عمر، ابن علي الجوهري بمرو، حدثنا يحيى
بن سويد بن عبد الكريم، حدثنا سويد بن نصر، حدثنا ابن المبارك، فذكره بإسناده
مرفوعاً.
وقال يعقوب بن
سفيان: حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، حدثنا عبد الرحمن بن ميسرة، عن أبي
هانىء، عن أبي عبد الرحمن الحلبي، عن عبد الله بن عمرو قال: " تلا رسول الله
صلى الله عليه وسلم هذه الآية: " يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
" .
فقال: " كيف
بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم "
؟ وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان،
حدثنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن ميسرة، عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة، عن
عبد الله بن مسعود قال: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم
قرأ: " إنَّ مَقِيلَهُمْ لإلى الْجَحِيم " . قال ابن المبارك هكذا في
قراءة ابن مسعود.
ثم قال: حدثنا
إسحاق بن إسماعيل، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن ميسرة الهنديَ، عن المنهال بن
عمرو، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: " أصْحَابُ
الْجنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْز مُسْتَقرّاً وَأحْسَنُ مَقِيلاً " . قال: لا
ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء.
ذكر المقَام
المحمُود
الذي يخصّ به رسول
الله صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْن سَائِر
الأَنبيَاء وَمِنْ
ذَلِكَ الشفَاعَة الْعُظْمَى في أَهل الْمَوقف ليجِيء الربّ عَزَّ وَجَلَّ فيفصل
بَيْنَهُمْ ويريحَ المؤمنين مِنْ تِلْكَ الْحَال إِلَى حُسن المآل قال الله تعالى:
" وَمِنَ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ
رَبًّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً " .
قال البخاري:
حدثنا علي بن عباس،
حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمعٍ النداء: " اللهم رب هذه
الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة، والفضيلة، وابعثه مقاما
محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة " . انفرد به مسلم.
الشفاعة هي المقام
المحمودوقال الإِمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا داود، وهو ابن يزيد بن عبد الرحمن
المعافري عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " عَسَى أنْ
يَبَعْثُكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً " . قال: الشفاعة " إسناده حسن.
أعطي الرسول عليه الصلاة والسلام خمساً لم يعطهن أحد من أنبياء الله ورسله صلوات
الله عليهم أجمعين.
وثبت في الصحيحين
وغيرهما من حديث جابر وغيره، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "
أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي
المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهراً، فأيما رجل من أمتي
أدركته الصلاة فليصل، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إلى
قومه وبعثت إلى الناس عامة " .
فقوله وأعطيت
الشفاعة. يعني بذلك الشفاعة التي تطلب من آدم فيقول: لست بصاحب ذاكم، اذهبوا إلى
نوح، فيقول لهم كذلك، ويرشدهم إلى إبراهيم، فيرشدهم إلى موسى، ويرشدهم موسى إلى
عيسى، فيرشدهم عيسى إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: " أنا لها أنا لها
" .
وسيأتي ذلك مبسوطاً
في أحاديث الشفاعة في إخراج العصاة من النار وقد ذكرنا طرق هذا الحديث بطوله عن
جماعة من الصحابة عند تفسير هذه الآية الكريمة من كتابنا التفسير بما فيه كفاية.
الرسول عليه السلام
سيد ولد آدم يوم القيامة
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول
شافع، وأول مشفع " .
ولمسلم أيضاً عن
أبي بن كعب رضي الله عنه، في حديث قراءة القرآن على سبعة أحرف، قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقلت: " اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب فيه إلى
الخلائق حتى إبراهيم " .
الرسول إمام
الأنبياء يوم القيامةوقال أحمد: حدثنا أبو عامر الأزدي: حدثنا زهير بن محمد، عن
عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي كعب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة كنت إمام الأنبياء، وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم
غير فخر " .
ورواه الترمذي،
وابن ماجه من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال أحمد: حدثنا
يزيد بن عبد ربه، حدثني محمد بن حرب، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن
عبد الله بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يبعث الناس
يوم القيامة، فأكون أنا وأمتي على تل، ويكسوني ربي عز وجل حلة خضراء، ثم يؤذن لي
فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود
" .
وقال الإِمام أحمد:
حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن خبر، عن
أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أول من يؤذن له
بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يؤذن له أن يرفع رأسه، فأنظر من بين يدي فأعرف
أمتي من بين الأمم، ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، فقال رجل: يا رسول الله
كيف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: هم غر
محجلون من أثر الوضوء، ليس أحد كذلك غيرهم، وأعرفهم بأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم
يسعى بين أيديهم ذريتهم " .
وقال أحمد: حدثنا
يونس بن محمد، حدثنا حرب بن ميمون أبو الخطاب الأنصاري، عن النضر بن أنس قال:
حدثني نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني لقائم أنتظر أمتي بعد الصراط،
إذا جاءني عيسى عليه الصلاة والسلام فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد، يسألونك،
أو قال: يجتمعون إليك، يدعون الله أن يفرق بين جميع الأمم إلى حيث شاء الله.
فالخلق ملجمون بالعرق، فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة، وأما الكافر فيغشاه الموت
فيه، فقال: انتظر حتى أرجع إليك، فذهب نبي الله صلى الله عليه وسلم فقام تحت
العرش، فيلقى ما لم يلق ملك مصطفى، ولا نبي مرسل، فأوحى الله إلى جبريل أن اذهب
إلى محمد وقل له: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فتشفعت في أمتي، فأخرج من كل
تسعة وتسعين إنساناً واحداً، فما زلت أتردد إلى ربي، فلا أقوم فيه مقاماً إلا
شفعت، حتى أعطاني الله من ذلك أن قال: يا محمد أدخل من أمتك من قال: أشهد أن لا
إله إِلا الله يوماً واحداً مخلصاً ومات على ذلك
" .
وروى الإِمام أحمد
من حديث علي بن الحكم البناني عن عثمان، عن إبراهيم، عنَ علقمة والأسود، عن ابن
مسعود فذكر حديثاً طويلاً وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " وإني
لأقوم المقام المحمود يوم القيامة
" .
فقال رجل من
الأنصار: يا رسول الله: وما ذاك المقام المحمود قال: " ذاك إذا جيء بكم حفاة،
عراة، غرلاً، فيكون أول من يكسى إبراهيم، يقول الله سبحانه: اكسوا خليلي، فيؤتى
بريطتين بيضاوين فيلبسهما، ثم يقعد مستقبل العرش ثم أوتى بكسوتي، فألبسها، فأقوم
عن يمينه مقاماً لا يقومه أحد، فيغبطني به الأولون والآخرون " قال: "
ويفتح لهم من الكوثر إلى الحوض " . وذكر تمام الحديث في صفة الحوض كما سيأتي
قريباً.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن مسلمة،
أخبرنا ثابت، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يطول على الناس
يوم القيامة فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر فليشفع لنا إلى ربنا
فليقض بيننا، فيأتون إليه فيقولون اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فيقول إني لست هناكم
ولكن ائتوا نوحاً رأس النبيين فيأتونه فيقولون يا نوح: اشفع لنا إلى ربك فليقض
بيننا، فيقول إنا لست هناكم ولكن ائتوا ابراهيم نبي الله وخليله، قال: فيأتونه
فيقولون يا إبراهيم إشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا فيقول إني لست هناكم ولكن ائتوا
موسى كليم الله الذي اصطفاه الله برسالاته وبكلامه فيأتونه فيقولون يا موسى: إشفع
لنا إلى ربك فليقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته،
فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا فيقول إني لست هناكم
ولكن ائتوا محمداً، فإنه خاتم النبيين وإنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر،
ويقول عيسى: أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه هل كان يقدر على ما في الوعاء
حتى يفض الخاتم فيقولون: لا فيقول إن محمداً خاتم النبيين قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " فيأتوني فيقولون يا محمد اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فأقول:
نعم فآتي باب الجنة فآخذ بحلقة الباب فأستفتح فيقال: من أنت؟ فأقول: محمد فيفتح لي
فأخر ساجداً فأحمد ربي بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد يكون
بعدي، فيقول: ارفع رأسك وقل يسمع منك وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول يا رب أمتي أمتي
فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان. قال: فأخرجهم ثم أخرّ ساجداً
" .
وقد رواه البخاري
ومسلم من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس به.
رواية أبي هريرة
رضي اللّه عنه
قال الإِمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا أبو حيان حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم فدفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهش منها نهشة ثم قال: " أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينقدهم البصير وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه وما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم فيأتون آدم فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة ليسجدوا لك فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحاً فيقولون يا نوح أنت المرسل إلى أهل الأرض وسماك الله عبداً شكوراً فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه كانت لي دعوة على قومي: نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم: أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض فاشفع لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله: نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى عليه السلام فيقولون يا موسى: أنت رسول الله اصطفاك برسالاته وبتكليمه على الناس اشفعِ لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا فيقول لهم موسى إن ربي غضب اليوم غضباَ لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها. نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى عليه السلام فيقولون يا عيسى: أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه قال هكذا هو وكلمت الناس في المهد فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا. فيقول لهم عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنباً، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد فيأتوني، فيقولون يا محمد: أنت رسول الله وخاتم النبيين غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فاشفع لنا الى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فأقوم فأقف تحت العرش فأقع ساجداً لربي عز وجل، ثم يفتح الله ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على أحد قبلي فيقال: يا محمد إرفع رأسك سل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي يا رب أمتي أمتي يارب أمتي أمتي فيقول: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سواه من أبواب، ثم قال: والذي نفس محمد بيده لما بين مصراعين من مصاريع الجنة. لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى " . أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن حبان يحيى بن سعيد بن حبان به، ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا في الأهوال، عن أبي خيثمة، عن جرير، عن عمار بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بطوله، وزاد في السياق: " وإني أخاف أن يطرحني في النار انطلقوا إلى غيري في قصة آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى " وهي زيادة غريبة جداً ليست في الصحيحين ولا في أحدهما والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة،
عن علي بن زيد، عن أبي نصرة المنذر بن مالك بن قطعة قال: خطبنا ابن عباس رضي الله عنهم
على منبر البصرة فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه لم يكن نبي
إلا له دعوة قد استجيبت في الدنيا وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وأنا سيد ولد
آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد
ولا فخر. آدم فمن دونه تحت لوائي ولا فخر ويطول يوم القيامة على الناس فيقول بعضهم
لبعض: انطلقوا بنا إلى أبينا فيشفع لنا إلى ربنا فليقض بيننا فيأتون آدم فيقولون
يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته اشفع لنا إلى ربك
فليقض بيننا فيقول: إني لست هناكم أني قد خرجت من الجنة وإنه لا يهمني اليوم إلا
نفسي، ولكن ائتوا نوحاً رأس النبيين فذكر الحديث كنحو ما تقدم إلى أن قال: فيأتوني
فيقولون يا محمد اشفع لنا الى ربك فليقض بيننا فيقول: أنا لها حتى يأذن الله لمن يشاء
ويرضى فإذا أراد اللهّ أن يصدع بين خلقه نادى مناد: أين أحمد وأمته؟ فنحن الآخرون
الأولون آخر الأمم وأول من يحاسب فتفرج لنا الأمم طريقاً فنمضي غراً محجلين من
الوضوء فتقول الأمم: كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها فآتي باب الجنة
" .
وذكر تمام الحديث
في الشفاعة في عصاة هذه الأمة، وقد ورد هذا الحديث هكذا عن جماعة من الصحابة منهم
أبو بكر الصديق رضي الله عنه، والعجب كل العجب من إيراد الأئمة لهذا الحديث من
أكثر طرقه لا يذكرون أمر الشفاعة الأولى في أن يأتي الرب لفصل القضاء، كما ورد هذا
في حديث الصور كما تقدم، وهو المقصود في هذا المقام، ومقتضى سياق أول الحديث أن
الناس إنما يستغيثون إلى آدم فمن بعده من الأنبياء طمعاً في أن يفصل بين الناس
ويستريحوا من مقامهم ذلك، كما دلت عليه سياقاته من سائر طرقه، فإذا وصلوا إلى
المحشر فإنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة وإخراجهم من النار، وكان مقصود السلف
في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من
المعتزلة الذين أنكروا خروج أحد من النار بعد دخولها يذكرون هذا القدر من الحديث
الذي فيه النص الصريح في الرد عليهم فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالفة للأحاديث،
وقد جاء التصريح بذلك في حديث الصور كما تقدم أن الناس يذهبون إلى آدم ثم إلى نوح
ثم إلى إبراهيم وموسى وعيسى، ثم يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذهب فيسجد
لله تحت العرش في مكان يقال له الفحص فيقول الله ما شأنك؟ وهو أعلم قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " فأقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك فاقض
بينهم، فيقول الله: قد شفعتك، قال: فأرفع رأسي فأقف مع الناس ثم ذكر انشقاق السموات
وتنزل الملائكة والغمام ثم مجيء الرب تعالى لفصل القضاء والكروبيون والملائكة
المقربون يسبحون بأنواع التسبيح قال: فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرض ثم يقول: إني
أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا أسمع أقوالكم وأرى أعمالكم فأنصتوا لي، فإنما
هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم فمن وجد منكم خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا
يلومن إلا نفسه " .
وقال عبد الرزاق:
أخبرنا معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسن زين العابدين، قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " إذا كان يوم القيامة مدّ الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون
لبشر من الناس إلا موضع قدميه " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن عز وجل، والله ما رآه قبلها فأقول أي رب
إن هذا أخبرني أنك أرسلته لي فيقول الله: صدق ثم اشفع، فأقول يا رب عبادك الذين
عبدوك والذين لم يعبدوك في أطراف الأرض أي وقوف في أطراف الأرض أي الناس مجتمعون
في صعيد واحد مؤمنهم وكافرهم فيشفع عند الله ليأتي فصل القضاء بين عباده ويميز
مؤمنهم من كافرهم في الموقف والمصير وفي الحال والمآل " ولهذا قال ابن جرير:
قال أكثر أهل التأويل في قوله تعالى: " عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ
مَقَاماً مَحْمُوداً " .
هو المقام الذي
يقومه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من
عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم.
وقال البخاري: حدثنا إسماعيل بن أبان، حدثنا أبو
الأحوص، عن آدم بن علي، سمعت ابن عمر قال: إن الناس يسيرون يوم القيامة حثيثاً كل
أمة تتِبع نبيها يقولون يا فلان اشفع يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي
صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله مقاماً محموداً.
قال: ورواه حمزة بن
عبد الله، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
سؤال الناس يسبب
سقوط لحم وجه السائل يوم القيامةوقد أسند ما علقه هاهنا في موضع آخر من الصحيح
فقال في كتاب الزكاة: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عبيد الله بن أبي جعفر،
سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا
يزال العبد يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعمة لحم " وقال:
" إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الآذان فبينما هم كذلك
استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد " . زاد عبد الله ابن يوسف، حدثني الليث، عن
أبي جعفر. " فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه
الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم
" .
وكذا رواه ابن
جرير، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شعيب بن الليث، عن أبيه به نحوه والله
سبحانه وتعالى أعلم.
ذكرَ مَا وَرَدَ في
الْحَوض المحمدي
سَقَانَا اللَّهُ
مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَة
من الأحاديث
المشهورة المتعددة من الطرق المأثورة الكثيرة المتضافرة وإن رغمت أنوف كثير من
المبتدعة المكابرة القائلين بجحوده المنكرين لوجوده وأخلق بهم أن يحال بينهم وبين
وروده كما قال بعض السلف: من كذب بكرامة لم ينلها، ولو اطلع المنكر للحوض على ما
سنورده من الأحاديث قبل مقالته لم يقلها.
بعض الصحابة الكرام
الذين صدقوا بالحوض وآمنوا بكونه يوم القيامة ورووا الأحاديث فيه
روي ذلك عن جماعة
من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، منهم أبي بن كعب، وجابر بن سمرة، وجابر بن عبد
الله، وجندب بن عبد الله البجلي، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي، وحارثة بن وهب،
وحذيفة بن أسيد، وحذيفة بن اليمان، وسمرة بن جندب، وسهل بن سعد، وعبد الله بن زيد
بن عاصم، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد
الله بن مسعود، وعتبة بن عبد السلمي، وعقبة بن عامر الجهمي، والنواس بن سمعان،
وأبو أمامة الباهلي، وأبو برزة الأسلمي، وأبو بكرة، وأبو ذر الغفاري، وأبو سعيد
الخدري، وأبو هريرة الدوسي، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة، وأم سلمة رضي الله تعالى
عنهم أجمعين وعاد علينا من بركاتهم، وامرأة حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وهم من بني النجار.
رواية أبي بن كعب
الأنصاري سيد الفقراء رضي اللّه تعالى عنه من شرب من الحوض
روي فلم يظمأ أبداً
ومن حرم الشرب منه حرم الري أبداً قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أبو زرعة الدمشقي.
حدثنا محمد بن الصلت، حدثنا عبد الغفار بن القاسم، عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش،
عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الحوض فقال أبي بن كعب: يا
رسول الله ما الحوض؟ فقال: " أشد بياضاً من اللبن وأبرد من الثلج وأحلى من العسل
وأطيب ريحاً من المسك من شرب منه شربة لم يظمأ أبداً ومن صرف عنه لم يرو أبداً
" .
ورواه أبو بكر بن
أبي عاصم في كتاب السنّة حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا عبد
الغفار بن القاسم، فذكر بإسناده نحوه.
ولفظه:
قيل يا رسول الله
وما الحوض؟ قال: " والذي نفسي بيده إن شرابه أبيض من اللبن وأحلى من العسل
وأبرد من الثلج وأطيب ريحاً من المسك وآنيته أكثر عدداً من النجوم لا يشرب منه
إنسان فيظمأ أبداً ولا يصرف عنه إنسان فيروى أبداً
" .
لم يخرجه أحد من
أصحاب الكتب الستّة ولا الإِمام أحمد أيضاً.
رواية أنس بن مالك
رضي اللّه عنه الأنصاري خادم النبي صلى الله عليه وسلم
قال البخاري: حدثنا
سعيد بن عفير، حدثنا ابن وهب، عن يونس قال ابن شهاب: حدثني أنس بن مالك رضي الله
عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن قدر حوضي كما بين أيلة
وصنعاء من اليمن وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء
" .
وكذا رواه مسلم
أيضاً عن حرملة بن وهب رضي الله تعالى عنه.
طريق أخرى هن أنس
بن مالك رضي اللّه عنه
قال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا وهيب،
حدثنا عبد العزيز، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" ليردن علي الناس من أصحابي، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول: أصحابي.
فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك
" .
ورواه مسلم: عن
محمد بن حاتم عن عفان، عن وهيب بن خالد، عن عبد العزيز بن صهيب به.
الكوثر نهر في
الجنة أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طريق أخرى عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه
قال الإِمام أحمد:
حدثنا محمد بن فضيل، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "
أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه
مبتسماً إما قال هو، وإما قالوا له: " لم ضحكت، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " إنه أنزلت علي آنفاً سورة، فقرأ: " بِسْم اللّه الرَّحْمن
الرَّحِيم إِنَّا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ
" .
حتى ختمها ثم قال:
هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في
الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد
منهم فأقول: يا رب، إنه من أمتي، فيقال: " إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك
" .
وهذا ثلاثي
الإِسناد، ورواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، من حديث محمد بن فضيل، وعلي بن مسهر،
كلاهما عن المختار بن فلفل عن أنس به.
ولفظ مسلم: "
هو نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو حوضي ترد عليه أمتي يوم القيامة
" .
والباقي مثله..
ومعنى ذلك أنه يشخب من الكوثر ميزابان إلى الحوض، والحوض في العرصات، قبل الصراط،
لأنه يختلج عنه ويمنع منه أقوام قد ارتدوا على أعقابهم ومثل هؤلاء لا يجازون
الصراط، كما سيرد من طرق متعددة، وقد جاء مصرحاً به أنه في العرصات، كما ستراه
قريباً، إن شاء الله تعالى.
طريق أخرى عن أنس
رضي اللّه تعالى عنه
قال أحمد: حدثنا
أبو عامر، وأزهر بن القاسم، حدثنا هشيم، عن قتادة، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: " مثل ما بين ناحيتي حوضي مثل ما بين المدينة وصنعاء، ومثل ما بين
المدينة وعمان " .
ورواه مسلم: عن أبي
عامر، عن عبد الملك بن عمرو، وأخرجه مسلم أيضاً عن عاصم بن النضر الأول، عن
المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس بنحوه.
طريق أخرى عن أنس رضي
اللّه عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أحمد: حدثنا
يونس، وحسن بن موسى قالا: حدثنا حماد بن سلمة رضي الله عنه، ورواه أحمد أيضاً عن
عفان، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زياد، عن الحسن، عن أنس رضي الله عنه، أن قوماً
ذكروا عند عبيد الله بن زياد الحوض فأنكره وقال: ما الحوض فبلغ ذلك أنساً رضي الله
عنه، فقال: لا جرم والله لأفعلن فأتاه فقال: ذكرتم الحوض فقال عبيد الله: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره، فقال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
أكثر من كذا وكذا مرة يقول: " إن ما بين طرفيه كما بين أيلة إلى مكة، أو ما
بين صنعاء ومكة، وإن آنيته لأكثر من عدد نجوم السماء " انفرد به أحمد.
وقد رواد يحيى بن محمد
بن ساعد، عن سوار بن عبد الله القاضي العنبري، عن معاذ بن معاذ العنبري، عن أشعث
بن عبد الله الحمراني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال:
قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " حوضي ما بين كذا إلى كذا، فيه من الآنية عدد نجوم السماء،
أحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأبيض من اللبن، من شرب منه لم يظمأ أبداً، ومن لم
يشرب لم يرو أبداً " .
طريق أخرى عن أنس
بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلمقال الحافظ أبو يعلى: حدثني عبد الرحمن
هو ابن سلام، حدثنا أحمد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه، أن عبد الله بن
زياد قال: يا أبا حمزة: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الحوض فقال:
" لقد تركت بالمدينة عجائز يكثرن أن يسألن الله أن يوردهن حوض محمد صلى الله
عليه وسلم " .
طريق أخرى عن أنس
رضي اللّه عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أبو يعلى أيضاً: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا عمر بن
يونس الحنفي، حدثنا عكرمة هو ابن عمار، عن يزيد الرقاشي قال: قلت يا أبا حمزة:
" إن قوماً يشهدون علينا بالكفر والشرك، فقال أنس: أولئك شر الخلق والخليقة،
قلت: ويكذبون بالحوض: فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن لي
حوضاً كما بين إيلياء إلى الكعبة أو قال: صنعاء، أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من
العسل فيه آنية عدد نجوم السماء ينبعث فيه عدة ميزابات من الجنة من كذب به لم يصب
منه الشرب " . صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
طريق أخرى عنه رضي
اللّه عنه
قال الحافظ أبو بكر
أحمد بن عبد الخالق البزار في مسنده: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا أبو داود، حدثنا
المسعودي، عن عدي بن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " حوضي من كذا إلى كذا، فيه من الآية عدد النجوم، أطيب ريحاً من المسك،
وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأبيض من اللبن، من شرب منه شربة لم يظمأ أبداً،
ومن لم يشرب منه لم يرو أبداً " .
ثم قال: لا نعلمه
يروى بهذا اللفظ إلا عن أنس بهذا الإِسناد ولم يرو عدي بن ثابت عن أنس رضي الله
عنه سواه، ولا رواه إلا المسعودي، وهذا إسناد جيد، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب،
ولا أحمد بن حنبل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
طريق أخرى عن أنس
أيضاً خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن أبي
الدنيا: حدثني الحسن بن الصباح، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا موسى بن عبيدة، عن
أبي بكر بن عبيد الله بن أنس، عن جده أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: " رأيت حوضي، فإذا على حافتيه آنية مثل نجوم السماء،
فأدخلت يدي فإذا هو عنبر أذفر " .
رواية بريدة رضي
اللّه تعالى عنه ابن الخصيب الأسلمي
قال الحافظ أبو
يعلى: حدثنا يحيى بن معين، حدثنا يحيى بن يمان، عن عائذ بن بشر البجلي، عن علقمة
بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " حوضي كما بين عمان إلى اليمن، فيه آنية عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة
لم يظمأ بعدها أبداً " .
وهكذا رواه ابن
صاعد، وابن أبي الدنيا، عن عبد الله بن وضاح الأزدي اللؤلؤي، عن يحيى بن يمان به..
ولفظه: " حوضي ما بين عمان واليمن فيه آنية عدد النجوم، أحلى من العسل، وأبيض
من اللبن، واللبن من الزبد، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبداً " . لم يخرجوه.
رواية ثوبان رضي
اللّه تعالى عنه
قال الإِمام أحمد:
حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن سالم بن معدان، عن ثوبان رضي الله عنه،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنا بعقر حوضي يوم القيامة، أذود عنه
الناس لأهل اليمن وأضربهم بعصاي، حتى يرفض عنهم قال:
قيل: يا رسول الله،
ما سعته؟ قال: من مقامي إلى عمان يغت فيه ميزابان يمدانه
" .
ورواه أحمد أيضاً
عن عبد الصمد، عن هشام، عن قتادة، وعن عبد الوهاب، عن سعيد بن أبي عروبة، عن
قتادة، وعن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة به فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن عرضه فقال: " من مقامي هذا إلى عمان
" .
وقال عبد الرزاق:
" ما بين بصرى وصنعاء أو ما بين أيلة ومكة
" .
أو قال: " من
مقامي هذا إلى عمان " .
وسئل عن شرابه
فقال: " أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، ينبعث فيه ميزابان يمدانه من
الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورق
" .
وقال أبو يعلى:
حدثنا أبو بكر، هو ابن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر العبدي، حدثنا سعيد بن أبي
عروبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان رضي، لله
عنه، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنا عند عقر حوضي، أذود عنه الناس
لأهل اليمن، إني لأضربهم بعصاي حتى يرفضوا
" .
قال: وسئل نبي الله
صلى الله عليه وسلم عن سعة الحوض فقال: " من مقامي هذا إلى عمان، ما بينهما
شهر أو نحو ذلك " .
فسئل رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن شرابه فقال: " أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، بعث
فيه ميزابان، مداده أو مدادهما من الجنة، أحدهما ورق والآخر ذهب
" .
وهكذا رواه مسلم عن
أبي غسان مالك بن إسماعيل، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار ثلاثتهم عن معاذ بن
هشام عن أبيه عن قتادة بنحوه.
من مظاهر خشية عمر بن عبد العزيز رضي اللّه تعالى عنه
طريق أخرى عن ثوبان
أيضاً رضي اللّه تعالى عنه وأرضاه
قال أحمد: حدثنا
حسين بن محمد، حدثنا ابن عياش، عن محمد بن المهاجر، عن العباس بن سالم اللخمي،
قال: بعث عمر بن عبد العزيز إلى أبي سلام الحبشي، يسأله عن الحوض فحمل إليه على
البريد، فقدم به عليه، فسأله فقال: سمعت ثوبان رضي اللّه عنه: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: " إن حوضي من عدن إلى عمان البلقاء، ماؤه أشد بياضاً من
اللبن، وأحلى من العسل، وأكاويبه عدد النجوم، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها
أبداً، أول الناس وروداً عليه فقراء المهاجرين " ، فقال عمر بن الخطاب من هم
يا رسول الله؟ قال: " هم الشعث رؤوساً الدنس ثياباً، الذين لا ينكحون
المتنعمات المتمتعات، ولا تفتح لهم أبواب السدد، فقال عمر بن عبد العزيز: لقد نكحت
المتنعمات وفتحت لي السدد إلا أن يرحمني الله والله لا أدهن رأسي حتى تشعث ولا
أغسل ثوبي الذي بلى جسدي حتى يتسخ
" .
ورواه أيضاً
الترمذي في الزهد عن أنس بن إسماعيل، عن يحيى بن صالح. وابن ماجه فيه، عن محمود بن
خالد الدمشقي، عن مروان بن محمد الطاطري كلاهما عن محمد بن المهاجر، عن العباس بن
سالم عن أبي سلام به قال: شيخنا المزي في أطرافه، ورواه اليزيد بن مسلم عن يحيى
بن الحارث وشيبة بن الأحنف وغيرهما عن أبي سلام، وقال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا
هشام بن عمار، حدثنا صدقة. حدثنا زيد بن واقد، حدثني بشر بن عبيد الله، حدثنا أبو سلام
الأسود، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
حوضي بين عدن إلى عمان أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وأطيب رائحة من المسك
أكاويبه كنجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، وأكثر الناس عليه
وروداً فقراء المهاجرين قلنا: ومن هم؟ قال: الشعث رؤوساً الدنس ثياباً الذين لا
ينكحون المتمتعات ولا تفتح لهم أبواب السدد الذين يعطون الحق الذي عليهم ولا يعطون
الذي لهم " وهذه طريق جيدة أيضاً، والله الحمد، والمنة.
رواية جابر بن سمرة
رضي اللّه تعالى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فرط لأمته يوم القيامة على الحوض
المورود
قال أبو يعلى:
حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، حدثنا أبي، حدثنا زياد بن خيثمة، عن سماك بن حرب،
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني
فرطكم على الحوض، وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة، كأن الأباريق فيها
النجوم " وهكذا رواه مسلم: عن أبي همام، به وقال: " أنا فرط لكم على
الحوض " . والباقي مثله، والله سبحانه وتعالى أعلم.
رواية جابر بن سمرة
أيضاً رضي اللّه سبحانه وتعالى عنه
قال مسلم: وحدثنا
قتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة قال: أخبرنا حاتم بن إسماعيل، عن المهاجر بن
مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: كتبت الى جابر بن سمرة مع غلامي نافع،
أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فكتب إلي إني سمعته يقول:
" أنا الفرط على الحوض " .
رواية جابر بن عبد
الله رضي اللّه تعالى عنهما
وقال الإِمام أحمد:
حدثنا روح، حدثنا زكريا بن إسحاق، حدثنا أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله رضي
الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا على الحوض، أنظر
من يرد علي، قال: فيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب هؤلاء مني ومن أمتي، قال: يقال:
وما يدريك ما عملوا بعدك؟ ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم.
قال جابر رضي الله
عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحوض مسيرة شهر، وزواياه يعني
عرضه مثل طوله، وكيزانه مثل نجوم السماء، أطيب ريحاً من المسك، وأشد بياضاً من
اللبن، من شرب منه لم يظمأ بعده أبداً
" .
هذا اسناد صحيح،
على شرط مسلم، ولم يروه، وقد روي من طريق زكريا عن أبي الزبير، عن جابر، بستة أحاديث
ليس هذا منها.
الرسول صلى الله
عليه وسلم مكاثر بأمته يوم القيامة، وهو يأمرهم ألا يرجعوا كفاراً بعده يقتل بعضهم
بعضاً
طريق أخرى عن جابر
أيضاً رضي اللّه تعالى عنه وأرضاه
قال أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عمر، حدثنا يحيى
بن عبد الرحمن الأرجي، حدثنا عبيدة بن الأسود، عن مجالد، عن عامر هو الشعبي، عن
جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "
إني فرطكم على الحوض، وإني مكاثر بكم الأمم فلا ترجعوا بعدي كفاراً، يقتل بعضكم
بعضاً، فقال رجل: يا رسول الله ما عرضه؟ قال: ما بين أيلة أحسبه قال: إلى مكة، فيه
مكايل أكثر من عدد النجوم، لا يتناول مؤمن منها واحداً فيضعه من يده حتى يتناوله
أخوه " .
ثم قال: لا يروى عن
جابر إلا من هذا الوجه، ورواه ابن أبي الدنيا، عن أبي عبد الرحمن القرشي، عن عبيدة
بن الأسود به.
رواية جندب بن عبد
الله البجلي رضي اللّه عنه
قال البخاري: حدثنا
عبدان، أخبرني أبي، عن شعبة، عن عبد الملك قال: سمعت جندباً يقول: سمعت النبي صلى
الله عليه وسلم يقول: " أنا فرطكم على الحوض
" .
ورواه مسلم، من
حديث شعبة، وزائدة، ومسعر، ثلاثتهم عن عبد الرحمن بن عمر به.
ورواه الإمام أحمد
عن سفيان بن عيينة ثم قال: قال سفيان: الفرط الذي يسبق.
رواية جارية بن وهب
الخزاعي رضي الله عنهقال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا جرير بن عمارة،
حدثنا شعبة عن معبد بن خالد، أنه سمع جارية بن وهب يقول سمعت النبي صلى الله عليه
وسلم يقول وذكر الحوض فقال: " كما بين المدينة وصنعاء " . وزاد ابن أبي
عدي، عن شعبة، عن معبد بن خالد، عن جارية بن وهب سمع النبي صلى الله عليه وسلم
وقال: " حوضه ما بين صنعاء والمدينة
" .
فقال له المستورد:
" ألم تسمعه؟ قال: ألا وإني، قال: لا، فقال المستورد: نرى فيه: " الآنية
مثل الكواكب " .
وقال:
رواه مسلم، عن محمد
بن عرعرة، عن حرمي بن عمارة، عن شعبة، كما ساقه البخاري، ورواه عن محمد بن عبد
الله، وهو ابن أبي عدي، عن شعبة كما ذكره البخاري سواء، والمستورد هذا هو ابن شداد
بن عمرو الفهري، صحابي جليل، علق له البخاري، وأسند ذلك مسلم، وروى له أهل السنن
الأربعة، وله أحاديث.
رواية حذيفة بن
أسيد رضي اللّه عنه
عن أبي شريحة
الغفاري، أنبأنا عن الحافظ الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله أنه قال
في الجزء الذي جمعه في أحاديث الحوض: أخبرنا محمد بن أحمد بن نصر الأصبهاني بها:
أن الحسن بن أحمد الحداد أخبرهم قراءة عليه وهو حاضر، أخبرنا أحمد بن عبد الله
يعني أبا نعيم الأصبهاني، أخبرنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله،
حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا زيد بن الحسن، حدثنا معروف بن خربوذ، حدثنا أبو
الطفيل، عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: لما صدر النبي صلى الله عليه وسلم عن
حجة الوداع قال: " أيها الناس إني فرطكم على الحوض، إنكم واردون على حوض عرضه
ما بين بصرى، وصنعاء فيه أكواب عدد النجوم " لم يروه من أصحاب الكتب أحد ولا
أحمد أيضاً.
رواية حذيفة بن
اليمان رضي اللّه عنه العبسي
قال أبو القاسم
البغوي: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر، عن سعد بن طارق، عن ربع بن
حراش، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن حوضي لأبعد من أيلة وعدن، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم،
وهو أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، والذي نفسي بيده إني لأذود عنه الرجال،
كما يذود الرجل الإِبل الغريبة عن حوضه، قال قيل: يا رسول الله: تعرفنا يومئذ؟
قال: نعم، تردونه عليّ غراً محجلين من آثار الوضوء، وليست لأحد غيركم
" .
رواه مسلم، عن
عثمان بن أبي شيبة، بنحوه، وعلقه البخاري فقال: حصين عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي
صلى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى أعلم.
رواية زيد بن أرقم
رضي اللّه عنه
قال أحمد: حدثنا
عفان، حدثنا شعبة، قال عمرو بن مرة، أخبرني قال: سمعت أبا حمزة يقول: إنه سمع زيد
بن أرقم قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزل منزلاً فسمعته
يقول: " ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد على الحوض من أمتي
" .
قلت لزيد: كم كنتم
يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة.
وكذا رواه عن أبي
هاشم، عن شعبة، ورواه أبو داود، عن حفص بن عمر، عن شعبة، قلت:
وأبو حمزة هذا هو
طلحة بن يزيد الأنصاري مولى قرظة بن كعب، والله سبحانه وتعالى أعلم.
النار جزاء من يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية أخرى
عن زيد بن أرقم أيضاً رضي اللّه عنه
قال الحافظ
البيهقي: أخبرنا عبد الله الحافظ أخبرنا الحسن بن يعقوب العدل، حدثنا محمد بن عبد
الوهاب، أخبرنا حفص بن عون، أخبرنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي تيم الرباب،
حدثنا يزيد بن حيان التيمي، قال: شهدت ابن أرقم وقد بعث إليه عبيد الله بن زياد
فقال: ما أحاديث بلغني عنك أنك تحدث بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزعم أن
له حوضاً في الجنة فقال: حدثنا ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدناه، فقال:
كذبت، لكنك شيخ قد خرفت، قال: أما إنه سمعته أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسمعته يقول: " من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " وما كذبت
على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما رواية سلمان
الفارسي رضي الله عنه، فروى الإمام أبو بكر بن خزيمة رحمه الله، من حديث زيد بن
علي بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم آخر يوم من شعبان فقال: " يا أيها الناس: قد أظلكم شهر عظيم
مبارك " .
وذكر تمام الحديث
بطوله في فضل شهر رمضان إلى أن قال: " من أشبع فيه صائماً سقاه الله من حوضي
شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة
" .
فصل
لكل نبي حوض يوم القيامة، يتباهون أيهم أكثر ورادا
ً
رواية سمرة بن جندب
- رضي اللّه تعالى عنه - الفزاري
تال أبو بكر بن أبي
عاصم: حدثنا إبراهيم بن المعتمر، حدثنا محمد بن بكار بن بلال، حدثنا سعيد هو ابن
بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لكل نبي حوض، يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة
" .
وكذا رواه الترمذي،
عن أحمد بن محمد بن نيزك، عن محمد بن بكار بن بلال، عن سعيد بن بشير، وقال: هذا
حديث غريب، والله سبحانه وتعالى أعلم.
رواية سهل بن سعد
الساعدي رضي اللّه تعالى عنه
قال البخاري: حدثنا
سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن مطرف، حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال
النبي صلى الله عليه وسلم: " إني فرطكم على الحوض، من مر عليَّ يشرب، ومن شرب
لم يظمأ أبداً، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم
" .
قال أبو حازم:
فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعت من سهل فقلت: نعم، فقلت: أشهد على أبي
سعيد الخدري أننا نسمعه وهو يزيد فيها: فأقول: إنهم مني، فيقال لي: إنك لا تدري ما
أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي
" .
فقال ابن عياش:
سحقاً بعداً، ويقال: سحيق، بعيد، وأسحقه: أبعده. تفرَّد به من هذا الوجه والله
أعلم.
رواية عبد الله بن
زيد بن عاصم المدنيثبت في الصحيحين عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم
غنائم حنين فأعطى من أعطى من صناديد قريش والعرب فغضب بعض الأنصار فخطب قال لهم
فيما قال: " إنكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض
" .
رواية عبد الله بن
عباس رضي اللّه عنهما
قال أبو بكر
البزار: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير، حدثنا الليث بن أَبي سليم البزاز، عن عبد
الملك بن صعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله
يقول: " إني آخذ بحجزكم، أقول: إياكم وجهنم، وإياكم والحدود، ثلاث مرات، وإن
أنا مت تركتكم، وأنا فرطكم على الحوض، فمن ورد أفلح، ويؤتى بقوم فيؤخذ بهم ذات
الشمال فأقول: يا رب، أحسبه قال: فيقال إنهم ما زالوا بعدك يرتدون على أعقابهم
" .
ثم قال: تفرّد به
ليث، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير.
وقال البخاري: في
باب الحوض من صحيحه: حدثنا عمرو بن محمد، حدثنا هشام، أخبرنا أبو بشر وعطاء بن
السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: " الكوثر هو الخير الكثير الذي
أعطاه الله للرسول عليه الصلاة والسلام
" .
قال أبو بشر: قلت
لسعيد بن جبير إن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة فقال: من الكوثر إلى الحوض
ميزابان من ذهب وفضة " .
طريق أخرى عن ابن
عباس رضي اللّه تعالى عنهما
قال الطبراني: حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، حدثنا
محمد بن عبد الواهب الحارثي، حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن أبي مليكة،
عن ابن عباس رضي اله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حوضي
مسيرة شهر وزواياه سواء، وأكوابه عدد نجوم السماء ماؤه أبيض من الثلج، وأحلى من العسل،
وأطيب يعني ريحاً من المسك، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً
" .
طريق أخرى عن ابن
عباس رضي اللّه عنهما
قال ابن أبي
الدنيا: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا حسين بن محمد المروزي، حدثنا محصن بن عقبة
اليماني، عن الزبير بن شبيب، عن عثمان بن حاضر، عن ابن عباس قال: سئل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء؟ قال: " والذي
نفسي بيده إن فيه لماء، إن أولياء الله ليردن حياض الأنبياء ويبعث الله بسبعين ألف
ملك في أيديهم عصى من نار، يذودن الكفار عن حياض الأنبياء
" .
رواية عبد الله بن
عمر رضي اللّه عنهما
قال البخاري: حدثنا
مسدد، حدثنا يحيى، عن عبيد الله، حدثني نافع: عن بن عمر، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " إن أمامكن حوضاً كما بين جرباء وأذرح
" .
ورواه أحمد، عن
يحيى القطان، ورواه مسلم من حديث عبيد الله وأيوب وموسى بن عقبة وغيرهم عن نافع،
وفي بعض الروايات: " أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح، وهما قريتان بالشام فيه
أباريق عدد نجوم السماء، من ورده فشرب منه لم يظمأ بعدها أبداً
" .
طريق أخرى عن ابن
عمر بن الخطاب رضي اللّه عنهما
قال الإِمام أحمد:
حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عمر بن عمرو أو عثمان بن عمرو الأحموسي، حدثنا المخارق
بن أبي المخارق، عن عبد الله بن عمر، أنه سمعه يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: " حوضي كما بين عدن وعمان، أبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحاً
من المسك، أكوابه مثل نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، أول
الناس عليه وروداً صعاليك المهاجرين، قال قائل: ومن هم يا رسول الله قال: الشعثة
رؤوسهم، الشحبة وجوههم، الدنسة ثيابهم، لا تفتح لهم أبواب السدد، ولا ينكحون
المنعمات، الذي يعطون كل الذي عليهم، ولا يأخذون الذي لهم " . تفرَّد به أحمد.
طريق أخرى عنه رضي
الله تعالى عنهقال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عوانة، حدثنا عطاء بن السائب قال:
قال محارب بن دثار: ما كان سعيد بن جبير يقول في الكوثر؟ قلت: كان سعيد بن جبير
يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما نزلت: " إِنَّا أعْطَيْنَاكَ
الْكَوْثَرَ " .
قال لنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " هو نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، يجري على الدر والياقوت،
تربته أطيب ريحاً من المسك، وطعمه أحلى من العسل، وماؤه أشدّ بياضاً من الثلج
" .
ورواه البيهقي من
حديث حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب، به، وقال الترمذي: حسن صحيح.
رواية عبد الله بن
عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما
قال البخاري: حدثنا
شعبة بن أبي مريم، حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: قال عبد الله بن
عمرو: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن،
وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه فلا يظمأ أبداً
" .
ورواه مسلم عن داود
بن عمر، عن نافع، عن عمر، به.
طريق أخرى أيضاً
عنه رضي اللّه تعالى عنه
قال الإِمام أحمد:
حدثنا يحيى، حدثنا حسين المعلم، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبي سبرة، واسمه سالم
بن سبرة، قال: كان عبيد الله بن زياد يسأل عن الحوض، حوض محمد صلى الله عليه وسلم،
وكان يكذب به بعدما سأل أبا بريدة، والبراء بن عازب، وعائذ بن عمر، ورجلاً آخر،
وكان يكذب فقال أبو سبرة: أما أحدثك بحديث فيه شفاء هذا إن أباك بعث معي بمال إلى
معاوية، فلقيت عبد الله بن عمرو، فحدثني بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " إن الله لا يحب الفحش والتفاحش، أو يبغض الفحش والمتفحش، ولا تقوم
الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش، وقطيعة الرحم وسوء المجاورة وحتى يؤتمن الخائن،
ويخون الأمين، وقال: ألا إن موعدكمٍ حوضي عرضه وطوله واحد، وهو كما بين أيلة ومكة،
وهو مسيرة شهر، فيه مثل النجوم أباريق، شرابه أشد بياضاً من الفضة، من شرب منه
شراباً لم يظمأ بعده أبدأ " .
قال: فقال عبيد الله:ما سمعت في الحوض، حديثاً أثبت
من هذا وأصدق وأخذ الصحيفة فحبسها عنده.
طريق أخرى عنهقال
أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا محمود بن بكر، عن عبد الرحمن، حدثنا أبي، حدثنا
عيسى بن المختار، عن محمد بن أبي ليلى، عن عبيد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله
بن عمر الليثي، عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" إن لي حوضاً في الجنة، مسيرته شهر، وزواياه سواء، ريحه أطيب من المسك، ماؤه
كالورق، أقداحه كنجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً
" .
ثم قال: يعلم بما
روى عبيد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر.
طريق أخرى أيضاً
رواها الطبراني عن
أبي برزة رضي الله عنه من رواية أبى الوازع جابر ابن عمرو.
عن أبي برزة، رضي
الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" ما بين ناحيتي حوضي
كما بين أيلة الى صنعاء، مسيرة شهر، عرضه كطوله، فيه مرزابان ينبعثان من الجنة من
ورق وذهب، أبيض من اللبن، وأبرد من الثلج، فيه أباريق عدد نجوم السماء
" .
رواها الطبراني
وابن حيان في صحيحه من رواية أبي الوازع واسمه جابر بن عمرو عن أبي برزة.
رواية عبد الله بن
مسعود رضي اللّه عنه
قال البخاري: حدثنا
يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن سليمان، عن شقيق، عن عبد الله، عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: " أنا فرطكم على الحوض
" .
قال البخاري:
وحدثنا عمرو بن علي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن المعتمر، سمعت أبا وائل
يحدث عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أنا فرطكم على
الحوض، وليرفعن رجال منكم، ثم يحتجزون دوني، فأقول:
يا رب أصحابي،
فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك
" .
تابعة عن أبي وائل
وقال: حصين عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
طريق أخرى عن ابن
مسعود رضي الله عنه في الحوض وغيرهقال الإمام أحمد: حدثنا عارم بن الفضل، حدثنا
سعيد بن زيد، حدثنا علي بن الحكم البناني عن عثمان، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود،
عن ابن مسعود، قال: جاء ابنا مليكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: " إن
أمنا تكرم الزوج، وتعطف على الولد قال: وتقري الضيف، غير أنها ماتت في الجاهلية
فقالا: أمكما في النار، قال: فأدبرا والسوء في وجوههما، فأمر بهما فردا، فرجعا
والسرور يرى في وجوههما، رجيا أن يكون قد حدث شيء فقال: أمي مع أمكما، فقال رجل من
المنافقين: ما يغني هذا عن أمه شيئاً ونحن نطأ عقبيه، فقال رجل من الأنصار، ولم أر
رجلاً قط أكثر سؤالاً منه. يا رسول الله: هل وعدك ربك فيها أو فيهما؟ قال: فظن أنه
من شيء قد سمعه فقال: ما سألته ربي، وما أطمعني فيه، وإني لأقوم المقام المحمود
يوم القيامة، فقال الأنصاري: وما ذاك المقام المحمود؟ قال: ذاك إذا جيء بكم حفاة،
غراة، غرلاً، فيكون أول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فيقول الله: اكسوا
خليلي: فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما، ثم يقعد فيستقبل العرش، ثم أوتى بكسوتي،
فألبسها فأقوم عن يمينه مقاماً لا يقومه أحد غيري، يغبطني به الأولون والأخرون،
قال: ويفتح من الكوثر إلى الحوض، فقال المنافق: إنه ما جرى ماء قط إلا على حال أو
رضراض، فقال الأنصاري: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: على حال أو رضراض فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " حاله المسك ورضراضه التوم فقال المنافق: لم أسمع
كاليوم، قلما جرى ماء قط على حال أو رضراض إلا كان له نبته، فقال الأنصاري: يا
رسول الله، هل له نبت؟ فقال: نعم. قضبان الذهب، فقال المنافق:
لم أسمع كاليوم،
قلما نبت قضيب إلا أورق، وإلا كان له ثمر، فقال الأنصاري:
يا رسول الله، هل
له ثمر قال: نعم ألوان الجوهر، وماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، إن من
شرب منه مشرباً لم يظمأ بعده، وإن من حرمه لم يرو بعده " . تفرّد به أحمد وهو
غريب جداً.
رواية عتبة بن عبد
السلمي رضي اللّه عنه
قال الطبراني: حدثنا أحمد بن خليد الحلبي، حدثنا أبو
توبة الربيع بن نافع، حدثنا معاوية بن سلام: أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عامر بن
زيد البكالي: أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول: جاء أعرابي إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما حوضك الذي تحدث عنه فقال: " كما بين
البيضاء إلى بصرى، لا يدري إنسان ممن خلق الله أين طرفاه
" .
من رغب عن سنة
الرسول عليه السلام ضربت الملائكة وجهه عن الحوض يوم القيامة
قال أبو عبد الله
القرطبي: وخرج الترمذي يعني الحكيم في نوادر الأصول من حديث عثمان بن مظعون عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يا عثمان لا ترغب عن سنتي، فإنه من رغب
عن سنتي ثم مات قبل أن يتوب ضربت الملائكة وجهه عن حوضي يوم القيامة
" .
خشية الرسول صلى
الله عليه وسلم على أمته من التنافس في الدنيا رواية عقبة بن عامر الجهني رضي
اللّه تعالى عنه قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا الليث، عن يزيد، عن أبي
الخير، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فصلى على أهل
أحد صلاته على الميت ثم انصرف، فصعد على المنبر، فقال: " إني فرط لكم على الحوض،
وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن أو
مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن
تنافسوا فيها " .
ورواه مسلم، عن
قتيبة، عن الليث من حديث يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب به، وعنده: " إني
فرطكم على الحوض وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي،
ولكني أخشى عليكم الدنيا، أن تتنافسوا فيها وتقتتلوا، فتهلكوا، كما هلك من كان
قبلكم " .
قال عقبة: فكان آخر
ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر ما روي عن عمر
بن الخطاب رضي اللّه عنه في ذلك
أسند البيهقي من
طريق علي بن المديني: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن
مهران، عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم رحم، ورحم أبو بكر، ورحمت، وسيكون قوم يكذبون بالرحم، والدجال، والحوض،
والشفاعة، و بعذ اب القبر، وبقوم يخرجون من النار
" .
رواية النواس بن
سفيان العلابي رضي اللّه عنه أول من يرد الحوض يوم القيامة من يسقي العطاش في
الدنيا
قال عمر بن محمد بن
بحر البحيري: حدثنا سليمان بن سلمة حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم، حدثنا ابن
جريج، عن مجاهد، عن النواس بن سفيان، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" إن حوضي عرضه وطوله كما بين أيلة إلى عمان، فيه أقداح كنجوم السماء، أول من
يرده من أمتي من يسقط كل عطشان
" .
أورده الضياء من
هذا الوجه ثم قال: أرى أن هذا الحديث من صحاح البحيري والله أعلم.
من شرب من الحوض المورود
حيل بينه وبين الظمأ وحفظ وجهه فلم يسود
رواية أبي إمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه
قال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا دحيم، حدثنا الوليد
بن مسلم، حدثنا صفوان، عن سليم بن عامر، عن أبي اليمان الهورني، عن أبي أمامة أبي
يزيد بن الأخنس: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما سعة
حوضك؟ فقال: " كما بين عدن إلى عمان - وأشار بيده وأوسع - فيه ضفتان من ذهب
وفضة، قال: فما شراب حوضك؟ قال: أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وأطيب رائحة
من المسك، من شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، ولم يسود وجهه
" .
طريق أخرى عن أبي أمامةقال
ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن يوسف بن الصباح، حدثنا عبد الله بن وهب، عن معاوية
بن صالح، عن أبي يحيى، عن أبي إمامة الباهلي قال: قيل يا رسول الله ما سعة حوضك؟
قال: ما بين عدن وعمان - وأشار بيده وأوسع - وفيه ضفتان من ذهب وفضة، قيل: يا رسول
الله: فما شرابه؟ قال أبيض من اللبن وأحلى مذاقاً من العسل، وأطيب ريحاً من المسك،
من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، ولم يسود وجهه بعدها أبداً.
رواية أبي برزة
الأسلمي رضي الله تعالى عنهقال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عبد السلام
بن أبي حازم أبو طالوت قال: شهدت أبا
برزة دخل على عبيد الله بن زياد فحدثني فلان - سماه -
مسلم، وكان في السماط، فلما رآه عبيد الله قال: إن محدثكم هذا الدحداح ففهمها
الشيخ فقال: ما كنت أحسب أني أهان في قوم يعيروني بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم!!
فقال له عبيد الله: إن صحبة محمد لك زين غير شين: ثم قال: إنما بعثت إليك لأسألك
عن الحوض، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيه شيئاً. قال أبو برزة: نعم.
لا مرة، ولا اثنتين، ولا ثلاثاً، ولا أربع، ولا خمساً، فمن كذب به فلا سقاه الله
منه ثم خرج مغضباً.
لا يسقى من الحوض
من كذب بهوقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني أبو خيثمة، أخبرنا يزيد بن هارون،
أخبرنا محمد بن مهرم العبدي، عن أبي طالوت العنزي، سمعت أبا برزة يقول: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لي الحوض، فمن كذب به فلا سقاه الله منه
" .
وقد رواه البيهقي
من طريق أخرى، عن محمد بن يحيى الذهلي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن قرة بن خالد، عن
أبي حمزة طلحة بن يزيد مولى الأنصار، عن أبي برزة في دخوله على عبيد الله بن زياد بنحو
ما تقدم.
طريق أخرى عن أبي
برزةقال أبو بكر بن عاصم: حدثنا عبده بن عبد الرحيم، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا
شداد بن سعيد قال: سمعت أبا الوازع وهو جابر يزعم أنه سمع أبا برزة الأسلمي يقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة
إلى صنعاء، مسيرة شهر، عرضه كطوله، فيه ميزابان يعبان من الجنة، من ورق وذهب، أبيض
من اللبن، وأحلى من العسل، فيه أباريق عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها
أبداً، ومن كذب به فلا سقاه الله " يعني منه.
رواية أبي بكرة الثقفي
رضي الله عنهقال أبو بكر بن أبي الدنيا في الأهوال: حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا
روح، حدثنا حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن أبي بكرة، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: " أنا فرطكم على الحوض
" .
رواية أبي ذر
الغفاري رضي الله تعالى عنهقال مسلم بن الحجاج في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي
شيبة، وإسحاق بن إبراهيم، وابن أبي عمر المكي، واللفظ لأبي شيبة قال إسحاق: أخبرنا
وقال الآخران: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد: عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله
بن الصامت، عن أبي ذر، قال: قلت يا رسول الله ما آنية الحوض قال: " والذي
نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة المظلمة لا المصحية،
من آنية الجنة، يشخب فيه ميزابان من الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما
بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل " هذا لفظه
إسناداً ومتناً.
الرسول صلى الله
عليه وسلم أكثر أنبياء اللّه تابعين يوم القيامة رواية أبي سعيد الخدري رضي اللّه
تعالى عنه
قال ابن أبي عاصم:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا زكريا، عن عطية العوني، عن
أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن لي حوضاً طوله ما
بين الكعبة إلى بيت المقدس، أبيض من اللبن، وآنيته عدد النجوم، وإني لأكثر
الأنبياء تبعاً يوم القيامة " .
ورواه ابن ماجه: عن
أبي بكر بن أبي شيبة.
وقال ابن أبي
الدنيا: حدثنا محمد بن سليمان الأسدي، حدثنا عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عطية عن
أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن لي حوضاً طوله ما بين
الكعبة إلى بيت المقدس، أشد بياضاً من اللبن آنيته عدد النجوم، وكل نبي يدعو أمته،
ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام، ومنهم من يأتيه العصبة ومنهم من يأتيه
النفر، ومنهم من يأتيه الرجلان، ومنهم من يأتيه الرجل، ومنهم من لا يأتيه أحد،
فيقال: قد بلغت، وإني لأكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة
" .
بين قبر الرسول
عليه الصلاة والسلام ومنبره روضة من رياض الجنةوروى البيهقي من طريق روح بن عبادة،
عن مالك، عن حبيب، عن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة
" .
ثم قال: ورواه
البخاري من وجه آخر عن مالك، وأخرجاه من حديث عبد الله بن عمر عن حبيب بدون ذكر
سعيد.
رواية أبي هريرة
الدوسي رضي الله عنه
أقسام الكتاب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق